الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

«سد النهضة»..مخاوف مصرية..تحد إثيوبي..حياد سوداني

فتحية موسى السيد-
ألقى مشروع «سد النهضة» الذي تشرع إثيوبيا في بنائه على حصتها من نهر النيل، الضوء مجدداً على مشكلة الأمن المائي التي تواجه الوطن العربي، وأثارت الخطوة الإثيوبية المفاجئة بتغيير مجرى النيل الأزرق أحد أهم روافد نهر النيل موجات من الجدل والغضب والسخط الشعبي في مصر التي تصاعدت مخاوفها من مخاطر سد النهضة على مصالح مصر والسودان المائية الذي يمثل أخطر ملفات الأمن القومي المصري، وعلى الأمن المائي العربي يأتي القلق الشعبي المصري والعربي بعد أن كشف أخطر تقرير حكومى عن سد النهضة الإثيوبى أنه فى حالة «الملء والتشغيل» للسد ستتم زيادة الانخفاض فى توليد الكهرباء من السد العالى ليصل إلى «4500» غيغاوات أي بنقص قدره 37%، مع حدوث عجز كلى فى توليد الطاقة الكهربائية ليصل إلى «41» عاماً من اجمالي الـ «100» عام التي شملتها فترة الدراسة، وأكد التقرير الذى أعدته لجنة شكلتها الحكومة المصرية من «20» خبيراً ومسؤولاً من وزارات الري والكهرباء والبيئة وأساتذة الجامعات، أن هناك خطورة من إنشاء سد النهضة على الأمن المائى لمصر، لأنه سيحدث عجزاً مائياً فى إيرادات النهر أمام السد العالى تصل إلى «44.7» مليار متر مكعب خلال «4» سنوات.
تأجيل أم فشل؟
تفجرت الأوضاع داخل الاجتماع السداسي حول سد النهضة بالخرطوم للدول الثلاث «السودان، مصر وإثيوبيا»، وفيما فشلت المفاوضات بين وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث في الخروج باتفاق تم رفع المفاوضات حتى «27» من الشهر الجاري بغرض اجراء الوفود مشاورات داخلية مع حكوماتها، وأكد وزير الخارجية البروفيسور ابراهيم غندور في البيان الختامي للاجتماعات أن الأطراف ستستأنف اجتماعاتها بالخرطوم مجدداً يومي «27» و «28» من دسيمبر الجاري، لمناقشة ذات الأجندة على مستوى وزراء الخارجية والمياه والفرق الفنية للدول الثلاث.
وفي ذات السياق اكد وزير الموارد المائية والرى والكهرباء معتز موسى في تصريحات صحفية أن الاجتماع ناقش الاجندة المطروحة، وتوقع ان تشهد الجولة المقلبة خطوات ايجابية. وفي ذات الاتجاه نقلت مصادر لـ «الإنتباهة» مطالبة الجانب المصري بوقف عملية التشييد للسد فوراً وتكوين ادارة مشتركة للتحكم في مناسيب النيل، الأمر الذي رفضه الجانب الإثيوبي واعتبره مساساً بالسيادة الإثيوبية، وذات المصدر اشار الى محاولة الجانب المصري ممارسة ضغوط لادخال وسطاء خليجيين في المفاوضات، لافتاً إلى قيام المصريين بإجراء اجتماعات مكثفة منفصلة مع الجانب السوداني، بجانب تقدمهم بطلب اجتماع مع عدد من الجهات، ودعوا الى العودة لاتفاق المبادئ الموقع في مارس الماضي، مشيراً إلى أن الاجتماعات لم تخرج بنتائج ايجابية وفشلت في اقناع الجانب الإثيوبي بإبطاء عملية التشييد.
مماطلة وتعمد
وجدير بالاشارة أن إثيوبيا اجلت هذا الاجتماع لمناقشة أزمة سد النهضة، والذي كان مقررًا عقده الأحد الماضي بعد أن طلب وزير خارجية إثيوبيا من نظيره المصري سامح شكري تأجيل المباحثات لوقت سابق بسبب انشغاله بتكاليف من رئيس الوزراء الإثيوبي، وكان من المنتظر عقد الاجتماع في العاصمة الخرطوم بحضور المكتبين الاستشاريين الفرنسي «بي. أر. أل» والهولندي «دلتارس» بهدف تقريب وجهات النظر بينهما في ما يتعلق بآليات تنفيذ الدراسات المطلوبة، وأكد المحلل السياسي الطيب زين العابدين لـ «الإنتباهة» ان مصر صعدت ملف سد النهضة إلى المستوى السياسي لتشمل المباحثات وزراء الخارجية في كل من مصر وإثيوبيا والسودان، بعد أن فشلت المباحثات الفنية التي يقودها وزير الري د. حسام مغازي على مدار أكثر من سنة ونصف السنة، وبعيداً عن الأسباب التي أعلن عنها وزير الخارجية الإثيوبي فالخبراء المصريون يجمعون على أن إثيوبيا تتعمد تأجيل المباحثات حتى الانتهاء من بناء سد النهضة لتكون مصر أمام الأمر الواقع، ولا تشركها إثيوبيا في أية من النواحي الفنية لإدارة السد. وكانت أديس أبابا قد وضعت مصر سابقاً أمام الأمر الواقع حين شرعت في بناء السد فعلياً قبل «4» سنوات مستغلة الأحداث السياسية التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير، وقال د. أحمد الشناوي خبير السدود العالمي إنه لا بد من تدويل القضية، منتقداً الموقف المصري المتخاذل الذي يستجيب للرغبات الإثيوبية في تأجيل المباحثات الفنية، مضيفاً أن هناك أسباباً عديدة تدفع إثيوبيا لتأجيل المباحثات أهمها أن مصلحتها مع عدم إكمال المباحثات خصوصاً تلك المتعلقة بالجوانب الفنية، والأمر الآخر هو ضم إثيوبيا للسودان في موقفها، وبالتالي سحبت البساط من تحت أرجل المفاوض المصري. وطالب الشناوي بالتدويل فوراً دون إكمال المباحثات، ملقياً الضوء على خطورة إكمال تلك المفاوضات، واصفاً إياها بـالسيئة وتضر الموقف المصري، وقال إن التدويل هو السبيل الوحيد لحصول مصر على حقوقها أو جزء من حقوقها «إذا صح التعبير».
تدويل الأزمة
 ويرى زين العابدين ان المنحنى الذي تسير فيه المحادثات الرسمية لا يبشر، لأن الجانب المصري يصر على ضرورة الاحتكام إلى القضاء الدولي لفصل النزاع في هذه القضية بدلاً من تضييع الوقت، سيما ان إثيوبيا تستثمر هذا الوقت جيداً، مؤكداً أن من حق مصر اللجوء إلى القانون الدولي طالما أن ذلك سيكون في مصلحتها، وعن الاتفاقية الموقعة بين الجانبين أخيراً «اتفاقية المبادئ» خاصة أن إثيوبيا تتلاعب بها كما تتلاعب بالقضية برمتها، فلا هي التزمت ببنودها ولا هي أشركت مصر معها في عملية إدارة السد، بل تسعى جاهدة لتقويض المفاوض المصري المفوض دون أي تدخل، وذلك بهدف الانتهاء السريع من إنشاء السد الذي طالب الجانب المصري بوقف تشييده حتى تكتمل المشاورات الفنية، لجهة ان اجتماعات الجولات الماضية لمفاوضات سد النهضة الإثيوبي عقدت بالقاهرة، وسلمت مصر الجانب الإثيوبي قائمة بملاحظاتها على السد بشكل رسمي تتمثل فى تسارع بناء السد مقابل تباطؤ المفاوضات.
استراتيجية إثيوبية
السؤال الأهم للشعب المصرى هو: هل ما حققه وزير الرى فى الاجتماع الأخير كافٍ لحل مشكلة سد النهضة؟ والإجابة قطعاً لا، ولكنها تساعد فى الحل إذا تم تحرك مصرى سياسى موازٍ وبرؤية واضحة، وهذا ما اشار إليه الخبير بوزارة الري الأسبق د. احمد مكي الركابي لـ «الإنتباهة» بأنه يجب أن يكون واضحاً للمصريين أن إثيوبيا لا تخشى أن تثبت الدراسات أن سد النهضة له آثار سلبية على مصر وحصتها المائية، بل إنها تعلم ذلك يقيناً، وإثيوبيا كما ذكرنا آنفاً لا تعترف بحصة مصر المائية ولا بالسد العالى ولا باتفاقية 1959م، ولذلك فإن ردها المعروف مقدماً هو أن أى نقص ناتج عن سد النهضة فى حصة مصر المائية هو حق إثيوبى أصيل فى مياه النيل، وهى الدولة التى يأتى منها معظم إيراد النهر لمصر. وما يهم إثيوبيا هو إهدار أطول فترة ممكنة من الوقت قبل انتهاء هذه الدراسات حتى تكون قد انتهت من أغلب منشآت السد، أو على الأقل الانتهاء من المرحلة الأولى من السد وبدء توليد الكهرباء الذى غالباً ما سيكون مع فيضان العام المقبل، وبعد الانتهاء من الدراسات ستظهر الضغوط الخارجية والداخلية لقبول الأمر الواقع والتفاوض فقط حول سنوات التخزين، مع حوافز إثيوبية بسعر مخفض للكهرباء مثل ما فعلت مع السودان مسبقاً فى كهرباء سد تكيزى، وأشار د. الركابي إلى أن إثيوبيا تعلم كيف تتعامل مع هذه الأزمة مثلما تعاملت مع السد العالى، فلن تستسلم إثيوبيا أبداً، ومسألة تشييد السد إثيوبيا ماضية فيها دون اكتراث او تخوف من اي اجراء، لذلك نرى ان جولة المفاوضات التى تلتئم هي تحصيل حاصل، فما الفائدة اذن منها والسد قائم وتجري عميلة التشييد على قدم وساق كما أسلفت.
تأثير السد
اشارة الى ما تقدم بأن التأثير للسد على دول المصب واضح، خاصة أن مصر تخشى من انخفاض مؤقت في توافر المياه نظراً لفترة ملء الخزان وانخفاض دائم بسبب التبخر من خزان المياه، إذ يبلغ حجم الخزان حوالى ما يعادل التدفق السنوي لنهر النيل على الحدود السودانية المصرية «65.5 مليار متر مكعب»، ويرى الركابي أنه من المرجح أن تنتشر هذه الخسارة إلى دول المصب على مدى عدة سنوات، وقد ورد أنه بخلال ملء الخزان يمكن أن يُفقد من «11» إلى «19» مليار متر مكعب من المياه سنوياً، مما سيتسبب في خسارة مليوني مزارع دخلهم خلال فترة ملء الخزان، وأيضاً سيؤثر على امدادات الكهرباء في مصر بنسبة 25% إلى 40 %، في حين يجري بناء السد حالياً دون اكتراث. وحسابات الطاقة الكهرومائية في الواقع أقل من «12» في المئة من إجمالي إنتاج الكهرباء في مصر في عام 2010م وسيحدث انخفاض مؤقت في إنتاج الطاقة الكهرومائية، وسُيترجم إلى انخفاض مؤقت في إنتاج الكهرباء الإجمالي المصري لما هو أقل من 3%. وسد النهضة الإثيوبي الكبير يمكن أن يؤدي أيضاً إلى خفض دائم في منسوب المياه في بحيرة ناصر إذا تم تخزين الفيضانات بدلاً من ذلك في إثيوبيا، ويسبب انخفاض مستوى المياه بالسد بمقدار «3» أمتار، والسد سيحتفظ بالطمي، ولذلك فإنه ستتم زيادة فترة الحياة والاستفادة من السدود في السودان مثل سد الروصيرص وسد سنار وسد مروي والسد العالي في أسوان بمصر، كما أن الآثار المفيدة والضارة للسيطرة على الفيضانات ستؤثر على الجزء السوداني من النيل الأزرق تماماً، كما ستؤثر على الجزء الإثيوبي من النيل الأزرق لمصب السد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق