الخميس، 12 فبراير 2015

القمة الافريقية وأخطر قرار لصالح السودان!

لا يقف قرار قمة الاتحاد الافريقي الرابعة والعشرين، الخاص بسحب ملف اقليم دارفور من محكمة الجنايات الدولية والصادر بإجماع دول القارة، لا يقف فقط عن حد كونه قرار سياسي مساند للسودان في نزاعه المرير المتطاول مع محكمة الجنايات الدولية من جهة ومجلس الامن الدولي من جهة أخرى. 
القرار وفقاً لعناصره الواردة في متنه، من المحتم ان تكون له ابعاد قانونية مؤثرة على المديين القريب والمتوسط، فمن جهة أولى، فإن القرار يعني بايجاز غير مخل ان دول القارة الافريقية بكاملها والتى تمثل ما يجاوز نصف الموقعين على ميثاق روما المنشئ للمحكمة، قد قررت ان تجعل من ملف دارفور مدخلاً لها لإعادة النظر في اعترافها بالمحكمة وتعاملها معها، وهذا واضح بجلاء من خلال  أمرين مهمين:
الاول انها واستناداً الى النظام الاساسي للمحكمة نفسه تطالب مجلس الامن بإعادة النظر في قراره رقم 1593 بإحالة الاوضاع في دارفور الى المحكمة، وهذا أمر يستطيع مجلس الامن -من الناحية القانونية الصرفة- اعادة النظر فيه على اعتبار ان قرار الاحالة لم يكن فقط متجاهلاً لحقائق الامور في السودان مثل وجود قضاء سوداني راغب في القيام بدوره، ولكن المجلس أيضاً تعامل من منطق سياسي معروف مع قضية لا تحتمل الظلال السياسية والاستغلال السياسي.
الامر الثاني ان دول القارة الافريقية في ذات القرار الصادر بالاجماع اعطت دول القارة كامل الحق في التعامل بالطريقة التى تراها مع المحكمة الجنائية بما في ذلك ممارسة حقها القانوني في الانسحاب من عضويتها. 
تزامن الامرين معاً في قوت واحد معناها بوضوح ان دول القارة الافريقية قد قررت -رسمياً- الدخول في مواجهة قانونية واضحة مع محكمة الجنايات والابتعاد قدر المستطاع عن الجانب السياسي في الموضوع. 
ومن جهة ثانية مؤدى هذا الوضع ان دول القارة الافريقية في الواقع وضعت (هيبة الاتحاد الافريقي) في الميزان ففي مثل هذه الحالات فإن القرار للاتحاد الافريقي ممثلاً في جمعيته العمومية ومجلسه وليس لدولة القارة منفردة. وهذه النقطة يمكن اعتبارها بمثابة تطور هائل للغاية ونقلة نوعية سوف تجد القوى الدولية الكبرى صعوبة بالغة في التقليل من شأنها أو حتى الشعور بإمكانية التغلب عليها، ولهذا فإن من المرجح في هذا الصدد ان يضطر مجلس الامن للنظر في الطلب الافريقي بقدر واضح من الاهتمام، بصرف النظر عما إذا كان سوف يسعى بعد ذلك لوضع اشتراطات او عقد صفقات! المهم ان مجلس الامن لم يعد بمقدوره تجاهل قرار الاتحاد الافريقي على الاطلاق.
من جهة ثالثة فإن اتجاه الاتحاد للاستجابة للطلب الافريقي خشية مضي الاتحاد قدماً في تأسيس عدالة جنائية افريقية من المؤكد انها سوف تفرغ محكمة الجنايات الدولية تماماً من مضمونها. وعلى ذلك فإن مجلس الامن الذي ما يزال يبحث عن وسيلة ناجعة يعالج بها مأزق إعادة ملف دارفور من قبل الى لاهاي إليه، بإمكانه ان يتمسك -دون حرج- بالقشة الافريقية، ففي الوقت الذي يجد فيه صعوبة في اتخاذ قرار لتفعيل قرارات المحكمة الجنائية بشأن دارفور في الوقت الذي تزدحم فيه وتتزاحم القضايا الاقليمية والدولية الاكثر اهمية وإلحاحاً بحيث تجعل من ملف دارفور في موضع اقل اهمية بالنسبة لمجلس الأمن؛ فإن افضل السبل لمعالجة الموقف لن تبارح اتخاذ قرار بإلغاء احالة ملف دارفور الى لاهاي. 
ولئن قال قائل ان ذلك ربما يصبح (سابقة دولية) ربما تسارع دول اخرى للمطالبة بها فإن الامر قد يبدو مسلياً إذا علمنا ان صانع القرار الامريكي على وجه الخصوص يتوق الى ترسيخ سابقة دولية كهذه ربما تتيح له ايجاد معالجة لملف اسرائيل المتفاعل حالياً في أروقة لاهاي والذي قد ينفجر في اية لحظة. 
وهكذا فإن اقل ما يمكن توقعه من نتائج ايجابية للقرار الافريقي أنه سوف يثير الجدل طويلاً جداً ويجذب الانتباه، ويسيطر على اعضاء مجلس الامن الدولي ويضطرهم الى التعامل معه بقدر غير قليل من الجدية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق