الأحد، 16 أغسطس 2015

جوبا وتل أبيب .. لعنة الجاسوسية والسلاح!

إنعام عامر
-ربما بدأ أمر البحث في العديد من ملفات الجاسوسية المقرصنة أمراً صعباً للغاية.. على ذات النهج الذي ضبطت به ملفات داخل حاسوب ضابط الارتباط الإسرائيلي (م.ص)، بمكتب رئيس حكومة بنيامين نتنياهو)، نشرتها وسائل إعلام، إلا أن محادثة جرت بتاريخ 28/05/2014 بين الضابط المشار اليه ومحدثه على الطرف الآخر كانت كفيلة بكشف ما هو ابعد من ذلك، وربما لم يخطر على بال.. فقد كشفت أن مجموعات مسلحة في جنوب السودان بحاجة الى مضادات للطائرات (1000 قطعة) وطلب المتحدث من الضابط أن يرسل له صور الأسلحة وأسعارها. فعرض عليه الأخير (100) ألف بندقية AKM وعشرين مليون طلقة بلغارية الصنع، و(23) مضاداً بسبطانتين وبثلاث سبطانات موجودة في أوكرانيا وبلغاريا، و(11) صاروخاً محمولة على الكتف نوع (ستينغر) أميركية الصنع وصواريخ.. الخ وألف رشاش عيار (23) مضادة للطائرات.
-ترسانة للسلاح
تفاصيل تلك القصة ومؤشرات عديدة تؤكد تورط تل ابيب في اغراق دولة جنوب السودان بالسلاح، مقابل تعاون في مختلف الانشطة المخابراتية والعسكرية بما فيها ملفات الجاسوسية حيث تسمح جوبا لاسرائيل بممارسة مثل تلك الانشطة انطلاقاً من اراضيها. وحسب نشرات اسرائيلية رسمية فقد تضاعف حجم صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى دولة جنوب السودان ثلاث مرات خلال الأربع سنوات الماضية فبعد أن كانت (107) مليون دولار عام 2010 وصلت إلى (318) مليون دولار عام 2014، وكشف بيانات صادرة عن وزارة الدفاع الإسرائيلي الشهر الماضي عن ارتفاع صادرات السلاح إلى دول أفريقيا خلال العام الماضي بنسبة 40 في المائة، ووقعت صفقات بمبلغ 3018 مليون دولار مع تلك الدول مقابل (223) مليون دولار في 2013 الى ذلك لم تكشف وزارة الدفاع الإسرائيلية حجم أو أي اسم للتعامل الإسرائيلي العسكري مع أي دولة أفريقية متعللة بالمصالح الاستراتيجية والضرورات الأمنية. ورفضت التعقيب على تقارير واردة حول مدى صحة تصدير أسلحة إسرائيلية الى دولة جنوب السودان التي تشهد حربا أهلية، وحول الاشتباه باستخدام جيش جنوب السودان هذه الأسلحة وارتكابه جرائم إنسانية. وهنا تبقى العلاقات الاستراتيجية بين كل من جوبا وتل ابيب تحكمها لغة المصالح المخابراتية والعسكرية للدولتين.
وفي الغضون جاء رد وزارة الدفاع الإسرائيلية على استجواب أرسلته عضو الكنيست الإسرائيلية عن حزب «ميرتس» اليساري، تمار زاندبرغ، حول مدى صحة تقارير تؤكد ارسال اسلحة الى حكومة جنوب السودان. وطالبت عضو البرلمان الإسرائيلي عن حزب اليسار «ميرتس» تمار زاندبيرغ في رسالة خطية وجهت إلى وزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعلون بداية شهر يونيو الماضي «وقف كافة الصادرات العسكرية الإسرائيلية الى حكومة جنوب السودان». وفي رسالتها إلى يعلون، قالت زاندبيرغ «أشارت تقارير أن الأسلحة الإسرائيلية تتدفق الى جنوب السودان منذ حصولها على الاستقلال في عام 2011، إضافة إلى أسلحة تحصل عليها من دول مجاورة مثل أوغندا».
وحسب وسائل اعلام اسرائيلية استشهدت زاندبيرج أيضا بتقارير تفيد أن «اسرائيل قامت بتدريب الجنود في جنوب السودان، وهذه التدريبات استفاد منها الجيش في الحرب الأهلية الدائرة في الدولة، كما يستخدم الجيش الأسلحة التي يتلقاها من إسرائيل لارتكاب جرائم ضد الإنسانية ولذلك يجب إلغاء كافة تراخيص التصدير الممنوحة لوزارة الدفاع في دولة جنوب السودان».
وعقّب أحد كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلية على استجواب زاندبرج بشكل عام دون تحديد دولة جنوب السودان بشكل خاص حيث قال «سياسة تصدير وزارة الدفاع الإسرائيلية لجميع الدول تخضع لفحص دوري وفق مصالح وزارة الدفاع الإسرائيلية والمصالح السياسية لدولة إسرائيل واضعة في الاعتبار حقوق الانسان والحقوق المدنية الموجودة في كل دولة أخرى يتم تصدير الأسلحة إليها». وأضاف المسؤول في رسالته الى عضو الكنيست «بالطبع، فإن وجود حرب أهلية في بلد معينة يؤثر على تصدير الأسلحة إليها وفق السياسة الإسرائيلية، وان اتخاذ القرارات بكل ما يخص منع أو تعليق أو إلغاء تصاريح تصدير الأسلحة يتعلق بالحكومة»، إلا أنه لم يذكر دولة جنوب السودان على وجه التحديد.
وقفة احتجاج
وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية مطلع الشهر الماضي عن إجراء تعزيزات أمنية إسرائيلية مشددة في محيط معرض تجاري للصناعات الحربية أقيم في تل أبيب، وذلك بسبب قيام بعض ناشطي مؤسسات حقوق الانسان، بالاحتجاج أمام المعرض ضد مشاركة وفد من دولة جنوب السودان في المعرض بسبب انتهاكات حقوق الانسان في هذا البلد.
وهدف المتظاهرون «الضغط من أجل فرض حظر عام على تصدير الأسلحة الاسرائيلية إلى دولة جنوب السودان التي تشهد حربا أهلية»، كما وطالب المتظاهرون «وقف الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى جوبا، بسبب مزاعم حول ارتكاب جرائم حرب هناك». وقالت مصادر في معرض وزارة الأمن الإسرائيلية إن «المتظاهرين خططوا لمنع مشاركة وفد جنوب السودان، وبالتالي فإنه تم تشديد الإجراءات الأمنية على الوفد المشارك الذي يرأسه وزير النقل والمواصلات في الدولة». ويتهم نشطاء حقوق الانسان السفن الإسرائيلية بتزويد معدات عسكرية وذخيرة وأسلحة إسرائيلية لدولة جنوب السودان «تستخدم في الحرب الأهلية» وتتهم إسرائيل بأنها «لا تراقب ولا تحاسب بكل ما يتعلق بطريقة استخدام الأسلحة العسكرية الإسرائيلية».
قاعدة مراقبة
وكان نائب في الكنيست الإسرائيلي قد كشف أن إسرائيل تستخدم جنوب السودان كقاعدة لمراقبة ورصد إرساليات السلاح الذي يتم تهريبه عبر البحر الأحمر إلى حركة حماس في قطاع غزة، حسب زعمها. وقالت النائب تمار زندبيرغ، عضو لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، في تناقض واضح مع موقف اعتراضها على ارسال السلاح، «إن جنوب السودان تقدم خدمات استراتيجية وأمنية هائلة لتل ابيب، وهذا ما يفسر حرص حكومة نتنياهو على مواصلة تقديم الدعم العسكري لهذه الدولة، رغم اتهامها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية». ونقلت الإذاعة الإسرائيلية الأربعاء عن زندبيرغ قولها، «إن إسرائيل تعكف على تزويد جنوب السودان بالسلاح علاوة على قيامها بتدريب قواتها».
ترسانة الأسلحة المهربة
وفي الغضون، أكدت منظمة (أبحاث النزاعات المسلحة) في وقت سابق أن دولاً بالمنطقة من بينها يوغندا تورطت في إيصال شحنة أسلحة إلى دولة الجنوب قدرت قيمتها بنحو (38) مليون دولار، وحذرت أن تلك الشحنات تطيل عمر النزاع الذي أودى بحياة الآلاف، وأجبر أكثر من 1.5 مليون شخص على الفرار من منازلهم. وكانت منظمات حقوقية من بينها منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش التي دعت إلى حظر بيع الأسلحة الى جنوب السودان. وحسب إفادات رئيس المنظمة التي تراقب تدفق الأسلحة، فإن عملية تدفق الأسلحة إلى دولة جنوب السودان تضاعفت بشكل كبير مقارنة مع الفترة التي تلت استقلاله، وأكد في حديثه لوكالة (فرانس برس) أن هذه الشحنات كانت بشكل خاص أعلى سعراً وأكثر تطوراً ومن بينها أسلحة مضادة للطائرات.
وحسب تقارير سابقة نشرتها منظمة (تقييم الأسلحة الصغيرة) خلال الاعوام الماضية، فإن صورا التقطت بواسطة الأقمار الصناعية أكدت وجود دبابات في مقر قيادة جيش جنوب السودان من طراز (T-72) كانت جزءاً من ثلاث شحنات أدخلت ظاهرياً كأنها تخص وزارة دفاع دولة افريقية مجاورة للجنوب، بينما أبرم عقدها حقيقة بين أوكرانيا وحكومة الجنوب، فهل تدعم تلك العمليات احتمال أن يصبح الجنوب مستودعاً للسلاح المهرب؟ يجيب على السؤال ذات التقرير الذي أكد أن جزء من تلك الشحنات التي دخلت الجنوب خلال الاعوام الماضية كانت تشمل منصات إطلاق صواريخ (122م.م) ورشاشات (14.5) وصواريخ (R.B.G.7) وبنادق من طراز (AKM) القتالية، وأشار إلى أن وكالة شحن يديرها شخص يحمل جنسية غربية مقرها ميناء ممبسا هي التي قامت بإجراءات نقل تلك الأسلحة إلى الجنوب، وأكدت حينها مصادر أن سفينة اسلحة اسرائيلية متجهة إلى صعدة في اليمن ضبطت في المياه الجيبوتية قبالة ساحل مديرية بمحافظة تعز؛ تتبع لأحد مهربي السلاح الكبار ويدعى (ز. د. ه)، وتحفظ المصدر عن ذكر اسمه، وأكد أنها مرت عبر الجنوب السوداني. ويرى المراقبون أن الخطر يأتي من كينيا كوسيط في العديد من صفقات السلاح الإسرائيلية القادمة إلى جنوب السودان وإلى دول أخرى، رغم تأكيدها مرارا إن بلادها ملتزمة بتعزيز الأمن على الحدود المشتركة مع جنوب السودان عبر اجتماعات دورية وأشكال أخرى من التعاون الأمني.
وأشار محللون الى ان إسرائيل عبر هذه المساعدات ترسل رسائل هامة أبرزها حرصها على التوغل في جنوب السودان الذي يتمتع بثروات نفطية ضخمة وبثروات مائية لاغنى عنها يمكن الاستفادة منها عن طريق بناء السدود وإقامة المشاريع المائية وبالتالي تعمد مضايقة دولا عربية والتضييق على دورها الأفريقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق