الاثنين، 10 أغسطس 2015

واشنطن.. دلالات الحنين للوحدة بعد انفصال جوبا..

ابتهال إدريس-
لم تكن توقعات الجنوبيين قبل التوقيع على اتفاقية نيفاشا وتحمسهم التام لتنفيذ الاتفاقية وصولاً الى حق تقرير المصير ومن ثم الانفصال بدولتهم الوليدة فى اى حال من الاحوال، ترسم احلاماً بان يكون واقع الحال فى دولة جنوب السودان كما هو عليه الآن.. فرغم النجاح التام فى فصل الجنوب بصورة سلسة وهادئة الا ان الخطوات المتتابعة لذلك الانفصال لم تشهد اى نوع من انواع الاستقلالية والهدوء، اذ ان الدولة الوليدة لم تفلح الى الآن فى وقف شلالات الدماء المنحدرة من كل صوب وحدب، وفلحت الانشقاقات الداخلية تماماً فى تمزيق اشلاء الدولة، ورغم الوعود الحالمة من عدد من الدول التى مثلت سابقاً تحالفاً قوياً مع جوبا انجلى الآن تماماً بعد ان ادركت تلك الدول انها تنفخ فى وعاء مخروم كما يذكر فى الأمثال، اذ لم تكن رفاهية المواطن هى غاية الحكومة، بل ان سحر السلطة والقيادة شكل مطمعاً لقادة الحركة الشعبية، وكان الخلاف هو مفتاح التمزق والشتات ما بين الجنوبيين. وبأى حال من الاحوال رغم ان جوبا رفعت راية استقلالها الا انها تجردت تماماً من المقومات الاساسية التى ينبغى على اساسها تكوين دولة تصلح لأن توضع داخل خريطة الدول حول العالم، مما حدا بالكثيرين من مؤيدى الانفصال سابقاً إلى ان ينادوا مرة اخرى بالوحدة مع السودان.
خارج اسوار واراضي الجنوبيين، وما بين هذه وتلك وضع الجنوبيين اصواتهم على صندوق الاقتراع لاختيار مصيرهم في عام 2010م بالبقاء ضمن المنظومة السودانية او الخروج الى رحاب بلد ودولة يحكمونها هم، ويبدو ان فيها خطوة تكوين دولة تحمل اسمهم وتطلعاتهم، وبصم الجنوبيون بالعشرة على الانفصال والذهاب بعيداً، لكن هي اوقات قريبة جداً من ذلك التاريخ، حيث وقع «الفاس في الرأس» وجال صوت الرصاص بينهم حاصداً احلامهم ومبعثراً مستقبلهم الذي بصموا عليه بصناديق الاقتراع، وتحول الحلم الى كابوس اذهل الكثيرين والمتابعين وحتى اصحاب العيون الخضراء الذين لم يجدوا حتى الآن حلاً لازمة صراع سلفا كير ومشار، او بالأحرى حرب الدينكا والنوير، فطالبوا كثيراً بعودة الوحدة، وآخرها ما ذكره المعهد الامريكي.
دمى مهيمنة
 في أبريل من عام 2014م استبعدت حكومة جوبا رسمياً عودة الوحدة مجدداً مع السودان، ورات انه خيار غير مطروح ومن رابع المستحيلات، وقال وزير الاعلام بجوبا مايكل مكوي في ذاك الوقت رداً على حديث للرئيس البشير قال فيه ان شخصيات لم يحددها شعرت بالندم بعد فصل جنوب السودان وطالبت في الخفاء باعادة الوحدة، قال ان على الخرطوم الافصاح عن تلك الجهات. ونقلت  صحيفة «الشرق الأوسط» في ذلك الوقت في تصريحات عن مكوي القول: «نطالب الخرطوم بالإفصاح عن القوى الدولية التي طلبت اعادة وحدة السودان وجنوب السودان حتى يتعرف عليها الناس»، واضاف قائلاً: «اذا كانت هناك عناصر جنوبية ترى ان هناك امكانية لوحدة البلدين مرة اخرى، ولكنه امر بعيد المنال، بل من رابع المستحيلات»، وتابع قائلاً: «قرار استقلالنا يعود إلى شعبنا الذي صوت باكثر من 99%، ونعلم ان بعض العناصر من المتمردين مع رياك مشار لديها ميول بعودة جنوب السودان الى السودان».
 تقارير صحفية مختلفة نقلت في اوقات متفرقة مطالبات من قيادات امريكية واوروبية بتأسيس اتحاد كونفدرالي بين السودان ودولة جنوب السودان مقابل دعم مالي ضخم لإعادة الحياة الى دولة جنوب السودان التي مزقتها الحرب ووضعتها علي متن قارب الفشل، واختلفت الروايات حول حقيقة بث بعض الدول الغربية إيحاءات للخرطوم لقبول عودة جنوب السودان للحكم من القصر الجمهوري بالعاصمة السودانية في قالب جديد يمنح الجنوبيين بعضاً من الخصوصية ويحيطهم بالحكم العام تحت مظلة الخرطوم، لإعادة جنوب السودان لمحطة السلام بعد خروج قطاره من تلك المحطة الى وادي الضياع، واضاعته كذلك فرصة اقامة دولة للجنوبيين.
فما جاءت به دراسة معهد فورين بوليسى ان فوكس من مطالبة باعادة توحيد دولتى السودان، جاء مغايراً تماماً لاجندات واشنطون التى لعبت سابقاً دور البطولة بامتياز فى تنفيذ مخطط انفصال دولتى السودان. وفى دراسة المنظمة الامريكية حديث عن الخطأ الذى حدث فى تقسيم السودان، ووصف لانقسام السودان بأنه تقسيم قسرى لاراضى ووحدة السودان. واعتبر التقرير ان الحركة الشعبية لتحرير السودان منظمة ارهابية اقليمية سعت لتدمير السودان واقتطاع اراضيه ونجحت فى ذلك. وشدد التقرير على ان أية محاولة لحل ازمة جنوب السودان لا بد ان يكون السودان جزءاً منها.  ودعا التقرير الى استبعاد قيادات دولة الجنوب الحاليين فى اشارة الى الرئيس سلفا كير ميارديت ونائبه السابق رياك مشار، واصفا اياهم بانهم اساءوا ادارة الدولة وحققوا استياء الجميع، هذا الى جانب اقرار المعهد الأمريكى بأن الحرب الاهلية بدولة الجنوب شردت ملايين المدنيين الابرياء مما جعل دولة جنوب السودان تفشل تماماً. كما اتهم التقرير جوبا بتعمد طرد مسؤولى الامم المتحدة من اراضيها خوفاً من ان تصل حالات الانتهاك الى بقية العالم، كما ارجعت دراسات معهد فورين بوليسي اسباب فشل دولة الجنوب الى انها بكل المقاييس لا ينبغى ان تكون دولة مستقلة، وذلك لفشلها فى تكوين وحدة متماسكة لأنها تفتقر إلى جميع مكونات الأمة. هذا وقد وصف التقرير الحركة الشعبية  بالمنظمة الارهابية الاقليمية التى تسعى لتدمير السودان واقتطاع اراضيه ليحكم بواسطة الجيش، وقد نجحت الحركة فى ذلك. وفى ختام التقرير يرى الكاتب انه لا جدوى من جميع ذلك، فالاتفاقيات توقع وتنسى، اما سلفا كير ومشار فإنهما باقيان ويرفضان الاستسلام ويتمسكان بالصراع، واصفا لهما بالدمى التى ترغب فى الهيمنة، مؤكداً أن افضل طريقة لابقاء الجنوب على قيد الحياة هي تخليصه من هذه الدمى العاجزة والاتجاه الى الوحدة مع السودان، معتبراً دولة الجنوب حالة وليست استثناءً.
مردود عكسي
 ويصف المهتم بالدراسات السياسية الجنوبية بولاية الوحدة «مالياه بو امر» الوحدة من جديد بـ «الكذبة» التي يطلقها البعض لاحياء الامل جهة حل ازمة الجنوب. ويرى في حديث عبر الهاتف من نيروبي أن الوضع الآن لا يقبل اعادة الوحدة، لأن فرص تدخل القوات المسلحة السودانية لفرض السلام بين المتنازعين في الجنوب سيكون مردودها عكسياً تماماً، وربما وفق رأيه سيقود لحرب جديدة بين الشماليين والجنوبيين، باعتبار ان آلة الحرب السابقة مازالت تقود الجنوب، وستقوم من جديد بحشد التأييد ضد اي تدخل عسكري من السودان باعتباره اعتداءً على الجنوبيين، ويوافق مالياه على ان الدراسة التي اجراها المعهد الامريكي وخرج بها هي بعيدة عن الواقع الآن مع وجود تطبع في اذهان الجنوبيين بأن الحرب شأن داخلي لا يقبلون التدخل الخارجي فيه، وينوه بأن الدراسة اغفلت كثيراً من الحقائق البعيدة التي لا تمكن من عودة الوحدة، غير ان مالياه وافق على خطأ فصل الجنوب، ووافق ايضاً على انه خطأ تاريخي وضع الجنوبيين في مكان صعب، ووافق كذلك في سؤال طرحته عليه الصحيفة بشأن رأيه الشخصي حول الوحدة او البقاء هكذا، مجيباً بقوله: لا وحدة ستعيدنا الى ما كنا عليه، لذلك افضل ان تكون لنا دولة.
بعيداً عن الواقع
القيادي بالحركة الشعبية والأمين العام للحزب باقان اموم، لم يرحب في كثير من المرات بالحديث عن عودة الوحدة بين السودان وجنوب السودان، ورغم اقراره بفشل اقامة دولة الجنوبيين والقائه اللوم على سلفا كير ومشار بشأن وقوع الحرب وافشال الدولة، الا انه لم يبد صراحة رأياً قوياً حول الوحدة، وهذا ما يعتبره الدبلوماسي الجنوبي السابق د. أكوك رأياً واضحاً تجاه تلك الدعاوى بشأن اعادة الوحدة، وان قيادات دولة جنوب السودان من الحركة الشعبية لم ولن تغير رأيها بقبول ذلك الأمر، ويرى ان الدراسة الامريكية لا تمثل واقعاً يمكن تحقيقه الآن، ويعترف في الوقت نفسه بتفضيله بقاء دولة جنوب السودان بدلاً من الوحدة من جديد.
بتر الأعضاء
 ومن جهة اخرى استبعدت آراء متعددة للقيادى بالوطنى مطرف صديق، امكانية عودة الوحدة بين دولتى السودان وجنوب السودان، مؤكداً أن اخماد النيران الآن لم يحدث الا بعد توقيع اتفاقية نيفاشا وانفصال الجنوب، كما أن رئيس منبر السلام العادل الباشمهندس الطيب مصطفى طالما كرس جهداً واسعاً فى الحث على انفصال الجنوب، واصفاً دولة جنوب السودان بالعضو الفاسد، وأن البتر احياناً يكون علاجاً ناجحاً لتخليص باقى الجسم من أوجاعه وآلامه، كما أن المرحلة التى تلت مرحلة انفصال الدولة هى مرحلة نقاهة واستشفاء بعد الجراحة من أجل اعادة الدماء الى شرايين الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق