الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

تعثر مفاوضات الجنوب..التلويح بعصا العقوبات!

منى النور-
يبدو أن صبر الولايات المتحدة الأمريكية أوشك على النفاد بعد استمرار فرقاء دولة جنوب السودان في مسلسل تعثر المفاوضات لأكثر من عام ونصف، حيث وصلت جولات التفاوض الى ثمانية جولات كتب لمعظمها أن لم يكن لجلها الفشل وكان المبعوث الأمريكي إلى جنوب السودان دونالد بوث، قد حذر أطراف النزاع في جنوب السودان من نفاد صبر بلاده بسبب فشلهم في التوصل إلى اتفاق سلام. وقال إن المحادثات بين هذه الأطراف تهدف إلى إنهاء أكثر من «20» شهرًا من القتال، وإنه لا يمكن أن تستمر هذه المفاوضات إلى ما لانهاية، في ظل تفاقم النزاع وتعنت الطرفان حيث أسفر النزاع عن مقتل «50» ألف شخص على الأقل، بحسب مجموعة الأزمات الدولية غير الحكومية في ظل عدم توافر أية حصيلة رسمية. وتقدر الأمم المتحدة عدد الأشخاص الذين يعيشون في حالة من البؤس الغذائي في المنطقة بأربعة ملايين شخص. وكانت أطراف الوساطة الدولية بشأن أزمة جنوب السودان بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، دعت طرفي الصراع إلى وقف فوري وشامل للحرب في موعد أقصاه 17 أغسطس الحالي، بينما هدد ممثل الترويكا بفرض عقوبات عليهما إذا لم يلتزما بذلك. وهدد دونالد بوث ممثل الترويكا -لجنة ثلاثية مكونة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والنرويج- بفرض عقوبات على طرفي الصراع بجنوب السودان إذا فشلا في التوصل إلى اتفاق نهائي وشامل. فبات من المؤكد تخييم شبح العقوبات على الدولة الوليدة خاصة بعد التهديدات التي لوَّح بها أوباما في زيارته الأخيرة الى أفريقيا، وتحفظ الرئيس سلفا كير على مسودة وساطة الإيقاد والتي أطلق عليها مسودة الاتفاق النهائي، وكان وسطاء الإيقاد قد وزعوا الوثيقة على طرفي النزاع في جنوب السودان للتوقيع عليها في 17 من أغسطس والتي شملت تقاسم السلطة بينهما خلال الفترة الانتقالية، وأعطت الحكومة نسبة 53 في المائة في الحكومة المركزية، وللمعارضة المسلحة بقيادة رياك مشار نسبة 33 في المائة، فيما نالت مجموعة المعتقلين السابقين والقوى السياسية الأخرى نسبة 14 في المائة، وتم تقسيم الولايات على طرفي النزاع، حيث كان نصيب المعارضة المسلحة 53 في المائة في حكم ولايات أعالي النيل، ونسبة 33 في المائة للحكومة، ونسبة 14 في المائة للمعتقلين السابقين والقوى السياسية الأخرى، بينما منحت الوثيقة الولايات السبع الأخرى شمال وغرب بحر الغزال، واراب، والبحيرات وولايات الاستوائية الثلاث للحكومة، دون مشاركة المعارضة المسلحة، أو أي قوى سياسية أخرى، ولم تتعرض الوثيقة لأية تفاصيل حول تقاسم عائدات النفط. وبحسب مصادر فإن الوفد التابع لمشار تمسك بمطلب طرد القوات الأجنبية من الجنوب قبل التوقيع على الاتفاقية، إضافة إلى تطبيق النظام الفيدرالي إبان فترة الحكومة الانتقالية المتوقع قيامها، وأشار إلى أن المتمردون طالبوا بوجود جيشين وقيادتين مختلفتين على أن يتم الإدماج تدريجياً خلال عامين ونصف، وهو الأمر الذي رفضته جوبا خاصة تقاسم الثروة. وجاء مبرر دولة الجنوب رفض مقترح تقاسم السلطة مع المتمردين بأنه يعرض اتفاق السلام للخطر، باعتبار أن هذه المقترحات أعطت الوساطة سلطة أكبر. ومن المقرر أن يلتئم بالعاصمة الإثيوبية قمة ثلاثية تجمع الرئيس عمر البشير والرئيس الأوغندي يوري موسفيني ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين، لبحث الأوضاع في المنطقة وخاصة الوضع الأمني إضافة الى البحث عن حلول مرضية للأطراف لتجاوز تعثر المفاوضات التي وصلت طريقاً مسدودًا. وتأتي الخطوة قبيل انعقاد قمة الإيقاد المقرر لها الـ 17 من أغسطس الجاري ومن المنتظر أن يتم خلالها التوقيع على اتفاق بين فرقاء دولة الجنوب إذا نجحت مساعي الإيقاد، بمعنى أن أمام الفرقاء في الدولة الوليدة الذين يتصارعون قرابة العام في نزاع دموي، مهلة تنتهي في17 أغسطس للتوصل إلى اتفاق حول تقاسم السلطة داخل حكومة انتقالية وإعادة إحلال السلام في بلدهم. وبحسب مراقبين فإن هناك تشابه بين مسودة الإيقاد واتفاقية نيفاشا الشهيرة التي قادت الى فصل الجنوب عن الشمال، حيث أن اتفاقية نيفاشا لم تكن محل ثقة عند الجنوبيين وإمكانية تنفيذها كما نصت بنودها، مؤكدين أن نجاح تطبيق اتفاقية نيفاشا خلق عند الإيقاد بأن الاتفاقية الوحيدة التي يمكن أن تصمد أثناء التنفيذ هي تلك التي دائماً على هيئة اتفاقية نيفاشا للسلام. مشيرين الى أن تخوف الأطراف نابع من رؤيتهم لعواقب اتفاقية نيفاشا في مسودة وساطة إيقاد للسلام في إشارة الى وجود جيشين وطريقة تقسيم السلطة بيد أن مشار يرى بأن التجربة الوحيدة الناجحة هي التي تكون على شاكلة اتفاقية نيفاشا وهو الأمر الذي يفسر إصراره منذ بداية هذه المفاوضات في السير على درب نيفاشا 2005م. ويري د.الفاتح محجوب المحلل السياسي في حديثه لـ«الإنتباهة»، أن سلفا وحكومته يعتقدون أن الاتفاق يمكن أن يكون محل خلاف لتفاصيل فنية أهمها صلاحية الرئيس ونائبه، وهل يكونا نائبان أم نائب واحد، مؤكداً أن الحرب الأهلية التي دارت في جنوب السودان استطاع سلفا من خلالها تكوين حلف قوي واسع يضم معظم قبائل الجنوب، مشيراً الى أن انشقاق المعارضة على نفسها في الوقت الراهن يجعل من الوصول الى سلام من الأمور المستحيلة، إضافة الى أن إخلاء جوبا من الجيوش مع بقاء حرس بعدد محدد لسلفا يراه سلفا غير كافٍ كما أن بقاء جوبا خالية من الجيش أمر غير سليم، مؤكداً وجود عدد من النقاط التي تجعل الوصول الى سلام من المستحيلات كون أن الصراع أخذ منحى عرقي في ظل قتل الدينكا للنوير والعكس، وسعت كل القبائل الى الثار، وقال الفاتح في حال عدم حدوث تسوية فعلية وقيام حكم أشبه بالكنفدرالي في ولايات أعالي النيل يصبح من الصعب الوصول الى سلام حقيقي، ولكنه عاد وقال إن الحكم الكنفدرالي عملياً مستحيل، ولكن نظرياً يمكن تطبيقه لأسباب تتعلق بالظروف الاقتصادية لدولة الجنوب والتي يقوم اقتصادها على البترول  والذي يوجد في مناطق أعالي النيل، إضافة الى وجود بعض الجيوش في مناطق شمال أعالي النيل وفي مناطق أخرى من بور، وتوقع الفاتح استمرار الدولة الوليدة في حرب أهلية طويلة الأمد لغياب أسس السلام على الأرض وسيادة روح الانتقام بين القبائل، مؤكداً أن 17 أغسطس توقيت يستحيل فيه الوصول الى اتفاق حقيقي، ورجح الفاتح إمكانية إعطاء الأطراف فرصة للوصول الى اتفاق لعدم توفر وسائل ضغط لديها ووجود جماعات ضغط لصالح جوبا في البيت الأبيض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق