الثلاثاء، 24 فبراير 2015

البشير في الأمارت

خمسة أيام سيكون لها ما بعدها
حينما حزم رئيس الجمهورية المشير عمر البشير أمتعة السفر ناحية بلاد زايد الخير بدا واضحاً أن فترة الخمسة أيام التي سيقضيها الرئيس هناك سيكون لها مفعول السحر في تغيير الكثير من ثوابت ومرتكزات حكومة الإنقاذ، وهو ما حدث إجمالاً. وما تم تفصيلاً هو أن البشير أرسل رسائل عدة في اتجاهات مختلفة ، وتأكيده على أن العلاقة بين الخرطوم وواشنطون في حميمية مضطردة بعدما ظل العداء السافر هو عنوان العلاقة بين البلدين.

تحركات لتطويق خاصرة الدواعش
الخرطوم: سارة شرف الدين
ظلت علاقة السودان بدولة الإمارات العربية المتحدة مزيجاً غريباً من التباعد الخفي والتقارب المعلن فهي تضم جالية سودانية لا يستهان بها وتدير استثمارات سودانية جعلت حركة التجارة بين البلدين أكثر من مجرد حركة طيران يومية بين مطارات الدولتين بعدما حطمت رقماً قياسياً رغم ما يبدو من تباعد في المواقف السياسية بين البلدين.
هدوء التاريخ
في ذروة توتر العلاقات السودانية مع الخليج في أعقاب غزو العراق للكويت اختطت الإمارت مساراً مختلفاً، إذ لم تلجأ للتصعيد المباشر ضد الخرطوم بل سعى مؤسسها الراحل الشيخ زايد آل نهيان في تسعينات القرن الماضي لإطلاق مبادرة للمصالحة بين الفرقاء السودانيين، إلا أن تلك المبادرة فشلت في بلوغ مبتغاها بسبب تباين مواقف الطرفين الحكومة والمعارضة.
الأهمية السودانية
اكتسبت زيارة رئيس الجمهورية المشير عمر البشير للإمارات أهمية كبيرة ووضح أن الملف الليبي حظي بقدر من الاهتمام. وسبقت الزيارة تصريحات لدكتور مصطفى عثمان إسماعيل أعلن فيها اعتزام البشير إجراء سلسلة زيارات لدول الخليج لتعزيز الأوضاع السياسة والاقتصادية في السودان.
وناقشت المباحثات السودانية الإمارتية قضايا البلدين وتعزيزات الأمن وتبادل الخبرات العسكرية بين البلدين في ما وضعت الملف الليبي كخطوة أولى هامة إذ كشف البشير عن اتفاق ثنائي مع الإمارات بغرض احتواء الأوضاع المتفجرة في ليبيا التي تشهد ساحتها صارعاً شديداً وعنيفاً بين مجموعاتها المتناحرة ما أدى لحالة من الانفلات الأمنى بات مؤثرًا على مجمل المنطقة.
وطبقاً لمراقبين فإن السودان يعتبر صمام أمان عسكرياً وأمنياً واستراتيجياً في الملف الليبي باعتباره دولة لديها تاريخ مع الدولة الليبية منذ سنوات حكم الرئيس الليبي السابق معمر القذافي والذي ظلت علاقته مع جيرانه السودانيين تشوبها الشكوك والظنون عبر دعمه للحركات المعارضة المسلحة بدءًا من احتضانه لمعارضة الجبهة الوطنية في سبعينات القرن الماضي مروراً بدعمه للجيش الشعبي لتحرير السودان عند تكوينه في ثمانينات القرن الماضي قبل ضلوعه بشكل كامل في دعم وتسليح الحركات المسلحة بدارفور وإمدادها بالمال والسلاح والعتاد والتي بلغت ذروتها بتمويله لمحاولتي غزو الخرطوم في يوليو 1976م ولاحقاً هجوم العدل والمساواة على أم درمان في مايو 2008م التي مثلت الدليل الدامغ والتأكيد الحاسم لصلة القذافي بدعم الحركات المسلحة المعارضة والمناوئة للخرطوم.
دراية ومعرفة
وفي هذا السياق يشير السفير السابق والخبير الاستراتيجي د. الرشيد أبو شامة للعلاقة الجيدة للسودان بالحكومة الليبية الوليدة التي تم تشكليها في أعقاب إنهاء حكم القذافي ، قبل حدوث انقسامات وسط الثوار وتحولهم لشركاء متشاكسين، وقال ابوشامة في حديثه لـ(الصيحة) "وقتها لم يقف السودان صامتاً إزاء الأوضاع الأمنيه في ليبيا بل بادر إلى جمع الدول العربية المجاورة في مؤتمر لمناقشة القضية الليبية وكان وزير الخارجية السوداني قد زار ليبيا في وقت سابق أيضًا وأجرى اتصالات واسعة بخصوص الأوضاع واستقبل السودان رئيس الوزراء الليبي السابق". ومضى يقول: "عموماً السودان من أكثر دول الجوار دراية بليبيا".
خطر مشترك
تمثل تحركات تنظيم (داعش) بالأراضي الليبية الخطر المشترك الحالي الذي بات يهدد الدول المجاورة لليبيا خاصة العربية سيما في ظل وجود مؤشرات على إمكانية انتقال نشاطه لدول مجاورة كمصر وهو ما جعل القاهرة للتنبيه قبل فترة طويلة- سبقت حادثة ذبح أكثر من عشرين مصرياً بليبيا مؤخراً بواسطة تنظيم داعش- للتنبيه لهذا الخطر وضرورة وضع حد له.
وحظيت حادثة مقتل المصريين مؤخراً بشجب وإدانة واسعين من قبل المجتمع الدولي والعربي، ومع استصحاب التحركات الموازية التي يقوم بها داعش بالعراق فإن الملف الخاص بـ(داعش) من المؤكد كان يستوجب وضع هذه القضية ضمن أجندة المباحثات السودانية الإمارتية.
وبحسب خبراء أمن فإن السودان يلعب دورًا هامًا في الشأن الليبي نظرًا لتداخله معها منذ الإطاحة بالقذافي مرورًا بالقوات المشتركة على الحدود الليبية السودانية التي تشكل طوق حماية يمنع تنظيمات مثل داعش من الدخول إلى السودان لأن دور هذه القوات استراتيجي وأمني أسوة بالذي تلعبه القوات السودانيه التشادية على حدود البلدين أيضاً.
ويقول الخبير الأمني حسن بيومي لـ(الصيحة) إن السودان "لعب في ليبيا دورًا هامًا منذ الإطاحة بالقذافي وما يزال، فقد حاول احتواء الأزمات بشتى الطرق وكان موجودًا في المشهد السياسي الليبي ولهذا السبب تعول عليه الدول العربية والإفريقية في المنطقة ليلعب دورًا أمنياً وسياسياً واضحاً فيما يتعلق بالأوضاع الأمنية المنفلتة حاليًا ومع دخول داعش في الخط سيكون العدو مشتركاً بين كل الدول العربية، وسيمنع السودان تقدم التنظيم جنوباً كما سيلعب دوراً هاماً فيما يتعلق بتبادل المعلومات الأمنية حول التنظيم لتسهل عملية اتخاذ التدابير الوقائية وعلى الدول عمل مؤتمر لتأطير عملية تبادل المعلوماتية وتفعيل التعاون الفني الذي يشمل المعلومات والتدريب والعمليات فدخول تنظيم مثل داعش يجعل السودان ومصر والدول كلها تتخذ وضعية دفاع لمجابهة العدو المشترك".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق