الاثنين، 10 أغسطس 2015

تجنيد الأطفال !! التمـرد في مواجهـة المجتمع الدولي

تقرير: خالـد النـور
ليس من باب المصادفة أن يدرج السودان ضمن الدول التي يتم فيها تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة في النزاعات المسلحة، الأمر الذي اعتبره التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الامريكية الاثنين الماضي نوعاً من عمليات الاتجار بالبشر، ووضع التقرير السودان من بين عدة دول يتم فيه استخدام الأطفال كجنود في الصراعات المسلحة.ورغم أن التقرير لم يشر الى الجهة التي تقوم بهذا التجنيد المخالف للمواثيق الدولية والدساتير المحلية، إلا أن المتابع لمسيرة الحركات المسلحة بالسودان يدرك أن تجنيد الأطفال ظل نهجاً مستمراً واستراتيجية مدروسة للحركات المتمردة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق، دون مراعاة للقوانين الدولية التي تحظر تجنيد القُصر واستيعابهم في صفوف القتال، وسجلت وقائع الأحداث في دارفور والمنطقتين منذ اندلاع التمرد تنفيذ الحركات المسلحة لحملات واسعة لتجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة وزجهم في المعسكرات داخل وخارج السودان وتدريبهم على كافة فنون القتال.ويرى مراقبون أن اختيار الحركات المسلحة لجنودها يعتمد على القبلية والجهوية دون النظر الى القوانين والاعراف الدولية ومواصفات الجندي بجانب أن تلك الحركات فقدت الكثير من جنودها سواء أكان ذلك بسبب الحرب مع الحكومة أو لجوء بعض الحركات الى السلام كخيار بجانب الانشقاقات التي ضربت صفوف الحركات المسلحة.
حملة منظمة
برز ملف التجنيد القسري للأطفال إلى واجهة الاهتمام داخل الحركات المسلحة بعد أن فقدت الكثير من الجنود في حربها ضد الحكومة وكذلك انضمام العديد من قادة ومقاتلي تلك الحركات الى جانب الحكومة بعد عدة اتفاقيات سلام أفضت الى تركهم السلاح.
الخبير الإستراتيجي دكتور احمد شنب قال إن اهتمام الحركات المسلحة بهذه الشريحة يأتي لمحاولتها بناء جيش من جيل جديد بجانب أن تلك الحركات فقدت في حربها مع الحكومة، لكنه قال في حديثه لـ(smc) أن كافة المواثيق الدولية تحظر تجنيد الأطفال، موضحاً أن الحركات المسلحة لا تلتزم بأن يكون المقاتلون داخل صفوفها فوق سن الثامنة عشرة وفقاً للمواثيق التي تحظر تجنيد الأطفال.
وكانت حركة العدل والمساواة بقيادة دبجو المنضوية تحت السلام قد حذرت من تنامي عمليات تجنيد وسط الأطفال والرعاة من قبل الحركات غير الموقعة في ولاية شمال دارفور، وأبدت تخوفها من انتشار حالات تجنيد القُصَّر، وطالبت الحركات المسلحة بشمال دارفور بضرورة إيقاف التجنيد للأطفال.
الحركات على الخط
برعت حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل ابراهيم في تجنيد الاطفال في كافة مراحلها العسكرية وظهر ذلك جلياً من خلال المعارك التي خاضتها الحركة مع القوات المسلحة وتبين أن غالب العناصر التي تستخدمها الحركة كانت من الأطفال اليافعين الذين لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشر، ووقع المئات منهم في يد السلطات السودانية ليكونوا شهوداً على انعدام الضمير السياسي والخلق العسكري القويم. وأصبحت حركة العدل والمساواة من الفصائل المستغلة للأطفال في الحرب حيث تستغل بحسب تقارير نسبة مالا يقل عن 55% من جنودها من الأطفال.
في الجانب الآخر نشطت حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور في تنفيذها لعمليات تجنيد قسري لعدد من الأطفال في المنطقة الشمالية لجبل مرة، وذلك للاعتماد عليهم في تنفيذ مخططاتها العسكرية خلال المرحلة القادمة، لكن اللافت أن هذه الحركة ظلت في الآونة الأخيرة تعمل على تجنيد الفتيات المختطفات من قبل الحركة بمناطق «فرنجلو، وقولوا، وبترونج، ونام، وترف تاورا»، الواقعة جنوب وغرب جبل مرة.
تجنيد قسري
كثفت الحركات المتمردة بجنوب كردفان من عمليات التجنيد القسري للأطفال وأكدت إدارات أهلية بالمناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين عن ازدياد تلك العمليات في الاشهر الاخيرة، وأبانت أن عمليات تجنيد الاطفال كانت قد بدأت في التوسع بعد أن اصدرت قيادة الحركات تعليمات للقيادة بتنفيذ حملات تجنيد واسعة لا تستثنى حتى الأطفال.
ويبدو أن عمليات التجنيد القسري للأطفال التي قامت بها الحركات ظلت مستمرة وخاصة بمحليتي هيبان والبرام بجنوب كردفان، وقد جاءت بالتزامن مع انطلاق المفاوضات الأخيرة بين الحكومة والحركة الشعبية بأديس أبابا حول قضايا المنطقتين. وقال معتمد محلية هيبان السابق ياسر كباشي إن الحركة الشعبية (قطاع الشمال) قامت بعمليات تجنيد وسط الأطفال بهدف توسيع العمليات العسكرية لتقوية موقفها التفاوضي، وأبان أن عمليات التجنيد أصبحت إلزامية تجاه الأسر الموجودة في مناطق التمرد، بجانب تهديد الأسر التي تمتنع عن الدفع بأطفالها للمعسكرات، وأضاف إن قطاع الشمال ظل يدفع بأعداد كبيرة من الأطفال إلى معسكرات التجنيد بعد فقدانه لعدد من الجنود في الميدان بعد هروبهم.
عمليات اختطاف
بالمقابل اتهمت «مجموعة التغيير» المنشقة عن الحركة الشعبية قطاع الشمال، الجبهة الثورية والحركات المسلحة بتنفيذ عمليات اختطاف ممنهجة وسط الاطفال القصر بمعسكر (ايدا) بولاية الوحدة بدولة الجنوب للمشاركة قسراً في العمليات العسكرية التي يقودها التمرد. وقال الناطق الرسمي ومسؤول الاعلام بالمجموعة اسماعيل زكريا لـ(smc) إن الحركات المسلحة ظلت تقوم بتقديم اغراءات مالية للاطفال دون سن «الخامسة عشر» لأجل الحاقهم بالعمليات العسكرية، ويضيف أن هناك أطفالاً لم يتجاوز عمرهم الثالثة عشر والخامسة عشر يتم اختطافهم من مناطق سروم وقولو وأرسين وطرة وصنقة، ويودعوا بمعسكرات للتجنيد القسري أنشأتها الحركات بجانب اعتقال عدد من أهالي الأطفال داخل سجون الحركة بمنطقة كراكر لاعتراضهم على تجنيد أطفالهم.
ويذهب في ذات الاتجاه مدير ادارة التخطيط بالمجموعة هاشم صبيا جميز  قائلاً إن معسكر (ايدا) أصبح مخالفاً للقوانين الدولية باعتباره يضم أطفالاً يتم اقتيادهم لمعسكرات التجنيد بعد تهديد ذويهم بالتصفية حال الممانعة محذراً من مغبة تجنيد الأطفال بالمعسكر الذي يقع في منطقة حدودية مع دولة جنوب السودان.
سجل غامض
تقارير دولية كشفت مؤخراً عن قيام الجبهة الثورية باختطاف وتجنيد مئات الأطفال القصّر تحت ستار الدراسة والرعاية لينتهي بهم المطاف في معسكرات تجنيد قسري بولاية الوحدة. وقالت إنه تم ترحيل «175» طفلاً من مناطق الكواليب بالجبال الشرقية إلى منطقة فاريانق بولاية الوحدة في دولة جنوب السودان.
أشارت ذات التقارير إلى ترحيل «350» طفلاً من مناطق هيبان والمورو من الجبال الجنوبية إلى فاريانق بولاية الوحدة وترحيل «75» طفلاً من ريفي سلارا إلى فارياناق و«300» طفل من ريفي بُرام وأم دورين إلى فاريانق، وبلغ عدد المرحّلين «900» طفل، إضَافَةً إلى الذين تم ترحيلهم بصورة فردية إلى فاريانق وفاق عددهم وفقاً للوثائق «1000» طفل بمعسكرات الجبهة الثورية في دولة جنوب السودان الآن، وكانت الحجة التي استخدمتها الجبهة الثورية هي أنه سيتم إرسالهم للدراسة، ولكن ثبت أنه تم الزج بهم في المعسكرات للتدريب العسكري والعمليات الحربية.
مواجهة مرتقبة
لعل تاريخ الحركات المسلحة واستمرارها في تجنيد الأطفال بمعسكرات التمرد معلوم لدى المنظمات الطوعية الأجنبية العاملة في الحقل الانساني بجانب أن هذه المنظمات لديها (سجل شامل) بأعداد هؤلاء الأطفال والمناطق التي جرى إحضارهم منها، لكنها لم تحرك ساكناً، بل لم تسجل في تقاريرها الانتهاكات التي تحدث للقوانين الدولية من خلال تجنيد الأطفال.
ويظل ملف تجنيد الأطفال من قبل الحركات المسلحة مفتوحاً على مصراعيه من خلال التقارير والوقائع على الارض، الأمر الذي يجعل الحركات المسلحة تسلك طريقاً تحفه المخاطر بمواجهتها للمجتمع الدولي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق