الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

عن الدعوة الأمريكية لاستعادة وحدة السودان..!

بقلم: طه النعمان
٭ قد يعجب المرء لانطلاق دعوة من أحد مستودعات التفكير الأمريكية أو ما يعرف بـ (THINK-TANKS) في الولايات المتحدة لإعادة توحيد السودان، بعد أن تبنت الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية بحماس غير منكور الدعوة للانفصال وتنفيذه.. وكان هم المبعوث الأمريكي حينها «غرايشن» هو إجراء الانتخابات الرئاسة والبرلمانية على أي شكل كان تمهيداً للاستفتاء الذي صمم لفصل جنوب البلاد عن شمالها، كما أعلن غرايشن نفسه حينذاك.
٭ الدعوة التي صدرت عن معهد «فورين بوليسي إن فوكاس».. وترجمته السياسة الخارجية تحت النظر أو المجهر.. تعبر عن حالة إحباط في واحد من مستودعات التفكير ومراكز الأبحاث الأمريكية التي تساهم بطريقة أو أخرى في بلورة ودعم القرارات.. وتكمن أهمية المعهد المذكور في تركيز أعماله على بلورة الرؤى المتصلة بالسياسة الخارجية الأمريكية.. ومن هنا كان اهتمامنا بالدعوة.. بالرغم من أنها لم تأخذ طريقها إلى مراكز صنع القرار الرسمية بعد.
٭ الدعوة لابد أنها لامست شقاف قلوب السودانيين من الوحدويين والوطنيين الديمقراطيين الذين تجرعوا مرارة انفصال جزء عزيز ومهم من وطنهم، وما ترتب عليه من اضطراب في أحوال البلاد والعباد، أمناً واقتصاداً.. ولابد أنها في الوقت ذاته أثارت الرعب لدى الانفصاليين الشماليين والجنوبيين على حد سواء برغم الأحقاد ومشاعر الكراهية التي تعتمل في صدورهم تجاه بعضهم البعض، بعد أن هللو وكبروا ونحروا الذبائح احتفالاً بما أسموه «يوم الاستقلال» الجديد والمجيد.. وسيكررون غداً محفوظاتهم القديمة: إنها من قبيل عودة الاستعمار والكيد للإسلام.
٭ استند المعهد في دعوته، بحسب كاتبها أو من عكفوا على اعدادها على نتائج التجربة المحبطة ذات السبع سنوات من الانفصال.. تجربة انتهت كما يقول تقرير المعهد إلى الفشل التام بناء على معطيات حددها في :

1/ إن دولة الجنوب تفتقر إلى المكونات الأساسية اللازمة لبناء الدولة.

2/ حصاد التجربة لم يكن سوى العنف والأزمات الداخلية التي تبدو بلا نهاية.

3/ استياء المجتمع الدولي الذي وقف إلى جانب الانفصال ودولة الجنوب من العنف والحرب الأهلية التي شردت ملايين المدنيين الأبرياء.

4/ قرار الدولة الجنوبية طرد مسؤولي الأمم المتحدة تحسباً لوصول المعلومات عن حالات الانتهاك إلى بقية العالم، مما اضطر مجلس الأمن إلى فرض حظر السفر وعقوبات رادعة رداً على ذلك.

5/الحركة الشعبية الجيش الشعبي لتحرير السودان لم يكن «حركة تحرير» ولكن «منظمة إرهابية إقليمية» تسعى لتدمير السودان واقتطاع أراضيه ليحكم عسكرياً وبمساعدة غربية ونجح في ذلك.

6/ فشل المحاولات العديدة للمصالحة ومساعدة دولة الجنوب للبقاء على قيد الحياة.. وهي محاولات بلا جدوى في ضوء تنكر سلفاكير ونائبه السابق مشار لكل ما تم توقيعه من اتفاقات.. وهما ليس أكثر من دُمَي ترغب أن تكون مهيمنة في كل الأحوال.

7/ انتهى التقرير إلى أنه لم تعد هناك إلا طريقة واحدة لابقاء الجنوب نفسه على قيد الحياة.. وأنهم لكي «يكونوا صادقين» فإن أفضل طريقة هي تخليص الجنوب من هذه الدُمَى والاتجاه إلى الوحدة مع السودان ببذل الجهد للتوفيق بين دولتي السودان وتوحيد البلاد.
٭ وبالرغم من أننا نتفق مع كثير من النقاط السبع التي فصلناها.. إلا أنه لابد من الإشارة مجدداً إلى أن الانفصال قد وقع بتشجيع وتنظير من أحد مراكز البحوث الامريكية «مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية» إثر ورشة عقدها لهذا الغرض وخروج منها بورقة عنونها بـ «وقف الحرب.. وسودان بنظامين».. نشرنا مضمونها وحذرنا من خطرها- ونحن في واشطن- بالغراء الرأي العام عام 2001 تحت عنوان (خفايا الورقة الأمريكية).. فأصبحت تلك الورقة بمثابة الإطار أو الدستور الذي فصلت قوانينه في مفاوضات ميشاكوس ونيفاشا وتلقته الحركة الشعبية والحكومة السودانية ونفذتاه نصاً وروحاً، تحت غطاء رقيق ومهترى وخادع أسموه وقتها «الوحدة الجاذبة» التي لم تجذب أي من أطراف «اللعبة» لشرائها، كما فصلنا مراراً على مساحة هذه الزاوية حينئذاك.
٭ الملاحظة الأخرى، تتصل بتصنيف التقرير «للحركة الشعبية» بأنها منظمة إرهابية، وهو تصنيف مغالٍ ويفتقر إلى الدقة.. فالحركة الشعبية منذ نشأتها كانت حركة انفصالية متمردة ومسلحة، وكانت بداياتها بتشجيع من الغرب ذاته.. خلافاً لكل حركات التحرر الوطني التي شهدتها دول العالم الثالث أواسط القرن الماضي.. التي كانت تبحث عن الحلفاء «شرقاً».. لكن الحركة شهدت تحولات كبيرة بعد اتفاقية أديس أبابا وسادت في أوساطها رؤية وحدوية بقيادة جون قرنق من أجل بناء سودان جديد عادل وديمقراطي ومستوعب لجميع أبنائه.. لكن جاءت لحظة فارقة في حياة الحركة بالرحيل المفاجئ وربما «المدبر» لجون قرنق لينفتح الطريق مجدداً أمام الانفصاليين «القوميون الجنوبيون» ليقفزوا إلى صدارة المشهد وينتهوا بالجنوب والسودان إلى ما انتهى اليه.. فوقعت الواقعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق