الاثنين، 21 ديسمبر 2015

الخرطوم تحت وطأة الوجود الجنوبي

هنادي عبد اللطيف-
بعد أن صوتوا بنسبة تجاوزت الـ97% لصالح الانفصال، وبعد أشهر عديدة من الانفصال، توجهت أعداد كبيرة من مواطني جنوب السودان نحو وطنهم الجديد آملين في وضع آمن وطريقة حياة جيدة في وطنهم، لكن يبدو أن آمالهم التي ارتبطت بالانفصال لم تتحق لكثير من الاسباب سواء لإخفاق الحركة الشعبية في إدارة بلادهم أم الحالة الاقتصادية، فضلاً عن الحروب التي أرهقتهم، ليبقى لديهم خيار واحد، وهو العودة الى السودان حيث الامان. ومنذ اندلاع الحرب بين حكومة سلفا كير ومعارضيه، أصبح الوضع في دولة الجنوب صعباً ولا يمكن استمرار البقاء في دولة أضعف من أن تعيد الأمن والأمان لمواطنيها. توجهت أعداد كبيرة نحو السودان من خلال الحدود بين الولايات المتاخمة لحدود دولة الجنوب سواء النيل الابيض ام سنار. ليزداد التدفق بصورة واضحة. الأمر الذي جعل والي الخرطوم أن يطلق تحذيرات جراء العدد الكبير للجنوبيين الذي وصل الى 500 الف والذي شكل عبئاً كبيراً على الخدمات التي تضطلع الولاية بتقديمها من صحة وتعليم وخدمات، داعياً الحكومة الاتحادية لمشاركة الولاية حمل الاعباء ومعاملة الخرطوم بصورة استثنائية عند تخصيص الاموال في الميزانية. عدد من الولايات تشهد اقبالاً كثيفاً بصورة يومية من توافد لاجئي جنوب السودان لكن على الرغم من اعتراف السلطات بحجم المشكلة، إلا أن بعض الولاة خاصة في الولايات الحدودية يصرون على عدم وجود أية مشكلات امنية او صحية او حتى اجتماعية. هؤلاء الولاة يتبعون سياسة دفن الرؤس في الرمال. فواقع الحال لايتفق مع حديثهم. تساؤلات عديدة طرحناها حول الموقف الرسمي من تدفق مواطني دولة جنوب السودان والذي أصبح في زيادة واضحة، فهل هم الآن مواطنين كبقية السودانيين في التعامل، ام انهم لاجئون؟ وهل درست الحكومة أبعاد كل خطوة في استقبال اللاجئين؟. هذه الأسئلة وغيرها نحاول الإجابة عنها في هذا الملف..
مواثيق وقوانين
الخبير الاقتصادي البروفيسور عصام عبدالوهاب بوب، بدأ بحديثه بأنه مستغرب جداً من مواقف السلطات بشأن تزايد الأعداد الكبيرة من الأجانب خاصة الجنوبيين غير المنتجين في شتى أنحاء السودان، فتزايد أعدادهم في العاصمة الخرطوم كبير جداً ولايوجد اهتمام حقيقي لحصرهم، وهناك جرائم ومهددات أمنية واقتصادية وسياسية واجتماعية، ولكن كل ما تفعله الدولة هو الحديث الكثير وذكر أخبار غير صحيحة، فهي تتحدث عن تجاوز أعداد الجنوبيين الـ «5000» في العاصمة ولكن في تقديري انها تجاوزت الملايين وهذا أمر غريب.اختار الجنوبيون بنسبة 97.9 % الانفصال عن الشمال 2011م وذهب معهم المورد الأساسي للاقتصاد الوطني وهو البترول، وفقد الشمال هذا المورد وذهب الجنوبيون ثم عادوا، فلامانع من وجودهم فالسودان يستقبل ملايين اللاجئين وبحسب بوب الذي يواصل حديثه ومع ذلك نستقبل اللاجئين وبدون حساب وبدون ترتيبات أمنية او وثائقية، وفي حالة اقتصادية وصلت الى حد المجاعة ولا يلتفت المسؤولون واذا التفتوا فإنهم يقومون بكشات لستات الشاي السودانيات! ولكنهم لايهتمون بالوجود الأجنبي، وهذا أمر غريب ويمس حق السيادة الوطنية بصورة واضحة، ولكننا لا نسمع إلا كلمات عجاف لا تسمن ولا تغني من جوع!. وجود الجنوبيين او اي أجانب لا مانع منه ولكن يجب أن يكون بميثاق وقوانين الأمم المتحدة فهم مسؤولية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومن المفترض أن يتم جمعهم في معسكرات معينة للاجئين وتقوم الأمم المتحدة بالصرف عليهم وإعالتهم وتعليمهم وتقديم العناية الصحية لهم وهذه مسؤولية الأمم المتحدة. فالسودان قدم بكل كرم وشجاعة الملجأ لكل الأجانب وليس الجنوبيين فقط، بل هناك أجناس أخرى يشاركون المواطن في رغيف العيش وفي هذه الظروف السيئة. ويمضي بروفيسور بوب في حديثه داعياً رئيس الجمهورية وجهاز الأمن القومي والشرطة والجيش بأنه لابد من وضع خطة حقيقية، وكفانا كلمات معسولة ليس لديها أهمية. فالسودان اليوم يعاني من عوامل كثيرة تدعو الى تشتته نهائياً ومنها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولكن وجود اللاجئين هو أكبر العوامل التي تهدد الاستقرار. ويضيف بوب إنه من ناحية اقتصادية السودان ليس مسؤولاً عنهم ولكن الواقع الآن أصبح مسؤولية السودان يوفر لهم كل ما يحتاجونه ويدفع لهم الأموال ويحولون هذه الأموال بالدولار ويسكنون في المنازل ويدخلون المستشفيات فلا مانع من كل هذا ولكن لابد من وضع ضوابط حتى نرفع هذه الأعباء الاقتصادية عن كاهل المواطن والدولة التي يقدر صرفها للاجئين بثلاث ملايين دولار سنوياً، تستنزف من الاقتصاد السوداني. وهذا تقدير صحيح وربما يكون أكثر من هذا، تصرف على العمالة نفقات تدفعها الحكومة وهي تؤثر على المواطن وهو المتضرر الأول منها.
أزمة في التصنيف
من ناحية أخرى فإن الإشكال يكمن في توصيف الجنوبيين إما لاجئين او كمواطنين سودانيين وهذا الامر ادى الى خلاف بين السلطات وبرنامج الأمم المتحدة في السودان في توصيف الجنوبيين. فقد اشترطت المنظمة وصفهم باللاجئين كي تقدم لهم المساعدات، بينما تتمسك الحكومة على وصفهم بالمواطنين السودانيين،. وبحسب مصادر أممية لموقع «العربي الجديد» فإنّ المنظمة رفضت كل محاولات الحكومة في الخرطوم مساعدتها في دعم الجنوبيين من دون توصيفهم كلاجئين، باعتبار الخطوة هذه محكومة بالقانون الدولي. وأشارت إلى أنه يصعب على المنظمة تقديم دعم من دون أن يدرجوا في السجلات كلاجئين يستحقون الدعم. فيما اقتطعت المساعدات التي قدمت إليهم -على قلّتها- من دعم موجه للسودانيين في مناطق النزاع. في المقابل فقد أكدت مصادر حكومية أنّ عملية دعم الجنوبيين في مناطق الاستقبال أنهكت خزينة الدولة التي تعاني أصلاً من أزمة. ووفقاً لتزايد الوافدين فإنّ حجم المساعدات المطلوبة قدر بما لا يتجاوز 70 مليون دولار، لكنّه يفوق طاقة الحكومة. لذلك وجهت معتمدية اللاجئين السودانيين مذكرة إلى رئيس الجمهورية عمر البشير لإعادة النظر في توصيف الجنوبيين. وبررت الخطوة بتزايد عدد الجنوبيين بما يفوق قدرة الدولة. ومع ذلك، فقد اشترطت في حال توصيفهم كلاجئين أن تؤول إدارة المعسكرات إلى معتمدية اللاجئين السودانيين والجهات الأمنية في البلاد. وهو شرط يرى فيه مراقبون أنّه يراعي تخوفات الحكومة وهواجسها الأمنية واستغلال ملف الجنوبيين ضدها. بعد تفاقم العدد بتلك الكميات الضخمة التي فاقت قدرة الدولة والولايات المضيفة. فالخرطوم وحدها بها نحو 500 ألف لاجئ.
آثار سالبة
رئيس المجلس التشريعى بولاية النيل لابيض اسماعيل نواي اكد لـ«الإنتباهة» أن اعداد اللاجئين الجنوبيين في ازدياد يومياً عبر ولاية النيل الابيض التي استقبلت الآلاف منهم والتي تسببت في آثار صحية سالبة هذه الاعداد حينما اجري لها الفحص الاولى وضح انها تحمل امراض كثيرة. وهذه لها آثار صحية سالبة على المواطن اضافة الى الآثار البيئية وذلك لوجود معسكرات في مواقع فيها غابات التي تضررت جراء القطع الجائر للاشجار ويضيف نواي ان المجتمع المحلي تضرر بآثار اقتصادية وفتح معسكرات لهم تنفيذا لتوجيهات ريئس الجمهورية بالتالي ادت الى آثار اقتصادية وحاجتهم الى ضروريات الحياة لذلك فمجتمع الولاية يدفع ويتضرر جراء هذه الاعداد الكبيرة فالافرازات السالبة اكبر من حجم الولاية. على الرغم من وجود المنظمات طوعية التي توفر الغذاء. لكن الاعداد كبيرة تجاوزت الـ 100 الف. طرحنا القضية على عدد من المواطنين في الشارع العام حول اعداد اللاجيئن الجنوبيين في السودان فانقسمت الآراء، فالبعض يرى أن اللاجئين الجنوبيين كغيرهم من الاجانب لامانع في استقبالهم وفتح معسكرات لإيوائهم لكن اذا كثرت اعدادهم بزيادة متواصلة فهذا مؤكد سيحدث فوضى ومشاكل خاصة اذا ارتكزت على مناطق وولايات محددة. لذلك يجب تنظيم والتحكم في هذه الاعداد الكبيرة. بينما يرى آخرون إن الحكومة تتعامل مع اللاجئين الجنوبيين كمواطنين سودانيين وهذا يضع العبء الأكبر عليها اذ أن الامم المتحدة لا تتعامل وتدعم اللاجئين إلا اذا صنفوا كلاجئين والحديث عن توزيعهم لمعسكرات لبقية الولايات. وعلى اطراف المدن فهذا ليس حلاً جذرياً للازمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق