الثلاثاء، 24 فبراير 2015

البشير في الأمارت

خمسة أيام سيكون لها ما بعدها
حينما حزم رئيس الجمهورية المشير عمر البشير أمتعة السفر ناحية بلاد زايد الخير بدا واضحاً أن فترة الخمسة أيام التي سيقضيها الرئيس هناك سيكون لها مفعول السحر في تغيير الكثير من ثوابت ومرتكزات حكومة الإنقاذ، وهو ما حدث إجمالاً. وما تم تفصيلاً هو أن البشير أرسل رسائل عدة في اتجاهات مختلفة ، وتأكيده على أن العلاقة بين الخرطوم وواشنطون في حميمية مضطردة بعدما ظل العداء السافر هو عنوان العلاقة بين البلدين.

تحركات لتطويق خاصرة الدواعش
الخرطوم: سارة شرف الدين
ظلت علاقة السودان بدولة الإمارات العربية المتحدة مزيجاً غريباً من التباعد الخفي والتقارب المعلن فهي تضم جالية سودانية لا يستهان بها وتدير استثمارات سودانية جعلت حركة التجارة بين البلدين أكثر من مجرد حركة طيران يومية بين مطارات الدولتين بعدما حطمت رقماً قياسياً رغم ما يبدو من تباعد في المواقف السياسية بين البلدين.
هدوء التاريخ
في ذروة توتر العلاقات السودانية مع الخليج في أعقاب غزو العراق للكويت اختطت الإمارت مساراً مختلفاً، إذ لم تلجأ للتصعيد المباشر ضد الخرطوم بل سعى مؤسسها الراحل الشيخ زايد آل نهيان في تسعينات القرن الماضي لإطلاق مبادرة للمصالحة بين الفرقاء السودانيين، إلا أن تلك المبادرة فشلت في بلوغ مبتغاها بسبب تباين مواقف الطرفين الحكومة والمعارضة.
الأهمية السودانية
اكتسبت زيارة رئيس الجمهورية المشير عمر البشير للإمارات أهمية كبيرة ووضح أن الملف الليبي حظي بقدر من الاهتمام. وسبقت الزيارة تصريحات لدكتور مصطفى عثمان إسماعيل أعلن فيها اعتزام البشير إجراء سلسلة زيارات لدول الخليج لتعزيز الأوضاع السياسة والاقتصادية في السودان.
وناقشت المباحثات السودانية الإمارتية قضايا البلدين وتعزيزات الأمن وتبادل الخبرات العسكرية بين البلدين في ما وضعت الملف الليبي كخطوة أولى هامة إذ كشف البشير عن اتفاق ثنائي مع الإمارات بغرض احتواء الأوضاع المتفجرة في ليبيا التي تشهد ساحتها صارعاً شديداً وعنيفاً بين مجموعاتها المتناحرة ما أدى لحالة من الانفلات الأمنى بات مؤثرًا على مجمل المنطقة.
وطبقاً لمراقبين فإن السودان يعتبر صمام أمان عسكرياً وأمنياً واستراتيجياً في الملف الليبي باعتباره دولة لديها تاريخ مع الدولة الليبية منذ سنوات حكم الرئيس الليبي السابق معمر القذافي والذي ظلت علاقته مع جيرانه السودانيين تشوبها الشكوك والظنون عبر دعمه للحركات المعارضة المسلحة بدءًا من احتضانه لمعارضة الجبهة الوطنية في سبعينات القرن الماضي مروراً بدعمه للجيش الشعبي لتحرير السودان عند تكوينه في ثمانينات القرن الماضي قبل ضلوعه بشكل كامل في دعم وتسليح الحركات المسلحة بدارفور وإمدادها بالمال والسلاح والعتاد والتي بلغت ذروتها بتمويله لمحاولتي غزو الخرطوم في يوليو 1976م ولاحقاً هجوم العدل والمساواة على أم درمان في مايو 2008م التي مثلت الدليل الدامغ والتأكيد الحاسم لصلة القذافي بدعم الحركات المسلحة المعارضة والمناوئة للخرطوم.
دراية ومعرفة
وفي هذا السياق يشير السفير السابق والخبير الاستراتيجي د. الرشيد أبو شامة للعلاقة الجيدة للسودان بالحكومة الليبية الوليدة التي تم تشكليها في أعقاب إنهاء حكم القذافي ، قبل حدوث انقسامات وسط الثوار وتحولهم لشركاء متشاكسين، وقال ابوشامة في حديثه لـ(الصيحة) "وقتها لم يقف السودان صامتاً إزاء الأوضاع الأمنيه في ليبيا بل بادر إلى جمع الدول العربية المجاورة في مؤتمر لمناقشة القضية الليبية وكان وزير الخارجية السوداني قد زار ليبيا في وقت سابق أيضًا وأجرى اتصالات واسعة بخصوص الأوضاع واستقبل السودان رئيس الوزراء الليبي السابق". ومضى يقول: "عموماً السودان من أكثر دول الجوار دراية بليبيا".
خطر مشترك
تمثل تحركات تنظيم (داعش) بالأراضي الليبية الخطر المشترك الحالي الذي بات يهدد الدول المجاورة لليبيا خاصة العربية سيما في ظل وجود مؤشرات على إمكانية انتقال نشاطه لدول مجاورة كمصر وهو ما جعل القاهرة للتنبيه قبل فترة طويلة- سبقت حادثة ذبح أكثر من عشرين مصرياً بليبيا مؤخراً بواسطة تنظيم داعش- للتنبيه لهذا الخطر وضرورة وضع حد له.
وحظيت حادثة مقتل المصريين مؤخراً بشجب وإدانة واسعين من قبل المجتمع الدولي والعربي، ومع استصحاب التحركات الموازية التي يقوم بها داعش بالعراق فإن الملف الخاص بـ(داعش) من المؤكد كان يستوجب وضع هذه القضية ضمن أجندة المباحثات السودانية الإمارتية.
وبحسب خبراء أمن فإن السودان يلعب دورًا هامًا في الشأن الليبي نظرًا لتداخله معها منذ الإطاحة بالقذافي مرورًا بالقوات المشتركة على الحدود الليبية السودانية التي تشكل طوق حماية يمنع تنظيمات مثل داعش من الدخول إلى السودان لأن دور هذه القوات استراتيجي وأمني أسوة بالذي تلعبه القوات السودانيه التشادية على حدود البلدين أيضاً.
ويقول الخبير الأمني حسن بيومي لـ(الصيحة) إن السودان "لعب في ليبيا دورًا هامًا منذ الإطاحة بالقذافي وما يزال، فقد حاول احتواء الأزمات بشتى الطرق وكان موجودًا في المشهد السياسي الليبي ولهذا السبب تعول عليه الدول العربية والإفريقية في المنطقة ليلعب دورًا أمنياً وسياسياً واضحاً فيما يتعلق بالأوضاع الأمنية المنفلتة حاليًا ومع دخول داعش في الخط سيكون العدو مشتركاً بين كل الدول العربية، وسيمنع السودان تقدم التنظيم جنوباً كما سيلعب دوراً هاماً فيما يتعلق بتبادل المعلومات الأمنية حول التنظيم لتسهل عملية اتخاذ التدابير الوقائية وعلى الدول عمل مؤتمر لتأطير عملية تبادل المعلوماتية وتفعيل التعاون الفني الذي يشمل المعلومات والتدريب والعمليات فدخول تنظيم مثل داعش يجعل السودان ومصر والدول كلها تتخذ وضعية دفاع لمجابهة العدو المشترك".

زيارة البشير.. مرحلة جديدة

بقلم : محمد عبد القادر
تواصلت أمس لليوم الثالث، زيارة الرئيس عمر البشير ووفده الرفيع المستوى إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وتنوع نشاط الوفد أمس بين عدة زيارات ولقاءات واهتمامات يغلب عليها الطابع الاقتصادي الاستثماري، وبمثل ما كان جزء من نشاط يوم أمس للتعرف على الإمكانات الهائلة لدولة الإمارات في تطوير وتحديث بنياتها التحتية والاستفادة من الموارد المتاحة وطرق تنمية المناطق النائية وتحويل الصحراء إلى مناطق حضرية تنعم بالخدمات، بمثل ذلك كان وزراء القطاع الاقتصادي السودانيون يقدمون فكرة ممتازة عن السودان للمستثمر الإماراتي، وينشطون في الترويج لفرص الاستثمار بالسودان.
زيارة المنطقة الغربية
المنطقة الغربية في دولة الإمارات تعتبر نموذجاً لما قامت به الدولة من تحديث للمناطق الصحراوية، وقد اطلع الرئيس عمر البشير والوفد المرافق له على الكيفية التي تم من خلالها تحويل هذه المدينة من بقعة صحراوية إلى مدينة حضرية، وأمضى الوفد طوال نهار أمس في المنطقة الغربية وزار مدينة زايد، في طواف جوي وبري وتلقى أثناء الطواف شرحاً وافياً للمراحل التي تم عبرها إنفاذ هذه المشاريع التطويرية الكبيرة، وزار البشير والوفد المحطة الكبرى التي تنتج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتغذي بها المنطقة الغربية، ووقفوا على عملية إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية.. والبشير كان أحد القادة العسكريين للمنطقة في فترة السبعينات من القرن الماضي وقد تحدث خلال الحوارات التي أجرت معه وسائل الإعلام الإماراتية التي اهتمت كثيراً بالزيارة، عن وجوده في المنطقة خلال تلك الفترة وعلاقته الشخصية بالدولة. ثم توجه البشير ووفده لإجابة دعوة مأدبة غداء أقيمت على شرف الزيارة بقصر السراب الذي شيد في قلب الصحراء في موقع يمتاز بالكثبان الرملية الكثيفة.
لقاء غرفة أبو ظبي
وعقد رئيس الجمهورية ووفده الرفيع مساء أمس لقاء مع رجال الأعمال الإماراتيين بمقر إقامته بقصر الإمارات، ورحب البشير بالاستثمارات الإماراتية في السودان، ووعد بالتحضير لإنجاح الملتقى الاقتصادي الاستثماري الذي دعت له غرفة أبو ظبي، وأبدت استعدادها لاستضافته، ورحب بالمقترح، وقال : سنفعل كل الممكن لإنجاح المؤتمر، وأكد الحرص على تطوير العلاقات مع الإمارات في المجالات كافة، وقال إن السودان في مرحلة تجاوز الصعوبات بعد أن تجاوز مرحلة الصدمة الاقتصادية بسبب الانفصال، وأضاف البشير بأن هناك توجهاً كبيراً من الدول العربية للاستثمار في السودان بعد طرح مشروع الأمن الغذائي العربي الذي يمثل السودان ركيزته الأساسية، ونوه على الفرص الواعدة للاستثمار بالسودان والميزات التفضيلية للمستثمرين العرب، وأشاد البشير بدور القيادة الإماراتية في النهوض بالدولة وإسهامها في خلق حياة جديدة، وأشار البشير الى جدية الحكومة السودانية في ترقية وتهيئة مناخ وظروف الاستثمار، وقال إن الحكومة لم تقصر سعيها على إجراء تعديلات واسعة في قانون الاستثمار ولكنها قامت بتعديل الدستور لحل مشاكل الأراضي، وجدد الوعد بأن يصبح السودان مصدر الأمن الغذائي العربي.
طرح فرص الاستثمار
وتبادل وزراء القطاع الاقتصادي المرافقون للرئيس البشير، الترويج للمشروعات الاستثمارية لرجال الأعمال والشركات الإماراتية، وطرحوا فرصاً للاستثمار في مجالات الصناعات والنفط والزراعة والتعدين، حيث دعا وزير النفط مكاوي محمد عوض للاستثمار في مربعي (9 و 11) حول ولايتي الخرطوم والجزيرة.
ودعا وزير الصناعة السميح الصديق، الإماراتيين للاستثمار في مجال الصناعة التحويلية الغذائية، وأكد وجود خيارات عديدة للدخول في مجال السكر في المصانع القائمة أو أخرى جديدة، إلى جانب وجود استثمارات في مجال الزيوت على مستوى المصافي والمعاصر والأعلاف المصنعة والصناعات الجلدية.
من ناحيته، أشار معتز موسى وزير الموارد المائية والكهرباء إلى وجود فرص لتطوير الموارد المائية والكهرباء وتطوير بنية المشروعات.
المعادن والتحويلات
فيما أكد أحمد محمد الصادق الكاروري وزير المعادن أن السودان أصبح دولة (معدنية)، وكشف عن تصدير ذهب بمليار و(100) مليون دولار للإمارات، ونوه إلى أن السودان يعد الثالث في إنتاج الذهب بأفريقيا، وقال إن الاحتياطي ضخم جداً ويحتاج لجهود كل المستثمرين ممن يرغبون الدخول في مجالات المعادن، بينما أكد د. مصطفى عثمان إسماعيل الوزير بالمجلس الأعلى للاستثمار أن مناخ الاستثمار في السودان موات بفعل القانون، ودعا رجال الأعمال للاستثمار في السودان، مبيناً أن الضرائب في مجال الاستثمار الزراعي صفر. وقال إن دولة الإمارات تعتبر الدولة الثالثة من حيث حجم الاستثمارات، وأضاف بأنهم على استعداد لتقبل أية مقترحات لتعديل قانون الاستثمار الذي جاء لتحقيق ظرف مناسب للمستثمرين وللمحافظة على حقوقهم عبر إنشاء محكمة ونيابة مختصة في النزاعات الاستثمارية.
من ناحيته، أكد عبد الرحمن حسن عبد الرحمن محافظ بنك السودان، اقتراب حل مشكلة التحويلات المصرفية جذرياً خلال أسابيع، وقال إن تدفق الصادرات والواردات بين البلدين لم يتوقف طوال الفترة الماضية، وأضاف أن كل تلك المعاملات ظلت تتم عبر الجهاز المصرفي. وأكد المحافظ قدرة الاقتصاد الوطني على تحمل كل الصدمات دون حدوث خلل كبير يؤدي للانهيار رغم تعرضه لضغوط متوالية. وأشار لوجود نمو ايجابي في الاقتصاد وانخفاض مستمر لمعدل التضخم الذي هبط من (46) الى أقل من (24%) وتستهدف الحكومة أن يصل الى (20%) بنهاية العام الحالي، ونبه الى أن السياسات النقدية والمالية استهدفت إحداث معدلات نمو في الكتلة النقدية. وقالت اشراقة سيد وزيرة العمل : نقوم بتسهيل كل الإجراءات والتسهيلات في ما يتعلق بالعمالة لتحقيق الاستقرار في مجال الاستثمار.
استثمارات في الطريق
وكشف غرفة أبو ظبي التجارية عن توجيه من حكومة دولة الإمارات القطاع الخاص ممثلاً في غرفة أبو ظبي بالتوسع في مجالات الاستثمار بالسودان، وقال رئيس الغرفة خلال اللقاء إنهم تلقوا توجيهات حكومية بالانفتاح على السودان.
وطرحت غرفة أبو ظبي مشروع عقد ملتقى استثماري موسع بين رجال الأعمال في الدولتين يعقد بالعاصمة الإماراتية وبتمويل كامل من الغرفة.

واشنطن تدعم الحوار والانتخابات في السودان

أكد مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان إستيفن فلاستين ، دعم امريكا للحريات الصحافة والحوار الوطني وإجراء انتخابات في السودان.

واستفسر فلاستين مفوضية حقوق الإنسان بالسودان عن أوضاع حقوق الإنسان بالسودان ، وطالب بمده بتقارير عن مزاعم الاغتصاب في (تابت) بشمال دارفور.

والتقى المسؤول الأمريكي ضمن سلسلة لقاءات بدأها بالخرطوم ، قيادات المفوضية القومية لحقوق الإنسان أمس وقدم لمسؤولي المفوضية استفسارات عن أوضاع حقوق الإنسان في السودان ودور المفوضية في الشكاوى التي تتلقاها، وركز أسئلته عن (تابت).

الاثنين، 23 فبراير 2015

الخـرطوم مـع أبو ظبي بدايـة مسـار

أحمد طه صديق:
«أيها الشعب السوداني البطل» هكذا كان مدخل الرائد آنذاك يونس محمود وهو يقدم الحديث السياسي بلغة حماسية رايدكالية جلها كانت مصوبة في العلاقات الخارجية أو ما تعتبره الخرطوم آنذاك خصوماً لمشروعها الديني.
لكن لم تمض سنوات من الإسقاطات السلبية التي طرأت على علاقات السودان ببعض الدول العربية والخليجية بشكل خاص على الحياة الاقتصادية والبعد الأمني على الصعيد الداخلي، حتى أدركت الخرطوم وقتها أن الدبلموماسية الناجحة لا تعني دوماً رد الصاع بصاعين، ولعل هذا التطور البرغماتي تبلور كثيراً في السياسات التي انتهجتها الحكومة قبل سنوات قليلة، فعندما وقعت احداث الاضطرابات الشعبية في الرابع والعشرين من سبتمر من عام 2013م بالخرطوم، لم تكن علاقات السودان مع عدد من الدول العربية على ما يرام رغم محاولات الاختراق من قبل الخرطوم أو عبر جهود الوسطاء أو دخول بعض الاستثمارات للبلاد، ففي تلك الظروف ابدت بعض الصحف العربية في المنطقة تعاطفاً مع تلك الأحداث.
ونقلت وسائط إعلامية إشارات بضلوع بعض الدول في دعم هذه التطورات، بيد أن الخارجية السودانية قالت، أنها ترفض «أية محاولة للإساءة لعلاقتها مع الدول العربية والخليج مهما كانت دوافعها أو منطلقاتها»، مشددة على أن العلاقات مع كل دول الخليج «راسخة وتقوم على ثوابت وأسس متينة قوامها روابط الأخوة والعقيدة والثقافة والرؤى المشتركة والصلات الشعبية العميقة».
وأشارت الخارجية، في بيانها آنذاك، إلى أنها رصدت تقارير وتعليقات في الصحف والمواقع الالكترونية السودانية تتناول علاقات السودان بدول الخليج، بطريقة «تجافي الحقيقة وتضر بهذه العلاقات الأخوية الراسخة». كما أدى التطور السلبي لعلاقات السودان بالخليج في الفترة السابقة إلى إيقاف التعاملات المصرفية من جانب بعض دولها مع الخرطوم، وهو أمر كان له مردوده السلبي على الاقتصاد، لكن رغم ذلك لم تعمد الخرطوم إلى انتقاد هذه الخطوة، بل حاولت التخفيف من آثارها، حتى جاء قرارها بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية بالبلاد، وهي خطوة عملت على دعم علاقاتها مع دول الخليج، وربما كانت السعودية بحكم تركيبتها المذهبية الأكثر ارتياحاً لهذا القرار، كذلك نشطت الخرطوم في تحسين علاقاتها مع مصر رغم التداعيات التي أدت إلى الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين والمحاكمات والإقصاء السياسي لهم، ثم كانت خطوتها الأخيرة بالتقارب أو التفاهمات مع الحكومة الأمريكية لبداية التطبيع بين البلدين أو على الأقل الحد من العقوبات الاقتصادية، وهو ما نجحت فيه بتحقيق جزئي له بعد إصدار الحكومة الأمريكية رفعاً جزئياً لمنع التقينات في مجال البرجميات مع السودان، وهي خطوات لا يمكن فصلها عن قرارات التباعد مع طهران وإدانة السودان لتنظيم داعش والهجمات التي تشنها تيارات إسلامية متشددة في سيناء أدت إلى قتل عدد من الجنود المصريين، كذلك حرص السودان على تأمين بوابته الشرقية لمنع أي تسريب أسلحة إلى تلك الجهات أو غيرها.
انفراج مع الإمارات العربية
ويبدو أن الخرطوم بدأت تحصد ما زرعته تجاه تنمية علاقاتها مع دول الخليج، فأمس توجه الرئيس عمر البشير رئيس الجمهورية على رأس وفد كبير إلى دولة الإمارات العربية، تلبية لدعوة تلاقاها من ولي العهد محمد بن زايد آل نهيان، ومن المتوقع أن تدعم الزيارة العلاقات بين البلدين وتسارع بدفع التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما، ويضم الوفد المرافق للرئيس البشير إلى الإمارات وزير رئاسة الجمهورية صلاح ونسي، وزير الخارجية علي كرتي، وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، مدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق محمد عطا، وزير التجارة عثمان عمر الشريف، وزيرة العمل إشراقة سيد محمود، وزير الاستثمار مصطفى عثمان إسماعيل، ومدير عام الشرطة ومحافظ بنك السودان المركزي. ويعتبر السودان من أوائل الدول التي أقامت معها دولة الإمارات العربية المتحدة علاقات دبلوماسية وكان ذلك في ديسمبر 1971م. وقد قام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله بزيارته الرسمية الاولى للسودان في العشرين من فبراير 1972م بعد حوالى شهرين ونصف من قيام الاتحاد، حيث زار فيها كافة ولايات السودان، واستقبل استقبالات رسمية وشعبية، كذلك قام الرئيس الراحل جعفر محمد نميري بزيارة لدولة الامارات كأول رئيس دولة يزور الإمارات وكان ذلك في الثالث والعشرين من أبريل من عام 1972م، أي بعد شهرين من زيارة الشيخ زايد للسودان. وقد رافقه وفد رسمي كبير من الوزراء والمسؤولين. وبحسب المصادر الإماراتية الدبلوماسية فإن العلاقات الاقتصادية بين الإمارات والسودان تطورت بإطراد خاصة في السنوات الأخيرة، وانعكس ذلك على حجم التجارة والاستثمار بين البلدين، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري، وارتفع حجم الاستثمارات الإماراتية في السودان لتصل إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار.  وقد ساهم ذلك في زيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص الإماراتي في المشروعات الاستثمارية في السودان التي شملت مختلف القطاعات الاقتصادية، حيث توزعت المشروعات الإماراتية في القطاعات الخدمية والصناعية والزراعية. كما أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة شريكاً تجارياً مهماً للسودان، وقدمت العديد من المساعدات الاقتصادية للسودان في شكل منح أو قروض ميسرة، وذلك اسهاماً في مشروعات التنمية التي انتظمت السودان. كذلك ترتبط دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية السودان بالعديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الاقتصادية والتجارية التي ساهمت في زيادة حجم الاستثمارات والتبادل التجاري بين البلدين إلى مستويات متقدمة ومنها:
ــ اتفاقية انشاء لجنة وزارية مشتركة.
ــ اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي والبروتكول المتعلق بها.
ــ اتفاقية حماية الاستثمارات بين البلدين.
التاريخ والحاضر:
 وبحسب موسوعة «ويكبيديا» «انضمت الإمارات إلى جامعة الدول العربية في 6 ديسمبر 1971م، والأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1971م، وأنشأ المجلس الاستشاري الاتحادي في يوليو 1971م ليعقد أولى جلساته في 13 ديسمبر سنة 1972م.  وأعيدت هيكلته تحت اسم المجلس الوطني الاتحادي عام 1975م، ولاحقاً كانت الإمارات من الدول المؤسسة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمة أبو ظبي يوم 25 مايو 1981م. وفي 1973م شاركت الإمارات في حرب 1973 بقوة عكسرية وبقطع النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل، في 1975م، كما  شاركت في قوات الردع العربية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وفي عام 1980م اندلعت حرب الخليج الأولى على خلفية الجزر الثلاث التي تعتبرها إيران جزءاًَ من أراضيها وتعتبرها الإمارات أراضي محتلة، ولم تدخل الإمارات طرفاً عسكرياً في النزاع، بيد أن الإمارات بعد احتلال الرئيس العراقي السابق صدام حسين لدولة الكويت اشتركت من ضمن التحالف الدولي لتحرير هذه الدولة من الغزو العراقي، وفي 2 نوفمبر 2004م، توفي مؤسس الإمارات العربية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتولى ابنه الأكبر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بعد أن تم انتخابه من قبل المجلس الأعلى للاتحاد.
 الموقع الجغرافي
تقع الإمارات العربية المتحدة في غرب آسيا على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية، ممتدة بين خطي عرض 22 و26.5 درجة شمالاً، وخطي طول 51 و56.5 درجة شرق خط غرينتش. ويحد دولة الإمارات شمالاً الخليج العربي، وشرقاً خليج عمان وسلطنة عمان، وتحدها جنوباً المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، وغرباً دولة قطر والمملكة العربية السعودية. وتبلغ مساحة الإمارات 83.600 كم2، وتشكل إمارة أبو ظبي القسم الأكبر من أراضي الدولة، إذ يبلغ إجمالي مساحتها 86.77% من المساحة الكلية للإمارات، أما أصغر الإمارات فهي إمارة عجمان وتبلغ مساحتها 285 كم2، فقط.
 التقسيمات الإدارية
الإمارات العربية المتحدة لها وضع خاص يختلف عن باقي الدول العربية كون نظام الحكم فيها اتحادياً فيدرالياً. فهناك الحكومة الاتحادية ولها دور محدد، وهناك الحكومات المحلية ولها دور ضمن حدود إمارتها.  وبحكم الدستور فإن العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الإمارات تتميز بإعطائه الحكومة المركزية سلطات محددة وتركه مساحة غير محددة من السلطات المفهومة ضمنياً للإمارات كل على حدة. وتحتفظ كل إمارة بالسيطرة على نفطها وعلى ثروتها المعدنية وعلى بعض مظاهر أمنها الداخلي.  وللحكومة الاتحادية الكلمة الأولى في معظم مسائل القانون والحكم. ومسؤوليتها بالدرجة الأولى العلاقات الخارجية والسياسات الدولية والدفاع عن الوطن ضمن مسؤوليات أخرى منها الصحة والتعليم وغيرها. لكن الدستور يمكن حكام الإمارات من التنازل للحكومة الاتحادية، في حال رغبوا في ذلك، عن سلطات معينة نص عليها كمسؤولية منفردة لكل إمارة. ومن الأمثلة على هذا الامتياز قرار توحيد القوات المسلحة في منتصف السبعينيات.
 مخرجات الزيارة
يتوقع كثير من المراقبين أن تحدث زيارة رئيس الجمهورية إلى دولة الإمارات تحولاً كبيراً في العلاقات بين البلدين، خاصة على الصعيد الاقتصادي، وتأمل الإمارات في أن تفّعل استثماراتها في السودان بعد توفير الضمانات التي تساعد على استقطاب مستثمريها وتشجيعهم على المضي قدماً في هذا الملف الاقتصادي المهم، سيما أن الوفد السوداني يضم ممثلين للقطاع الاقتصادي والاستثماري لديهم تصورات محددة للاستثمار والتعاون الاقتصادي مع  دولة الإمارات.  ومن المتوقع أن تقدم الإمارات قروضاً ميسرة وربما دعماً اقتصادياً مباشراً للخرطوم.  كما قد تفتح مجال العمالة للسودان في تخصصات محددة وفق شروط أفضل لعلاقات العمل.
 تداعيات أخرى
أخيراً وفق كل المستجدات في علاقات السودان مع دول الخليج والتطورات المحدودة مع الولايات المتحدة، ربما تشير إلى أن الخرطوم ستدخل ضمن منظومة جديدة في العلاقات الدولية لعلها سيكون لها تأثير مباشر في عمليات السلام بدارفور.  إذا ما نجحت الخرطوم في إحداث انفراج آخر يتزامن مع تلك الخطوات على صعيد الحريات ومجال حقوق الإنسان والخروج من عباءة البرغماتية في تعاملها مع أزماتها الداخلية.

الإمارات

بقلم: محمد حامد جمعة
ظللت في أكثر من تحليل واستقراء أن علاقة السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة ستظل دوماً فوق ما يتشكل علي الناس والمراقبين، فهي علاقات تجاوزت خطوط الطول والعرض الجغرافية وتحولت إلي ما يمكن تسميته حالة من التواصل غير القابل للانقطاع، ولهذا لم يكن غريباً أن العلاقة بين البلدين الشقيقين ظلت دوماً بمنأي عن الارتباك والتعامل الفظ، واحتفظت وبعد عقود من بداية ربطها بقدر لافت من التميز والترفع عن أي طارئات قد تهز هذا الطرف أو ذاك.
وأعتقد أن توقيت  الزيارة الحالية التي يقوم بها المشير"البشير" رئيس الجمهورية إلي الإمارات توقيت لافت وله دلالة كبيرة، فالشيخ "زايد بن السطان" رحمه الله وأنزل عليه شآبيب الرحمة، قام في العشرين من فبراير – مثل هذه الأيام – بزيارة السودان وكان ذلك بعد ستين يوماً من قيام الاتحاد، ورد الرئيس "نميري" رحمه الله التحية بأحسن منها فكان أول رئيس دولة يزور الإمارات.
الآن الرئيس المشير "عمر البشير" رئيس  الجمهورية وبرفقته وفد وزاري رفيع في الإمارات وسط حفاوة أشقائه وحسن استقبالهم. 
تميز الوفد الوزاري والقيادي الأمنية الكبيرة والوفد الإعلاني الأكبر، يشير إلي أن كثيراً من الملفات ستفحص، وأن شواغل كبيرة تنتظر الطرفين.
وفي مثل هذه المواقف أحرص دوماً علي التأكيد  علي أن المهم في مثل هذه المناسبات توظيف الراهن الايجابي لصالح محصلة مفيدة، ومن ذلك مد جسور التعاون الاقتصادي والاستثماري وترسيم مسارات للتواصل الإعلامي وترتيب مداخل العون السياسي، لا سيما أن هناك كثيراً من التعقيدات بالمنطقة العربية تتطلب تراص الصفوف وسد الفجوات والثغرات.
ولا شك عندي إطلاقاً في أن قيادة الوفدين سيضعن صالح الأمة العربية وماضي العلاقات المتميزة بين البلدين مرشداً وموجهاً لاتجاهات الموقف الجديد.
إن للإمارات في نفس كل سوداني مقاماً عزيزاً، فهم شعب محترم وطموح انتقل بوعيه ومثابرته إلي مراقي التنمية والرفاهية دون أن يفقده ذلك معدنه الأصيل وكريم خصاله، ولا أشك إطلاقاً في أنه وبذات القدر فإن للسودانيين مقاماًَ رفيعاً بين الإماراتيين.
وجالية كبيرة وذات سمعة مميزة  تعيش هناك خدمت لسنوات وسنوات تحمل مشاعل العلم والتعليم.
وتقدم الأفكار وتؤسس لقواعد الانتقالية بذات الحماسة التي يبذلونها لوطنهم الأم، فكانوا سودانيين وسفراء فوق العادة تآخت فيما بينهم روح التعاون واحترام البلد المضيف وهو الوضع الذي ظل قائماً ولم يتأثر قط وإطلاقاً بأي اهتزازات، وذلك أن يقين العلاقة وخصوصيتها فوق أي مشوش عليها أو ساع بالفتنة نحوها.
إن هذه الزيارة  تحديداً ترسل إشارات قوية  إلي أن السودان لن ينفصل عن أمته قط، وأنه سيظل فيها مقيماً وفياً، حاملاً لمشاعل الوعي والسلام.
وهو في ذلك إنما يتخذ موقفه الصحيح، ويتخذ مقعده الدائم كأخ أكبر  للجميع وكصديق وفي، وكبلد احترام الجميع فاحترموه.

دبلوماسية اللقاءات المباشرة بين واشنطن والخرطوم نقلة نوعية مهمة!

على الرغم  من ان كلا الزيارتين (كرتي وغندور) الى العاصمة الامريكية واشنطن لم تحسم بعد بل وربما لم تضع حتى الآن اساساً جيداً لإمكانية تطبيع العلاقات السودانية الأمريكية باعتبار ان الملف الذي ظل شائكاً لما يجاوز العقدين من الزمان يصعب حسمه في بضع ايام أو أسابيع او بزيارة او زيارتين مهما كانت درجة الاختراق فيها إلا ان ما يمكن استخلاصه من واقع هذا التطور الكبير بإمكاننا ان نلمس نتائجه الاستراتيجية الضخمة في عدة نقاط. 
النقطة الاولى -والأهم على الاطلاق- ان طفرة دبلوماسية واضحة قد طرأت على العلاقات بين البلدين من خلال النقلة التى حدثت في طريقة الاتصال والتباحث. إذ المعروف ان اقصى وسائل الاتصال والتباحث بين البلدين طوال السنوات الطويلة السابقة كانت تقف عند حدود المبعوثين الخاصّين، فقد مرّ على السودان حوالي 5 مبعوثين خاصين، ناقشوا وباستفاضة الملفات العالقة بين الدولتين، ولكن كان واضحاً ان الادارة الامريكية بإتباعها لهذا النهج في التواصل الدبلوماسي كانت فقط تمارس عملية (تبريد) اذا جاز التعبير لهذه الملفات مع التظاهر بأنها تزمع حلحلتها. 
وكان واضحاً ان اسلوب المبعوثين الخاصين كان غالباً ما يتناول القضايا ببطء، ويترك للمبعوث الخاص مساحة معقولة لكي يناقش ما يريد وما قد يعنّ له! وهذه بالتحديد هي النقطة التى حدت بالحكومة السودانية في الآونة الاخيرة للامتناع عن استقبال المبعوثين الخاصين، ومن سوء حظ المبعوث الخاص الحالي أن الموقف السوداني صادف دورته!
وعلى ذلك فإن مجرد الانتقال من تلك المرحلة الى مرحل المواجهة المباشرة (وجهاً لوجه) تعتبر في حد ذاته خطوة ايجابية بالغة الاهمية والأثر. النقطة الثانية، ان القيادة السودانية نفسها بدت فى حاجة ملحة للغاية لقياس درجة حرارة المياه التي تخوض فيها في واشنطن إذ ان جلوس مسئول رفيع (مساعد رئيس) مع مسئولين أمريكيين يعطي الحكومة السودانية سانحة نادرة للوقوف على طبيعة الافكار التى تعتمل في ذهن صانع القرار الامريكي، وما هو مدى صدى حجج السودان ودفوعاته حيال الموقف الامريكي؟ وكيف يمكن الاستفادة من (الثقوب) ومناطق الضغط المنخفض فى منظومة صناعة القرار هناك؟
الواقع ان مثل هذه اللقاءات المباشرة بحسب خبراء العلاقات الدولية غالباً ما تفيد الطرفين في دراسة موقف كل طرف من القضايا العالقة، وحدود التنازلات الممكنة وإمكانية المقايضة وطمأنة وإزالة مخاوف كل طرف حيال مواقف الآخر. ومن المؤكد ان البروفسير غندور استطاع في رحلته هذه تحديد مكامن الألم، ومكامن الأمل في ذات الوقت وان الرجل نقل صورة متكاملة -عقب عودته من هناك- للقيادة السياسية في الخرطوم ستظل موضعاً للمدارسة والمراجعة الجادة! 
النقطة الثالثة، يعتقد الكثير من الخبراء في الشأن الامريكي إن هذه هي بالضبط طريقة الادارة الامريكية حينما تقرر في الغالب تحسين علاقاتها مع أي دولة بعد طول انقطاع او سوء، فهي تستعيض عن المحادثات غير المباشرة بمباحثات مباشرة، كما أنها تقفز في احيان كثيرة من ملف الى آخر بخفة مثير للدهشة وذلك لأن قرار الالتقاء المباشر هذا في العادة يتم اتخاذه بعد دراسة عميقة مطولة وبعد حساب النتائج بدقة متناهية ثم يتم تركه لتحديد الوقت المناسب! 
وعلى ذلك فإن من السابق لأوانه -على اية حال- الجزم بأن العلاقات السودانية الامريكية في طريقها الى التحسن  الفوري، فذلك امر متروك للظروف ولإمكانية بناء ثقة على نحو متسارع بعيداً عن المنغصات التي تحدث هنا وهناك، ولكن بالمقابل فإن بالإمكان الجزم بأن مشوار الألف ميل لا شك أنه قد بدأ بهذه الخطوة، مهما قلل البعض من مآلاتها!

الأحد، 22 فبراير 2015

واشنطن والخرطوم.. طبيعة الخطوة القادمة

بقلم : العبيد أحمد مروح
•    جاء في أخبار صحف الأمس، إن السيد رئيس الجمهورية وجه لدى لقائه مساعده ونائبه لشؤون الحزب البروفيسور إبراهيم غندور بالاستمرار في الحوار مع الولايات المتحدة للوصول إلى تفاهمات مشتركة، بما يحفظ مصلحة السودان ورغبته في علاقات طبيعية مع كل العالم، مبنية على التفاهم المشترك والاحترام المتبادل، وأن مساعد الرئيس الذي أجرى مباحثات مع مسؤولين في واشنطن ونيويورك مؤخراً، قال عقب اللقاء إن "هناك رغبة مشتركة للدفع بالعلاقات إلى آفاق جديدة" مضيفاً : "اتفقنا على الاستمرار في الحوار المشتركة مع الجانب الأمريكي والذي ربما يستأنف قريباً سواء في الخرطوم أو واشنطن".
•    ولقد سبق وتحدينا، من خلال هذه الزاوية حين كانت تنشرها صحيفة "الرأي العام" عن الحاجة إلى إجراء حوار عميق مع الإدارة الأمريكية، على نسق الحوار الذي يجري بين طهران وواشنطن، وذلك من بعد التذكير بأن الدبلوماسية بطبيعتها هي بحث عن خطوط اتصال لحلحلة عقد العلاقات المتوترة هنا أو هناك، وتعزيز المصالح.
•    وتأسيساً على ذلك، قلنا إن المصالح الأمريكية ليست بالضرورة متناقضة مع المصالح السودانية، إذ بالقدر الذي توجد فيه قضايا خلاف بين الخرطوم وواشنطن، هنالك ايضاً قضايا اتفاق، ولكن يبقى التحدي أمام العمل السياسي والدبلوماسي بين العاصمتين. متمثلاً في الحاجة إلى توفر الحد المعقول من الإرادة السياسية لبحث قضايا الخلاف هذه.
•    وحتى لا يضبطني صديقي عادل الباز متلبساً بادعاء تهمة تقديم النصح للمسؤولين، فإنني أود أن أؤكد هنا أن ما تم من تحريك لهذا الملف لم يكن بالقطع استجابة لتلك النصائح بل الراجح أنه نتيجة لقناعة راسخة لدى مسؤولينا بأهمية الحوار وبناء علاقات طبيعية مع جميع دول العالم. ولعل هذا ما أكده توجيه السيد الرئيس المشار إليه أعلاه، ولعل من نافلة القول التذكير بأن ما صرح به مساعد الرئيس هو فقط ما سمحت به طبيعة المرحلة، ذلك أن تعقيدات العلاقات الدولية، تجعل القائمين بالاتصال فيها من الدبلوماسيين والمبعوثين يبدون في كثير من الأحيان وهم يقولون للإعلام كلاماً عاماً، ويبقون على الموضوعات التي لم تنضج قيد البحث والتشاور اللاحق، بعيداً عن الإعلام، خاصة تلك التي يمكن أن يؤدي مجرد الكشف عنها إلى إحداث ضرر جسيم بمساعي ترتيبها أو تسويتها.
•    صحيح أنه حتى والعلاقات السودانية الأمريكية تشهد توتراتها المعروفة، ظل الحوار بين الخرطوم وواشنطن قائماً، تارة في الملفات المتصلة بالإرهاب وتارة في الملفات السياسية، وذلك عبر مبعوثين يختارهم البيت الأبيض للقيام بهذه المهمة، لكن حتى هذا النوع من الحوار توقف منذ ما يزيد عن العام، عندما رفضت الخرطوم منح تأشيرة دخول للمبعوث الأمريكي الخاص للسودان، رداً على امتناع واشنطن منح تأشيرة دخول للرئيس البشير لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها رقم "68" الأمر الذي زاد من توتر العلاقات المتوترة أصلاً، ولا شك أنه بسبب انقطاع الحوار أضحت قائمة الملفات التي يتعين بحثها وتسويتها بين الطرفين طويلة، وبطبيعة الحال فإنه حتى إذا انخرط الطرفان في الحوار اليوم قبل الغد، وتوصلا لتسويات مرضية، فإن إعادة العلاقات إلى طبيعتها ورفع العقوبات الأحادية عن السودان أمر يستغرق وقتاً ويتطلب اتخاذ إجراءات وسن تشريعات على الجانب الأمريكي، وهو أمر يتأثر إيقاعه بأجندة البيت الأبيض لما بقى من دورة الرئيس أوباما الرئاسية، ومع هذا فلا بد للحوار من خطوة يبدأ بها، ومن الطبيعي أن تكون الخطوة القادمة هي خطوة إجرائية تتصل بإعداد ملفات وأجندة الحوار الأمر الذي يتطلب السماح للمبعوث الرئاسي الأمريكي بالحضور للسودان للشروع في الإعداد لهذه الخطوة!!

العلاقات السودانية الخليجية تطورات أم تحولات؟

بقلم : مرتضى شطة
قبل نحو عامين بدأت التباعد واضحاً في العلاقات الخليجية على إثر اختلاف محورين رئيسيين على كيفية التعامل مع الأوضاع التي تولدت في مصر عقب انقلاب السيسي على الإخوان المسلمين، ووصل لدرجة انتقال انقسام الشارع المصري نفسه في توصيف الحدث (ثورة هيا ولا انقلاب) كما كانت تعلو هتافات المصريين لتصبح تلك هي الفكرة المركزية التي تستند عليها المحاور في صياغة وإنفاذ السياسة الخارجية تجاه مصر، بيد أن الكثير من المستجدات الدولية والإقليمية حركت تلك المواقف المتباعدة لتجمع بينها على أرضية التهديدات المصيرية والمصالح المشتركة والدفاع الجمعي عنها وحمايتها، فتحولت العلاقة ما بين دول الخليج ودولة قطر نحو التوافق وطي الخلافات أو حتى تأجيلها لأن الخطر أكبر، وها هي المزيد من المخاطر تهدد الخليج وتحيط به إحاطة السوار بالمعصم، فبعد أن أصبح العراق شيعياً في توجهه وحكمه وكردياً بعضه بل بعد ملاحقة وضرب السنة وبعد سيطرة نظام الأسد على مقاليد الأمور رغم الجهود العسكرية الكبيرة والتضحيات التي قدمها الشعب وقدمتها المقاومة المسلحة وبعد إفلات النظام من العقوبات الدولية أو العمليات العسكرية الأمريكية بناء على ترسانته من الأسلحة الكيميائية ومجازره باستخدامها، جاء التحول في علاقة الغرب بإيران من حصار ومقاطعة إلى حوار ومهادنة ورفع تدريجي للحصار بما يعني غض النظر عن ترسانتها النووية رغم نزاعها لجارتها الإمارات حول جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى، وقد شهدت البحرين قبل سنوات موجة احتجاجات عنيفة من قبل الشيعة الذين يشعرون بأن عددهم هناك قد تزايد ويبحثون عن دور في المعادلة السياسية، ثم شهد العام الماضي ارتفاعاً في تمثيل الشيعة في مجلس الأمة الكويتي ما يعني أن التمدد الشيعي قد بلغ مدى لا يمكن الصمت عليه.
حاشية :
بعد أن أخذت أنشطة التشييع تزحف نحو المجتمع السوداني وقامت الحكومة بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية التي كانت متهمة بنشر التشيع، وبعد أن أحكم الحوثيون الخناق على صنعاء، أصبحت الرؤية واضحة للخليج بأن هنالك تماهياً غربياً أمريكياً وإسرائيلياً مع انتشار الإسلام الشيعي على حساب الإسلام السني، وبالتالي فإن الحل يكمن في وحدة الحكومات والأنظمة السنية على محاربة هذه المخططات وفي الوقت نفسه محاربة بعض الظواهر المتطرفة المصنوعة والمحسوبة على ألسنة، أن زيارة رئيس الجمهورية لدولة الإمارات العربية المتحدة بوفد بهذا الحجم والعدد من الوزراء تشكل تحولاً ملموساً ضمن التوجه الإقليمي الجديد للسياسة الخارجية الخليجية وسيكون لها الكثير من الثمار في إطار التعاون الاقتصادي على وجه التحديد بعد انخفاض أسعار النفط والبحث عن استثمار في مجالات أخرى.

الأمم المتحدة واليوناميد.. محاولة الدخول من بوابة الخروج!

من الممكن ان يبدو مفهوماً ان إعادة إثارة المنظمة الدولية لمزاعم اغتصابات (تابت) لدى زيارة مساعد الرئيس السوداني البروفسير ابراهم غندور لنيويورك مؤخراً وإلتقائه بكبار المسئولين في الامم المتحدة، إنما يجرى لأغراض (تكتيكية) من الواضح ان الغرض منها محاولة عرقلة المباحثات الجارية حالياً بين الاطراف الثلاثة (السودان، والأمم المتحدة، والاتحاد الافريقي) لبحث ترتيبات استراتيجية خروج البعثة المشتركة المكلفة بحفظ السلام في اقليم دارفور والمعرفة بيوناميد، والتي سبق للسودان -وفاءاً لنص القرار الأممي 2173- ان تقدم بها، باعتبار ان مطلبه بوضع استراتيجية خروج البعثة يقع ضمن حقه كبلد مضيف.
المنظمة الدولية التي تتحاشى الإقرار بإخفاق البعثة في تأدية مهامها على الوجه المطلوب وتتحاشى ايضاً الاقرار بتحسن الاوضاع في الإقليم، من الطبيعي ألاّ تتعامل مع الطلب السوداني بالتسليم التام لصحة حجة السودان ولهذا فإن إعادة اثارة ملف (تابت) والإلحاح على ضرورة اجراء تحقيق آخر يمكن قراءته في سياق مناهضة الطلب السوداني. 
غير أن هذا الموقف الأممي المستغرب اذا ما نظرنا اليه من الناحية المقابلة فإنه يبدو -للأسف الشديد- غير موضوعي بل وغير عملي وذلك لأسباب تتصل بأمرين: الامر الاول ان التحقيق المطلوب وكما هو معروف سبق وأن جرى في حينه ولم يسفر عن شيء. 
الامر الثاني أن عنصر الزمن -ذلكم العنصر الحيوي الهام- اصبح دون شك عقبة كئود امام إمكانية قبول اية نتائج من تحقيق في مزاعم كهذه بعد مرور كل هذه الاشهر الطوال. إذن الحجة الاممية ليست واهية فحسب ولكنها -للمفارقة- هي البديل الساطع على أن المنظمة الدولية ليست لديها ادلة مضادة لحجة الحكومة السودانية القوية بشأن تحسن الاوضاع في الاقليم بصفة طبيعية وجراء جهود الحكومة من جهة، واخفاق البعثة -رغم ضخامة عددها- في القيام بمهامها بدليل أنها ما تزال تطلب الحماية من الحكومة السودانية في كل تحركاتها من جهة اخرى.
لو ان المنظمة الدولية لها حجج قوية (من واقع تقارير موثقة) ان البعثة تؤدي مهامها بهمة وإقتدار، أو ان الاوضاع لم تتحسن وان وتيرة العنف في الاقليم لم تخف وتتراجع لكان من الممكن القول ان حججها في مناهضة استراتيجية الخروج منطقية ولكننا الآن ما نزال حيال محض مزاعم وقضايا افتراضية. وربما يفوت على قادة المنظمة الدولية في هذا الصدد ان القانون الدولي القائم اساساً على الاعراف والتقاليد الدولية والسوابق التى تقع ربما متأثر بقواعده تأثراً بالغاً إذا كانت عمليات حفظ السلام التى تقوم بها المنظمة الدولية تبدو في جزء كبير منها مجرد اصرار فارغ المضمون على الابقاء على قوات دولية على ارض دولة من الدول دون ان يكون هنالك ما يدعو الى ذلك. 
ومن المعروف ان تجربة عمليات حفظ السلام في المائة عام الماضية ما تزال مضطربة وفي كثير من الحالات المعروفة في التاريخ الحديث وكانت اضرارها اكبر بكثير من الفوائد التي اسهمت في حفظ السلم والأمن الدوليين. هذا بخلاف الاموال الهائلة التى تتكلفها هذه القوات بما يتسبب في الاخلال بموازين مواجهة الاشكالات والكوارث الدولية. 
إن من غير المفهوم ان تنفرد المنظمة الدولية بمعزل عن الدولة المضيفة في تقدير أوجه ومبررات بقاء البعثة الدولية ولهذا فإن الامم المتحدة فى حاجة الى حجج منطقية قابلة للتصديق إزاء اصرارها على عدم وضع استراتيجية خروج محددة. 
صحيح ان القيد الزمني في هذه الحالة ربما لا يتضمن خروجاً فورياً أو في غضون اسابيع أو اشهر ولكن من المؤكد ان مجرد وضع استراتيجية خروج بجداول زمنية محددة يتيح للكافة الاطراف التعامل مع الملف بمسئولية، كما أنه دون أدنى شك يعطي قوة دفع ذاتية للأزمة نفسها لكي تعمل على حل نفسها ولو على المدى البعيد.

الخميس، 19 فبراير 2015

الفرص الاقتصادية بين السودان وأميركا

بدأت العلاقات الأميركية السودانية تشق طريقها بخطى لا بأس بها نحو الحوار المباشر، بعد القطيعة التي استمرت لأكثر من عقدين من الزمان، حيث تحولت وجهة الاقتصاد إلى دول الجنوب والتاريخ يذكرنا أن العلاقات الاقتصادية السودانية علاقات عريقة وصلت إلى ذروتها في سبعينيات القرن الماضية، حيث بدأت الاستثمارات الأميركية الضخمة تتدفق إلى السودان وبلغت وقتها 1.8 مليار دولار صرفتها شيفرون الأميركية في استكشافات النفط السوداني، وكانت وقتها تثمل البداية الفعلية لاستكشاف النفط في السودان، إلا أن اندلاع الحرب الأهلية في الجنوب عطلت مشروع النفط السوداني، إلا ان العلاقات الاقتصادية من وقتها لم تمض إلى الأمام بفعل القضايا السياسية وخرجت الشركات الأميركية من السودان.
الولايات المتحدة الأميركية تعتبر أكبر قوة اقتصادية في العالم ولا يمكن الاستهانة بها، ونحن في السودان بغض النظر عن الحصار الاقتصادي الناتج عن ردة فعل سياسي متبادلة، ولكن ظل الفراغ في العلاقات الاقتصادية يباعد الشقة بين الطرفين، الآن الحكومة عزمت على إصلاح ما انكسر من علاقات مع الجانب الأميركي.
منذ أكثر من عامين كنت قد تحدثت إلى محافظ بنك السودان المركزي وقتها الدكتور صابر محمد الحسن، وقلت له ما الذي يمنع القطاع الخاص السوداني والأميركي أن يدخلا في شراكات اقتصادية تحقق مصالح الشعبين، بعيداً عن حزب المؤتمر الوطني والإدارة الأميركية، اجعلوا من قيام المصالح للشركات الخاصة سلماً لتحسين علاقاتكم السياسية مما يحقق المنافع للشعب السوداني الذي تأذى كثيراً من الحصار الأميركي الذي حرمه من التقنيات الإلكترونية والاقتصادية والأكاديمية وغيرها، بسبب الحصار الاقتصادي.
إن السودان مؤهل من حيث الموارد الطبيعية لإقامة مصالح اقتصادية مشتركة، وبدأ الامر منذ عامين ونيف بدخول شركات اميركية للعمل في القطاع الزراعي او فتح باب للتعاملات بين شركات وبنك سوداني مع الجانب الاميركي، خاصة وأن الزراعة هي البترول الحقيقي للسودان، والظروف العالمية متاحة لنهضة هذا القطاع من خلال الطلب المتزايد للغذاء عالمياً، وانتاج الوقود الحيوي، الامر الذي يمكن ان يوفر فرصاً استثمارية كبيرة للقطاع الخاص الاميركي من خلال حصوله على استثناءات من مكتب المقاطعة الاميركي، وقتها كان من الممكن للسودان ان يستفيد من التقنيات الزراعية المتطورة التي تتمتع بها الولايات المتحدة الاميركية في مجال زراعة القمح، وتقنيات الهندسة الوراثية فضلاً عن الآليات الزراعية والمصانع المرتبط بالقطاع الزراعي.
إننا نحتاج إلى دراسة معمقة ورؤية واضحة لعلاقة اقتصادية مع أميركا تحقق مكاسب للشعب السوداني حتى لو كانت بعيدة كل البعد عن علاقات مباشرة مع الحكومة. الشعب السوداني الآن في حاجة لفرص عمل في مختلف المجالات، ويمكن أن يحققها دخول الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فالزراعة والتصنيع الزراعي يحتاجان إلى رؤوس اموال وتقنيات لا يمتلكها الشعب السوداني، خاصة وان 70% من الشعب يعمل او يقطن في المناطق الزراعية التي تعاني من نقص في الخدمات والتنمية بسبب ضعف العائد من القطاع الزراعي، للدرجة التي دفعت الكثيرين للهروب من القطاعات الزراعية والرعوية في ظل الواقع الاقتصادي الحالي الذي زادت فيه معاناة الفقراء والمساكين من الشعب السوداني الذين لا حول ولا قوة لهم بالعمل السياسي، وذلك نتيجة الحصار الاقتصادي الذي وقع على أكتاف المواطنين بشكل مباشر. آن الوقت لإعادة النظر لتعويض المواطن السوداني من خلال إقامة علاقات اقتصادية لا تستثني أي دولة من دول العالم

تعاون بين السودان والبرازيل لتطوير الثروة الحيوانية

أكد وزير الثروة الحيوانية والسمكية والمراعي الدكتور فيصل حسن إبراهيم أهمية التعاون المشترك بين السودان ودولة البرازيل في مجال تنمية وتطوير قطاع الثروة الحيوانية، وقال لدى لقائه السفير البرازيلي مستر جوسي مور إن السودان دولة واسعة المساحات وتمتلك ثروة حيوانية هائلة جعلتها في مصاف الدول الأفريقية وتعمل على زيادة الإنتاج ورفع الاقتصاد القومي بالبلاد، ودعما لخزينة الدولة. مشيداً بالعلاقات الثنائية بحسب أن دولة البرازيل من الدول المتقدمة في مجال تطوير الثروة الحيوانية ولها تجارب عديدة وناجحة مع السودان في مجال الاستفادة من التجارب التقنية في تحسين النسل لزيادة الإنتاج والإنتاجية.

الثلاثاء، 17 فبراير 2015

العلاقات السودانية الألمانية.. مسارات جديدة

الخرطوم: سارة ابراهيم عباس
العلاقات الثنائية بين السودان وألمانيا، نشأت منذ الاستقلال حيث كانت ألمانيا رابع دولة تعترف باستقلاله ورغم تأثُّر العلاقات بعدد من العوامل، مع ذلك لعبت دوراً إيجابياً داعماً للتوصُّل لاتفاقية السلام الشامل، وشهدت السنوات الاخيرة تبادلاً للزيارات من كبار المسؤولين. ففي الجانب الاقتصادي، تشير الارقام الى أن الصادرات الالمانية الى السودان بلغت في العام 2010 «273» يورو مقارنة بـ «202» يورو في العام 2009م، ومن السودان الى ألمانيا  «17» مليون يورو. وشهدت العلاقات نقلة نوعية في مجال التعاون الاقتصادي والتجاري، آخرها استعداد ألمانيا للنظر في مساعدة السودان للحصول على استحقاقه في المبادرات الدولية لإعفاء ديونه الخارجية، فضلاً عن اتجاه مجموعتين من الشركات الألمانية للاستثمار في السودان تضم إحداهما اكثر من «20» شركة تعمل في مجال الإنتاج والتصنيع والاستثمار الزراعي، والاخرى تضم «15» شركة للاستثمار في مجال المعادن. وحسب وزير المالية بدرالدين محمود، إن الشركات أبدت استعدادها للتوجُّه الفعلي للاستثمار في السودان، وكشف عن توجُّه الحكومة الألمانية لتقديم حوافز عبر الدعم الاقتصادي، وتم  الاتفاق ووضع آليات لمساعدة المستثمرين، من بينها ضمان القروض من مؤسسة هيرمز للشركات الألمانية في المجالات المختلفة في السودان. ووصف عدد من الخبراء الاقتصاديين الذين تحدثوا  لـ«الإنتباهة»، الخطوة بالمهمة وتصب في مصلحة نهضة  الاقتصاد السوداني وتحريك طاقاته الكامنة، لما تتمتع به الشركات من قوة في رؤوس الأموال والخبرات الواسعة في تطوير الآليات والتكنولوجيا الحديثة ذات الجودة العالمية.
وقال الخبير الاقتصادي د. عبدالله الرمادي في ظل الحصار الاقتصادي غير المبرر على السودان والذي عانى منه كثيراً لسنوات طويلة وتسبب  في اعاقة حركة الصادر والوارد بجانب انسياب رؤوس الاموال من والى البلاد وتداعياته السالبة على الاقتصاد، فإن أي انفراج في الوضع لابد أن تكون له آثار إيجابية واضحة. وأضاف أياً كانت الدولة التي يتم عن طريقها فتح منافذ جديدة وعندما  تكون بحجم ألمانيا والتي وصف اقتصادها بأنه الأقوى بين الدول الاوروبية، فإن المردود على الاقتصاد السوداني سيكون مضاعفاً، مشيراً لاتجاه الحكومة الالمانية لتشجيع الشركات للاستثمار، وقال إن اثر ذلك سينعكس ايجابياً لما تُحظى به الشركات من قوة في رؤوس الاموال والخبرات الواسعة في تطوير الآليات والتكنولوجيا الحديثة ذات الجودة العالمية، مما يساعد في تحريك الطاقات الضخمة في الاقتصاد السوداني والتي ما زالت معطلة عبر السنين وبحاجة الى مستثمر لتحريكها، مبيناً دور ألمانيا الاقتصادي  في مسرح الاقتصاد العالمي وفي اوروبا على وجه الخصوص. وقال ذلك يطمئن بأن تعاملها مع السودان وسعيها للاستثمار في السودان وبذلها للجهود لإعفاء ديونه الخارجية، فإن ذلك سيعود للاقتصاد السوداني بالنفع الكبير ونقطة البداية لنهضة اقتصادية كبرى  في السنوات القادمة.
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي د.حسين القوني إن ألمانيا ذات الثقل الاقتصادي والصناعي ومن الدول الكبرى في اوروبا التي تتميز بامكانيات واقتصاد قوي ولها ثقلها في العالم الخارجي والسودان كان واحداً من شركاء ألمانيا اقتصادياً وتجاربه معها طيبة لما تتمتع به من صناعات جيدة. ولفت القوني في حديثة لـ«الإنتباهة» أن الانفتاح المشترك بين البلدين قد يكون بسبب الانفراج النسبي وتوجه الاستثمارات الاجنبية تجاه السودان ومؤشر ينبئ بانفراج سياسي واستقرار سوف يشهده السودان في الفترة المقبلة، مبيناً أن التوجُّه نحو السودان جاء  نتيجة قرارات سياسية عالمية وهو بشارة خير لتحسن الاوضاع في السودان، وقال كل الدول الاوروبية عندما تتجه للاستثمار في بلد ما، فهذا مؤشر على استقرار سياسي يشهده البلد المعني. وأضاف أن التوجُّه نحو السودان نتيجة لما يتمتع به من مجالات استثمارية كثيرة في مجال البترول والمعادن وامكانيات زراعية وصناعية. وقال اذا لم يتم التنفيذ الفعلي للسياسات الفنية التي يحويها قانون الاستثمارسوف يكون عقبة كبيرة في طريق توجة الاستثمار للبلاد.

كرتي في واشنطن.. دبلوماسية نقل المواجهة الى دار الخصم!

ربما كان من حسن حظ السودان بشأن علاقاته المتأرجحة مع الولايات المتحدة الامريكية أنه يواجه فريقين من الرافضين للاتفاق بين الدولتين. فريق على الجانب الامريكي ويتمثل في جماعات الضغط المتطرفة التى ما تزال تعيش على ماضي سياسي تجاوزته الاحداث فعلياً، وهو ما يزال متجمداً في نقاط وقضايا قديمة لا تتصادم مع طبيعة المتغيرات التى عادة ما تجري في نهر السياسة الهادي فحسب، ولكن تتقاطع حتى مع طبيعة الذهنية الامريكية سريعة الايقاع الميالة بطبيعتها للتغيير والمواكبة. 
الفريق آخر على الجانب السوداني؛ وهؤلاء يمكن تصنيفهم بموضوعية شديدة في خانة (الناقمين سياسياً) وليس فقط المعارضين لأي تقارب سوداني أمريكي لأنهم -وإن لم يقولوا ذلك صراحة- إذا ما حدث هذا التقارب فقد فقدوا عملياً الارضية السياسية التى ينطلقون منها في معارضة الحكومة السودانية. 
و قد كانت احدى ابرز تجليات هذا التناقض الغريب الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية السوداني على أحمد كرتي الى واشنطن، ففي حين أكدت وزارة الخارجية السودانية عبر تصريحات لوكيلها عبدالله الازرق ان الوزير السوداني ذهب الى واشنطن بدعوة رسمية لحضور منشط امريكي وان الرجل ذهب وفي حقيبته الدبلوماسية ما وصفه الازرق بـ(ما يحفظ المصالح الوطنية للبلاد) وذلك عبر اللقاءات المكثفة التى استطاع الوزير تحقيقها مع العديد من قادة الكونغرس وتناولت مختلف الشأن الدبلوماسي بين البلدين وتصحيح بعض الامور المغلوطة؛ فإن ناشطون أمريكيون مثل المنظمة اليهودية المعروفة (متحدون لإنهاء الابادة الجماعية) غالطوا بشأن طبيعة الزيارة وإدعوا أن واشنطن لم تقدم الدعوة أساساً للوزير السوداني!
نشطاء آخرين على الجانب السوداني -أثارت الزيارة مخاوفهم- قالوا إن الوزير كرتي ذهب الى واشنطن بدعوة من منظمة مسيحية -أنظر هنا كيف بدت للحبكة الدرامية- حتى يثير الاشمئزاز لدى عامة السودانيين! وزعموا أنّ المنظمة المسحية تود (مكافأة) الوزير كرتي (شخصياً) على دوره في إطلاق سراح الفتاة السودانية الشهيرة (ابرار)! التى كان قد صدر ضدها حكم قضائي بالردة قبل ان تقرر محكمة الاستئناف لاحقاً إطلاق سراحها!
وهكذا ففي الحالتين فإن المهم في الامر والذي عجز الفريقين -الامريكي المعادي للسودان، والسوداني الحانق على الحكومة السودانية- عن تبرير الكيفية التى على اساسها حصل الوزير السوداني على دعوة رسمية من الحكومة الامريكية! كما عجز عن إيراد صورة كاملة لطبيعة اللقاءات التى أجراها الوزير هناك! كما بدا واضحاً-وهذه هي النقطة المركزية في الموضوع- ان الفريقين (فوجئا) تماماً بظهور الوزير في واشنطن وفي عمق مواقع المسئولية وصناعة القرار في ذلكم البلد الاكثر إثارة للجدل على مستوى العالم. 
إن نجاح الوزير السوداني فى التقاء بعض الاعضاء في الكونغرس والتباحث معهم بشأن قضايا السودان واختراق الوزير السوداني -رغم أنف المنظمات اليهودية والناشطين السودانيين المعادين لبلادهم- لمنظومة صناعة القرار الامريكي لهو عمل دبلوماسي يحفه نجاح باهر بصرف النظر عن المحصلة النهائية، ذلك ان سعي السودان لإنهاء المقاطعة الاقتصادية أحادية الجانب، ورفع اسمه من قائم الدول الداعمة للارهاب هو سعي استراتيجي بالغ الاهمية، من الضروري ان يبذل فيه السودان كل ما في وسعه، ففي السياسة التى يقال انها فن الممكن فإن النجاح إنما يقاس بتحقيق مصالح الدولة السودانية في أي مكان كانت وتحت اي ظرف كان طالما أن ذلك جرى في إطار دبلوماسي مشروع!

مع أمريكا

بقلم: عادل ابراهيم حمد 

فكرة السيطرة على العالم قديمة، تبدلت من مرحلة إلى أخرى، فقد كانت طموحاً شخصياً يحقق العظمة والأبهة للقائد المسيطر على أكبر رقعة والمتحكم في كل شعوب الأرض إن أمكن.. هكذا كانت الفكرة التي دفعت الإسكندر وهولاكو، وجنكيزخان، ونابليون، وهتلر، للخروج بجيوشهم من أوطانهم لحكم العالم.. وسوف تظل فكرة حكم العالم كله من مركز واحد باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. لكن تتبدل الفكرة من سيطرة شخص واحد يرنو للعظمة إلى أمة واحدة تريد السيادة على بقية الأمم، كما حدث في فترة الإستعمار التقليدي حين ظهرت الإمبراطوريات الإستعمارية الأوربية، وبزوالها تحورت الفكرة إلى السيطرة بالقوة الناعمة التي لا تتوسل لأهدافها بالغزو العسكري المباشر، ولم تصبح السيطرة غاية في حد ذاتها بعد أن أصبح هم القوى العظمى نشر قيم تؤمن بها الدولة المسيطرة، ورغم تراجع المواجهات العسكرية والغزو المباشر، لكن القوى الكبرى تضع قواها المادية كمهدد ورادع، تلوح بها كتذكير باحتمال توظيفها إذا دعا الحال، لذا تتمدد القيم التي تبشر بها دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر أن حدود أمنها القومي تنتهي عند إنتهاء حدود العالم، وتعتبر نفسها معنية بما يدور في ميانمار، وبيرو، والفلبين، ومالي، وفيجي، والمالديف، وأوكرانيا، وموريشوس، وزمبابوي، وكوريا، والساقية الحمراء، ووادي الذهب، ودار فور.
هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية التى يسعى السودان لتحسين العلاقة معها، وتسعى هي لتحسين العلاقة معه- حسب ما تشير دعوتها المقدمة لوزير الخارجية على كرتي ومساعد الرئيس إبراهيم غندور- فإذا كان الطرفان يسعيان لتحسين العلاقة، فما الذي يؤخر تحقيق الهدف المشترك؟ إن الدولة التي تمتد حدود أمنها القومي إلى حدود العالم قد تجد مهدداً سودانياً في موقع ما، وفي هذه الحالة لا ينتظر أن يدخل السودان نفسه في تحدٍ هو في غنى عنه، وينتظر أن يركز كل جهوده في قضاياه التي يملك فيها حججاً قوية مثل عدم الإلتزام الامريكي بتعهداته، رغم وفاء السودان لإلتزاماته بإجراء إستفتاء شفاف وقبوله نتيجة الإستفتاء رغم الخسارة بإنفصال الجنوب، وينتظر أن يصب السودان كل جهوده للتوصل مع الجانب الأمريكي لإتفاق مبدئي مشترك برفض الحرب، حتى لا يترك أمر الحرب على خطورته بلا موقف مبدئي أمريكي واضح منه.. ويكون الترتيب المنصف الرفض المبدئي الامريكي للحرب ثم تحديد السودان لتنازلاته في مقابل هذا الموقف الأمريكي الصريح.. بدلاً من ترك خيار الحرب مفتوحاً ويطالب السودان بتقديم تنازلات، فتصبح الحرب أداة ضغط يساق بموجبها السودان إلى حيث لا يريد.. هذه قضايا عادلة وواضحة الملامح، وفوق ذلك: هي سودانية خالصة، وليس من الحكمة أو الكياسة أن يتركها الطرف السوداني منصرفاً عنها إلى معارك في غير معترك، لا تخدمه بل و تضعف قضاياه العادلة مثل الإنصراف للحديث عن جرائم أمريكا في فيتنام، وحقوق الهنود الحمر و معركة هرمجدون الفاصلة.

الاثنين، 16 فبراير 2015

السودان .. المشهد الخارجي

بقلم : أحمد الشريف
وخادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز.. بحكمه آل سعود يرسم سياسة المملكة للمرحلة القادمة.. مؤشراتها لملمة الشتات العربي.. وتطوير العلاقات بين المملكة وشقيقاتها العربية، وتوطيدها وإزالة الدخن وتفهم أكدته لقاءات مسؤولين سودانيين برصفائهم السعوديين، فهذا ما كشفته زيارة الدكتور مصطفى عثمان للسعودية، فالمؤشرات أن العلاقة الأزلية بين الشعبين الشقيقين ستشهد تطوراً وتعاوناً لمصلحة البلدين.
استقرار تشاد جزء من استقرار السودان، فلا حواجز طبيعية ولا بشرية بينهما، فلا يتأتى استقرار البلدين ونمائهما إلا بالتعاون في كل المجالات، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، أمنية "فبوكو حرام" المنظمة الإرهابية لا تهدد تشاد وشرق الكاميرون بل تهدد السودان وكل القارة من غربها إلى شرقها، ولقاء الرئيس دبي بالرئيس البشير تأمين للأمن في البلدين واللقاء يحمل تأكيدات لمستقبل زاهر لعلاقة تتجاوز الحدود المصطنعة، التي سينسفها طريق الإنقاذ الغربي الشريان الرئوي الذي يربط بين شعبين لم تفصلهما الجغرافيا ولا التاريخ.. ولما تتحول بورتسودان ثغراً لأثيوبيا، يسقط التوجس وتنمو شجرة الثقة بين الدولتين، ويبني الشعبان جسوراً للتواصل، تواصلاً قائماً على تبادل المصالح وتصبح الحدود "الطويلة" بين البلدين.. حدوداً آمنة مفتوحة لتبادل الطعام والكساء والكهرباء لا حدوداً لتدفق السلاح وإيواء المعارضين، ففتح مرابط ميناء بورتسودان لتجارة "الترانزيت" الأثيوبية. اختراق للعلاقات الأثيوبية السودانية، التي كانت في وقت ما علاقة فاترة ومهزوزة.
قطاع الشمال مولود مسقط رأسه كمبالا.. والجبهة الثورية من مواليد كمبالا.. وقيادات حركتها المتمردين من كمبالا يقودون التمرد، بدعم من موسفيني، وتوتر العلاقة بين الخرطوم وجوبا تصنعه كمبالا.. وعشرات السنين وكمبالا خطر يهدد أمن وسلامة السودان، وعشرات السنين يعمل موسفيني على إسقاط النظام في السودان ويفشل ولا ييأس.. وعشرات المحاولات والخرطوم تحاول تطبيع العلاقة مع كمبالا عبر زيارة نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن زيارة كانت أهم مخرجاتها توجيه من الرئيس موسفيني بمغادرة قادة الحركات المتمردة لأراضي يوغندا، اعتقد أن هذا التوجيه لو تنزل إلى أرض الواقع، يكون موسفيني قد غير صورته أمام دول وشعوب القارة، يكون موسفيني قد قدم نفسه لها كرئيس أفريقي يريد للقارة أن تستقر ولشعوبها أن تنهض، يقدم لها نفسه كرئيس أفريقي ينشد السلام.. وإن لم تنزل يكون التوجيه خدعة سياسية.
أمريكا تدرك أن السودان لا يرعى الإرهاب، وأن شعبه المسالم ليس من طبعه الإرهاب، والعالم أجمع يدرك أن إدراجه في ملف الدول الراعية للإرهاب هو عمل سياسي ورفض إداراتها المتعاقبة لرفع الحظر الاقتصادي عليه قرار يدفع فاتورته الشعب السوداني، قبل الحكومة التي فشلت كل الإدارات في إسقاطها، فأعتقد أنه ليس من مصلحة دولة عظمى كالولايات المتحدة أن تحارب شعباً لأجل منظمات تدبج تقارير غير دقيقة تهدف من ورائها مصالح لجهات.. لا اعتقد أن من مصلحة دولة عظمى أن يتسع حزام الفقر والمرض في السودان بسبب المقاطعة الاقتصادية في وقت ينادي بحقوق الإنسان.. فإلى متى تتطابق الأقوال بالأفعال.
والله المستعان

واشنطن والخرطوم

بقلم: عبد الله عبيد حسن
أياً تكون النتائج التي ستسفر عنها زيارة علي كرتي، وزير خارجية السودان، إلى واشنطن الأسبوع الماضي، والزيارة التي قام بها أيضاً إبراهيم غندور، مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم، فإن نتيجة واحدة محققة ستسفر عنها وهي كونها قد حركت المياه الراكدة في علاقات الحكومتين منذ سنوات وأحدثت حراكاً في الداخل على شكل تعليقات وتصريحات ومقالات سياسية شغلت الناس لبعض الوقت.
الأصل في الحكاية أن وزير الخارجية قد تلقى دعوة من السيناتور بول كيفي وزميله السيناتور روجر ويكر نيابة عن اللجنة المنظمة «للإفطار الوطني» الذي درج الكونجرس على إقامته سنوياً ودعوة مئات الشخصيات العالمية لحضوره، حيث تتحول المناسبة الدينية إلى منتدى عالمي. هذه المناسبة والدعوة لها، لا علاقة لها بالسلطة التنفيذية (الإدارة الأميركية).. لذا حرصت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية أن تؤكد على أن دعوة الوزير السوداني للمشاركة قد «وجهت إليه مباشرة من مسؤولي الكونجرس المسؤولين عن تنظيم المناسبة»، وهذا في ردها على المحتجين على دعوة كرتي من المعارضين السودانيين وجماعات حقوق الإنسان الأميركية الذين تجمعوا أمام مبنى الخارجية. الأميركية.وفيما يخص زيارة غندور فقد أعلن «المؤتمر الوطني» أنه تلقى دعوة من الإدارة لزيارة الوﻻيات الأميركية للتباحث حول قضايا مهمة، وأنه سيناقش مع الإدارة الأميركية سبل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين والجهود الرامية لرفع العقوبات عن السودان. أما لماذا غندور تحديداً مَن قامت الإدارة الأميركية بدعوته، فإنه يبدو، ومن وجهة نظر الإدارة الأميركية، أنه هو المسؤول السوداني الأول عن ملفات النزاعات المسلحة في جنوب كردفان والنيل الأزرق وإقليم دارفور.. وتريد الإدارة بدعوته إرسال رسالة مباشرة بشأن هذه الملفات إلى حكومة السودان، خاصة وأنها قد أعلنت أكثر من مرة دعمها للحوار الوطني وتأييدها لجهود الوسيط الأفريقي وطالبت الخرطوم بتهيئة المناخ الملائم له والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية لمناطق الحرب. لقد وُوجِهت زيارة وزير الخارجية لواشنطن بتظاهرات واحتجاجات من ناشطين وسياسيين، وبعض أعضاء الكونجرس، وفي مقدمتهم السيناتور جيم مايكفوفرن رئيس لجنة حقوق الإنسان والسيناتور جوزيف بيتس، اللذان أصدرا بياناً قالا فيه إنه لا تنبغي دعوة مسؤولين سودانيين لحضور مناسبة تنظم باسم الكونجرس الذي صوت على قانون يدين السودان بانتهاكات ضد الإنسانية! لكن المتحدث باسم الخارجية السودانية قال: إن الوزير قد خاطب أعضاء المنتدى وشرح تطورات ومستجدات الأوضاع السياسية بالسودان وترتيب الحكومة للانتخابات وجهودها لإنجاح الحوار الوطني الرامي لتحقيق السلام مع كل الفصائل المناوئة. وأجرى مشاورات مع بعض أعضاء الكونجرس حول رفع العقوبات عن السودان وتعزيز الحوار بين البلدين.
وبينما تأمل المصادر الحكومية السودانية أن تُحقق زيارتي كرتي وغندور فرصة مواتية لتقريب وجهات النظر وتوضيح المعلومات الحقيقية عن السودان وسياساته الداخلية والخارجية للمسؤولين الأميركيين وإزالة الصورة القاتمة المنقولة عن البلد، حسب قولهم.. فإن المراقب لشأن العلاقات بين البلدين يلحظ أن ثمة خيوط اتصال بدأت تمتد بينهما، قد يكون التحرك الإيجابي من ناحية الأميركيين بطيئاً فيها وغير ملحوظ بشكل كبير. إلا أن الأوضح هو ما أعرب عنه بعضهم من رؤية «انتهازية» تليق برجال الأعمال الأميركيين الذين زعموا أن مصالحهم قد تضررت من قرارات الحظر الأميركية على السودان والفراغ الذي أحدثته المقاطعة، مما أدخل الصين بقوة في السوق السوداني والاستفادة من موارده، الأمر الذي انعكس سلباً على مصالح رجال الأعمال الأميركيين في السودان!.