الخميس، 27 أغسطس 2015

حوار واشنطن الخرطوم .. ماذا تحت الطاولة؟

إنعام عامر-
تفاؤل كبير عم الأوساط السياسية في الخرطوم بخصوص مؤشرات ربما حسبت بشكل ايجابي قد يقود الى احداث اختراق في هذا الملف.. حزمة جيدة من الحوافز قدمتها واشنطن خلال الاشهر القليلة الماضية للخرطوم من بينها السماح باستيراد الأجهزة التقنية الخاصة بالاتصالات والحاسب الآلي وتعاون في مجال الزراعة والصحة.. وفي هذا الغضون تزور لجنة امريكية الخرطوم في الايام المقبلة لوضع مصفوفة للحوار بين البلدين... وسط تكهنات بعضها حذر. والمسؤولون في الخرطوم رفضوا ما سموه حوار «الوصفات الجاهزة».. فهل تقبل واشنطن بكشف ما تحت الطاولة وادارة حوار شفاف وعادل بخصوص هذا الملف. وزير الخارجية إبراهيم غندور استبق زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي إلى السودان دونالد بوث أواخر الشهر الجاري إلى الخرطوم، لإعلان عدم رغبة حكومته في الحوار مع واشنطن عبر ما سماها «وصفات جاهزة» يفرضها الأخير، وقال إنها أثبتت فشلها من قبل، مشيراً إلى أن حكومته أبلغت مسؤولين أميركيين ذلك صراحةً، في أطر وأزمنة مختلفة.
وأضاف أن بلاده تتطلع لإجراء حوار جاد مع الولايات المتحدة ضمن إطار فني يناقش الملفات ذات الاهتمام للوصول إلى فهم مشترك. وأعرب عن أمله في أن يأتي المبعوث الأميركي بإطار عمل فني وسياسي متكامل، وقال: «هذا ما ننتظره من الجانب الأميركي وإذا حدث يمكن أن نمضي في آفاق الحوار». ودعا القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم، جيري لانيير، في رسالة بمناسبة اليوم الوطني للولايات المتحدة اواخر الشهر الماضي، دعا كل المقاتلين من جميع الاطراف إلى وضع أسلحتهم والبدء في حوار وطني هادف.
وقال لانيير «لا بد من معالجة قضايا السودان دون رصاص أو قنابل»، بيد ان الأمر يتوجب حالة انصاف اخرى تدخل فيها الحركات حاملة السلاح.
وحال عدم جلوس لجنة واشنطن مع كل الاطراف فإن حوارها سوف يكون اعرج وربما لا يفضي إلى مبتغاه.
وحول العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، قال لانيير، إن الحوار مع الحكومة السودانية يمضي ببطء، وإنه يتطلب من السودان اتخاذ إجراءات حقيقية وفعّالة لوقف العنف. وأوضح أن بلاده تعتبر أكبر جهة مانحة للسودان، حيث تبرّعت بأكثر من «302» مليون دولار خلال السنوات الخمس الماضية، وأنفقت حوالى مليار دولار تمثل في مليون طن من المواد الغذائية للنازحين في السودان.
وتزامن إعلان مبعوث الرئيس الامريكي الى السودان وجنوب السودان لرفع الحظر الاقتصادي عن السودان جزئياً والسماح له باستيراد اجهزة الاتصالات وتقاناتها، مع إعلان الخرطوم عن زيارة لمساعد وزير الخارجية الامريكي للديمقراطية وحقوق الإنسان الى السودان خلال فبراير الماضي. وكان المبعوث الامريكي دونالد بوث قد أعلن في تصريحات نقلتها وكالة «أسوشيتد برس» أن بلاده قررت السماح للسودان باستيراد الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر وبرامجها وجميع البرامج المرتبطة بتقنية الاتصالات.
ومن جانبه كان نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للديمقراطية وحقوق الإنسان إستيفن فيلدستاين، قد تعهد بنقل ملاحظات وتحفظات المسؤولين في الحكومة السودانية على طريقة تعامل الولايات المتحدة مع السودان للإدارة الأميركية، خلال زيارته للسودان في فبراير الماضي، مؤكداً استمرار الحوار البناء بين واشنطن والخرطوم.
وحال تعثر اية جهود تقود الى انفراج حقيقي في العلاقات بين البلدين او تعثر اية جهود لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، فإنه علينا هنا استصحاب عقبات من بينها صعوبة اتخاذ اية قرارات في المنظومة التي تتعلق بملفات العلاقات الخارجية بالنسبة لواشنطن، بسبب توزيع الدستور الامريكي لمهام السياسة الخارجية ما بين مؤسسة الرئاسة والكونغرس ومجلس الشيوخ.. بيد أن هنالك بارقة أمل للساسة في الخرطوم مردها التحول الكبير في سياسات واشنطن تجاه ما سمتها دول «محور الشر»، وعلينا هنا بالطبع استصحاب حالات تسوية ملفات كل من طهران وكوبا. وهنا ربما ادرك الساسة في الخرطوم ان منطق المصالح وحده هو الذي يحرك العقل الأمريكي بخصوص مثل تلك الملفات ومن بينها بالطبع ملف التطبيع مع الخرطوم.
ورغم إظهار واشنطن نفسها عدم الحماس في الإسراع بفتح بوابة التطبيع مع الخرطوم على مصراعيها، الا ان محللين لا يستبعدون ذلك، بيد أن الأمر برمته بالنسبة لواشنطن مرهون بما تقدمه الخرطوم من تنازلات بخصوص ملفات عديدة عالقة، من بينها وقف الآلة العسكرية في مناطق التمرد، والدفع باتجاه تسوية تلك القضايا عبر حوار وطني شامل يجمع كل أطياف القوى السياسية بالبلاد.
وهنا تشكك الخرطوم في نوايا واشنطن ورغبتها غير الخفية في تفكيك النظام من الداخل، وأبدت مراراً مخاوفها من تلك الشكوك الا انها لم تيأس من سير قاطرة التطبيع.
وهنا تستند الخرطوم إلى حزمة من المتغيرات الدولية والإقليمية التي ربما تصب في مصلحتها. وتنظر هنا بعين فاحصة إلى الطريقة التي يطوي بها أوباما صفحاته الأخيرة من كتاب الرئاسة بطي صفحات العداوات التأريخية مع ما سموها «دول محور الشر».
وخلص استراتيجيون الى أن تطبيع العلاقات بين البلدين مازال بعيداً نسبياً فى ظل تجدد الشروط التى تضعها واشنطن في كل حين، إضافة إلى أن رعاية الدولة الوليدة في جنوب السودان وصيانة مصالحها تجيء على رأس الأولويات الأمريكية في الوقت الراهن، في ظل تواصل نهج عسكرة السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق