الخميس، 27 أغسطس 2015

إسهام السودان في حل الأزمة الجنوبية.. معاني ودلالات!

ساهم السودان ضمن مجموعة دول الجوار الأربع لدولة جنوب السودان في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الجنوبيين لإنهاء صراعهم الدامي الذي دخل عامه الثاني.
إجتماعات دول الجوار الجنوبي التي وصفتها مصادر دبلوماسية مطلعة بأنها كانت شاقة ومضنية أسفرت عن توقيع الفرقاء في جوبا على وثيقة الإيقاد المقترحة من قبلهم لوضع حد للحرب الجنونية الدائرة هناك.
وعلى الرغم من أن الطرف الحكومي في جوبا وقع على الوثيقة بالأحرف الأولى طالباً مزيداً من الوقت للتشاور والدراسة، إلا أن مجمل هذا التطور يعتبره العديد من المراقبين أمراً جديراً بالتقدير، إذ أن الحاجة ما تزال ماسة بشدة لإنهاء الصراع الجنوبي الجنوبي الذي أسفر عن مأساة إنسانية متصاعدة تفوق قدرة المنطقة على احتمالها.
إسهام السودان في تقريب شقة الخلاف بين الفرقاء الجنوبيين عبر مشاركة فاعلة من الرئيس البشير بحيث أمكن التوصل لهذه النتيجة الجيدة، إنما هو إثبات عملي مباشر على أن السودان على أية حال ورغم كل ما ظل يعانيه منذ ما يجاوز الخمسة أعوام من تصرفات الحكومة الجنوبية ودعمها للفصائل السودانية المسلحة التي تقاتل الحكومة السودانية حريص غاية الحرص على ترسيخ السلام والاستقرار في الدولة الجنوبية الوليدة.
ولا شك أن في هذا الموقف السوداني النبيل مغزى سياسي بالغ العمق والأهمية إذ ليس من المألوف أن يتسامى بلد فوق جراحه بهذا القدر ويسعى بجدية لإنهاء حالة الحرب في بلد مجاور، مع أن هذا البلد المجاور وعلى العكس تماماً يسعى لزعزعة استقرار السودان بدأب ومثابرة عجيبين؛ وذلك عبر دعم غير محدود لأكثر من 4 فصائل مسلحة ترفع السلاح في وجه الخرطوم، بل إن المفارقة إنه وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس البشير يشارك بفاعلية في اجتماعات دول الجوار الجنوبي ومجموعة الإيقاد كانت كل هذه الفصائل السودانية المسلحة موجودة على أرض دولة الجنوب وتقوم بهجمات على القوات الحكومية السودانية!
المغزى هنا يكمن في عدد من النقاط الإستراتيجية المهمة: أولاً، حرص السودان -كما أسلفنا- على استقرار الأوضاع في الدولة الجنوبية الوليدة بصرف النظر -في الوقت الحاضر- عما إذا كان هذا الاستقرار في جوبا يتضمن التزام جوبا بوقف دعمها للفصائل السودانية المسلحة الناشطة ضد الخرطوم.
فصلَ السودان ما بين الموقفين رغم ارتباطهما الوثيق، هو أبلغ دليل على حسن نية السودان وحرصه على علاقة حسن جوار حقيقية مع الدولة الوليدة للتأسيس في المستقبل القريب لعلاقة إستراتيجية قوامها التعاون المشترك. السودان ومن خلال خبرة وتجربة مماثلة مع بعض دول الجوار مثل تشاد وإفريقيا الوسطى وأرتريا لديه قناعة راسخة أن جوبا لا محالة عائدة إلى حقائق الواقع على الأرض لبناء علاقة جيدة تقوم على تعاون مشترك وقوات حدودية مشتركة ونفض الأيدي عن دعم حملة السلاح في مواجهة الخرطوم؛ وهي في حسابات السودان مسألة وقت وإدراك بالنسبة لجوبا.
ثانياً: حيازة السودان لثقة المجتمع الإقليمي والمجتمع الدولي بكون (يديه نظيفتين) نظافة كاملة بشأن علاقاته بدولة جنوب السودان وأنه غير متورط مطلقاً في دم فصائل جنوبية ناشطة ضد جوبا تتيح له وضعاً متقدماً ومهما للغاية يجعل منه بلداً محورياً في قضايا المنطقة وهذه نقطة إستراتيجية مهمة، من الطبيعي بل ومن المطلوب أن تحرص عليها الحكومة السودانية لأنها -باختصار شديد- تعزز مكانة السودان الإقليمية وتمنع عنه غوائل الاتهامات الظالمة التي ظل أسيراً لها طوال السنوات الماضية.
ثالثاً: نجاح السودان في التقريب بين الفرقاء الجنوبيين دليل دامغ على انه يحتفظ (بمسافة واحدة) من هذه الأطراف، وهذا يمنحه ميزة التأسيس لعلاقة مستقبلية مع كل الطيف السياسي في دولة الجنوب مهما تبدلت الأوضاع أو تغيرت الأنظمة! وأخيراً فإن السودان في الواقع يعطي المثال للحلول المحلية للأزمات السياسية وهو يمارسها الآن بشأن الحوار الوطني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق