السبت، 5 ديسمبر 2015

نتائج مهمة حققها الحوار الوطني

حقق مشروع الحوار الوطني الجاري حالياً بقاعة الصداقة بالعاصمة السودانية الخرطوم والذي يدخل شهره الثالث بعد أيام قلائل، حقق حتى الآن وقبل أن تظهر نتائجه ومخرجاته النهائية عدة مكاسب إستراتيجية بالغة الأهمية بحيث يمكن القول إن هذه المكاسب وحدها وبمعزل علن النتيجة النهائية كافية لإصلاح الساحة السياسية السودانية في المستقبل القريب والبعيد على حد سواء. فما هي إذن هذه المكاسب الإستراتيجية التي حققها مشروع الحوار الوطني وهو لم لم ينقض بعد؟
أولاً، أنشأ جسراً قويا جداً لعنصر الثقة الذي ظل مفقوداً منذ سنوات بين الفرقاء السودانيين، فقد مرت الآن حوالي 8 أسابيع ونيف والمجموعات السياسية المختلفة تطرح أوراقها ومقترحاتها دون أن تنغلق فيما بينهم طاقة الاحتمال. عنصر الثقة هذا وحده، وإمكانية التحاور بين الجميع دون أية مشاكل أو عقبات وهو العنصر المفقود الذي في جانب منه قاد إلى رفع السلاح في وقت من الأوقات، وهذا يعني ابتداءاً أن المستقبل لن يشهد اندلاع أعمال عنف بين الفرقاء لأنهم أدركوا من خلال هذا الحوار أن من السهل أن يتحاوروا وأن بالإمكان تحقيق الكثير من المطالب والأهداف عبر الحوار.
ثانياً، الأفكار والأوراق التي حركت حتى الآن -علمية كانت أن غير علمية- أوضحت بجلاء أن مساحة التلاقي بين كل الفرقاء السودانيين مساحة ضيقة للغاية فالكل متفقون على وحدة السودان وعلى حق الأغلبية في طرح رؤاها مع احترام رأي الأقلية، لم يشذ في فعاليات الحوار الوطني رأي يمكن وصفه بأنه شاذ، حتى ولو بدا أن هناك رأي نشاز فإن طريقة التحاور النقاش سرعان ما تفضي إلى مناخ جيد.
ثالثاً، إن المطلوب هو أن يفهم الفرقاء -قدر الإمكان- أفكار بعضهم باحترام تام وتقدير وهذا ما حدث فعلاً ، ففي حقب سابقة كان هناك شد و جذب و عدم احترام للرأي، هذه حقيقة و كان مردها إلى أن الكل معتد برأيه وموقفه، الآن بدا واضحاً أن لدى الأطراف الحاكمة آراء  تجد قبولاً لدى الأطراف المعارضة. وأن لدى الأطراف المعارضة -بالمقابل- آراء تجد قبولاً لدى الأطراف الحاكمة.
رابعاً، اتضح  أيضاً أن الوطن -كوطن وشعب- حاق به ظلم كبير جراء حالة الشد والجذب بين المتصارعين، فقد تبين للكثيرين ممن شاركوا في الحوار وخاصة أولئك الذين كانوا في الخارج أو في ميادين القتال، أن الوطن قد تأخر كثيراً بسبب هذا التشاكس غير المبرر، وأن المواطن بدوره لحق به ظلم فادح في عيشته أو تعليمه أو صحته، لأن الصرف على الحرب وتأمين البلاد -جراء الحرب- تكون له الأولوية.
خامساً، اتضح كذلك أن إمكانية التحاور وإسماع كل طرف لوجهة نظره للآخر عملية سهلة و ممكنة لا تحتاج إلى وسطاء. لقد كانت من ابرز نتائج هذا المشروع الوطني إنتفاء الحاجة نهائياً لوسطاء وضامنين، فالتقاليد السودانية الراسخة هي وحدها القادرة على حلحلة مشاكل السودان وان السودانيين -بطبيعتهم- أهل تسوية و صلح ومعالجة للأزمات.
سادساً، إن الديمقراطية المرتجاة بالنظر إلى ظروف السودان لست بالضرورة هي الديمقراطية المستمدة من الدول الكبرى الغربية، إذ بالإمكان ابتداع أسلوب ديمقراطي لا تنقصه الحرية و يراعي بعين الاعتبار ظروف السودان وثقافة أهله وطبيعة نسيجه الاجتماعي، وتنوعه، وهي أمور من المنتظر أن تتطور في المستقبل إلى نهج ديمقراطي متفرد خاص بالسودان.
سابعاً، إن الحكم وحده والوصول إلى السلطة لا يجب أن يكون الهدف للقوى السياسية السودانية. هنالك إمكانية للقيام بأدوار وطنية مؤثرة مفيدة للبلاد دون أن يكون من هو وراءها مسئولاً في السلطة . هذه النقطة على وجه الخصوص يمكن اعتبارها مفتاح الاستقرار في البلاد، إذ أن قضية السلطة والوصول إليها ومن ثم انقسام الكل لفريقين، فريق يحكم وآخر يقاتل من أجل الحكم، لم تعد هي القضية الرئيسية، فالكل حاكم طالما انه يقدم أشياء مفيدة لبلاده.
وهكذا، فإن بالإمكان أن القول إن قضية الحوار الوطني في جوهرها، وكما كان مأمولاً منها، لامست وبعمق القضايا الأساسية لكيفية بناء الدولة السودانية وربما كانت هي المرة الأولى التي يجري فيها حوار على مستوى كافة النخب للوصول إلى كلمة سواء لصالح المصالح الوطنية العليا للسودان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق