الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

الخرطوم .. رقم لن تتجاوزه جوبا

بقلم/ د. سامية علي
تظل جوبا في حاجة دائمة إلى عون الخرطوم، فدولة الجنوب التي لا تزال تلصق بها صفة الدولة الوليدة على الرغم من الدعم الذي بدأت تقدمه دول الغرب المساندة لها للانفصال، إلا أنها تعاني عدم الاستقرار، بل أنها مهددة بالانهيار، فالصراعات التي تطوقها منذ السنة الأولي للانفصال في حالة تزايد، بما جعلها لا تقوى على توفير أقل درجات الأمن والاستقرار لمواطنيها..
مواطنيها الذين تغنوا ورقصوا طرباً بالانفصال والآن يذوقون الآمرين، ويلات الصراعات والنزاع الدموي، ومعاناة الجوع الذي كاد أن يقضي على حياتهم لو لا نزوحهم ناحية الشمال، إذ تظل الخرطوم تستقبل الآلاف من أبناء الجنوب دون من أو أذي، ولم تذكرهم بما نطقت به ألسنتهم وهم فرحون بدولتهم، يعبرون عن ذلك بعبارات جارحة وألفاظ غير كريمة..
ولا زالت الخرطوم تقدم العون السياسي واللوجستي لأجل أن تستقر جوبا، بدءً من قمة الإيقاد التي التأمت وظلت على إنعقاد دائم منذ أن تفجرت الصراعات بين سلفاكير رئيس دولة الجنوب ونائبه السابق رياك مشار وباقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية، وكانت بصمات وفد السودان وضاحة، في محاولة لملمة أطراف النزاع بين المتصارعين، وقد أثنت كل الدوائر الإقليمية والدولية على هذا الدور الإيجابي الذي لعبته الخرطوم آنذاك.
وكان الحرص على إشراك السودان في حلحلة مشكلات الجنوب، باعتبار أن الخرطوم الأكثر قرباً وتفهماً لطبيعة المشكلة هناك، وهي الادري بخفايا شخصية القيادات الجنوبية، لذا تستطيع أن تصل للحلول بأقصر الطرق...
وفي الاجتماع الأخير الذي انعقد بأديس أبابا نهاية الشهر الماضي بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وعدد من قادة الدول الأفارقة ودول الإيقاد وقادة الاتحاد الأفريقي، بغرض دراسة الأوضاع بدولة الجنوب وتطوراتها وبحث إشكالات الحرب والدفع في اتجاه السلام والتصالح، كان السودان حضوراً هناك، بوفد عالي المستوي برئاسة بروفسور إبراهيم غندور وزير الخارجية، ومشاركة محمد عطا المولي المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات، وكانت للوفد مساهماته الواضحة في ذاك اللقاء.
طلب مشاركة السودان في لقاء رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بأديس أبابا، وهي الدولة الأكثر تأثراً في مجريات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، لهو دليل واضحة على الاعتراف بدور السودان الكبير والمتعاظم في حل مشكلات المنطقة، ومشكلات دولة الجنوب على وجه الخصوص.
وأوضح دليل على ذلك ما صرح به كمارا تويلا المسئول بالمفوضية السياسية للاتحاد الأفريقي، وتأكيده لدور السودان العظيم في المنطقة، وتقدير الاتحاد للدور الإقليمي للسودان، الذي وصفه بالمهم والمحوري وبالأخص ملف جنوب السودان، بل امتدح الدور الإنساني للسودان الذي قام به أثناء النزاعات وأثني على رؤية السودان البناءة التي طرحها للحل المستدام لقضية الجنوب واستدامة السلام بالجنوب.
ومهما حاول البعض من تقليل دور السودان وإضعاف شانه، فهو يظل رقماً يصعب تجاوزه، في كل القضايا التي تهم المنطقة العربية والشرق الأوسط، سواء كان سلمياً أو عسكرياً، فالسودان كان له دور واضح في إطفاء نار الخلافات بين القاهرة وأديس أبابا فيما يخص سد النهضة، واستطاع أن يمتص بوادر الصراع الذي كاد أن يشتعل بين البلدين، فكانت الخرطوم خير وسيط بين القاهرة وأديس حتى تجاوز كلا البلدين الأزمة...
عسكرياً كانت مشاركة السودان لها تأثير بالغ في عاصفة الحزم التي تبنتها المملكة العربية السعودية، في محاربة الحوثيين وحسم تمددهم باليمن الذي كاد أن يهدد المملكة نفسها، ويذكر الكثيرون كيف كانت مساهمة الجيش السوداني في تلك المعركة..
وتظل الخرطوم تمثل العمق الاستراتيجي لجوبا، والملجأ لها حينما تعصف بها الخلافات والصراعات، فمن المتوقع أن يزور وزير الخارجية الجنوبي السودان قريباً، وربما تبحث الزيارة تطورات الأوضاع هناك، والدفع بالملفات العالقة بين الخرطوم وجوبا، وزيارة ثامبو أمبيكي ممثل الاتحاد الأفريقي للمفاوضات للسودان ربما كان الهدف منها حث الرئيس البشير للتوسط بين الفرقاء بالجنوب ليتوصلوا لاتفاق قبل نهاية المهلة المقررة والمزمع انتهاءها خلال أغسطس الجاري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق