الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

الخرطــوم مـــع أبــو ظبـــي .. بـــدايــة مســــــار

أحمد طه صديق-
«أيها الشعب السوداني البطل»، هكذا كان مدخل الرائد آنذاك يونس محمود وهو يقدم الحديث السياسي بلغة حماسية راديكالية جلها كانت مصوبة في العلاقات الخارجية أو ما تعتبره الخرطوم آنذاك خصوماً لمشروعها الديني. لكن بعد سنوات من الإسقاطات السلبية التي طرأت على علاقات السودان ببعض الدول العربية والخليجية بشكل خاص على الحياة الاقتصادية والبعد الأمني على الصعيد الداخلي، أدركت الخرطوم أن الدبلوماسية الناجحة لا تعني دوماً رد الصاع صاعين، ولعل هذا التطور البرغماتي تبلور كثيراً في السياسات التي انتهجتها الحكومة قبل سنوات قليلة، فعندما وقعت أحداث الاضطرابات الشعبية في الرابع والعشرين من سبتمبر من عام 2013 بالخرطوم، لم تكن علاقات السودان مع عدد من الدول العربية على ما يرام رغم محاولات الاختراق من قبل الخرطوم أو عبر جهود الوسطاء أو دخول بعض الاستثمارات للبلاد، ففي تلك الظروف أبدت بعض الصحف العربية في المنطقة، تعاطفاً مع تلك الأحداث ونقلت وسائط إعلامية إشارات بضلوع بعض الدول في دعمها لهذه التطورات، بيد أن الخارجية السودانية قالت، إنها ترفض «أية محاولة للإساءة لعلاقتها مع الدول العربية والخليج مهما كانت دوافعها أو منطلقاتها»، مشددة على أن العلاقات مع كل دول الخليج «راسخة وتقوم على ثوابت وأسس متينة قوامها روابط الإخوة والعقيدة والثقافة والرؤى المشتركة والصلات الشعبية العميقة». وأشارت الخارجية، في بيانها آنذاك، إلى أنها رصدت تقارير وتعليقات في الصحف والمواقع الالكترونية السودانية تتناول علاقات السودان بدول الخليج، بطريقة »«تجافي الحقيقة وتضر بهذه العلاقات الأخوية الراسخة»..
كما أدى التطور السلبي لعلاقات السودان بالخليج في الفترة السابقة، إلى إيقافها التعاملات المصرفية من جانب بعض دولها مع الخرطوم، وهو أمر كان مردوده السلبي على الاقتصاد، لكن رغم ذلك لم تعمد الخرطوم إلى انتقاد هذه الخطوة، بل حاولت من التخفيف من آثارها، حتى جاء قرارها بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية بالبلاد، وهي خطوة عملت على دعم علاقاتها مع دول الخليج وربما كانت السعودية بحكم تركيبتها المذهبية الأكثر ارتياحاً بهذا القرار، كذلك نشطت الخرطوم في تحسين علاقاتها مع مصر رغم التداعيات التي أدت إلى الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمون والمحاكمات والإقصاء السياسي لهم، قبل أن تتدهور مؤخراً، ثم كانت خطوتها الأخيرة بالتقارب أو التفاهمات مع الحكومة الإمريكية لبداية التطبيع بين البلدين أو على الأقل الحد من العقوبات الاقتصادية، وهو ما نجحت من تحقيق جزئي له بعد إصدار الحكومة الأمريكية رفع جزئي لمنع التقنيات في مجال البرجميات مع السودان، وهي خطوات لا يمكن فصلها مع قرارات التباعد مع طهران وإدانة السودان لتنظيم داعش والهجمات التي تشنها تيارات إسلامية متشددة في سيناء أدت إلى قتل عدد من الجنود المصريين، كذلك حرص السودان على تأمين بوابته الشرقية لمنع أي تسريب أسلحة إلى تلك الجهات أو غيرها.
انفراج مع الإمارات العربية
ويبدو أن الخرطوم بدأت تحصد ما زرعته تجاه تنمية علاقاتها مع دول الخليج، فأمس الأول توجه الرئيس عمر البشير رئيس الجمهورية على رأس وفد كبير إلى دولة الإمارات العربية تلبية من دعوة تلقاها من ولي العهد محمد بن زايد آل نهيان، ومن المتوقع أن تدعم الزيارة العلاقات بين البلدين وتسارع بدفع التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما، وقضية محاربة الإرهاب والتطرف الديني وبحث اللقاء بين رئيس الجمهورية وبين ولي عهد أبوظبي، القضايا ذات الاهتمام المشترك والتعاون في المجالات الاقتصادية والتنموية والسياسية، كما تناول اللقاء مخرجات التحالف العربي في عملية إعادة الأمل في اليمن الذي تقوده السعودية.
بداية التعاون
ويعتبر السودان من أوائل الدول التي أقامت معها دولة الإمارات العربية المتحدة علاقات دبلوماسية، وكان ذلك في ديسمبر 1971م. وقد قام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله بزيارته الرسمية الأولى للسودان في العشرين من فبراير 1972م بعد حوالى شهرين ونصف من قيام الاتحاد، حيث زار فيها كل ولايات السودان واستقبل استقبالات رسمية وشعبية. كذلك قام الرئيس الراحل جعفر محمد نميري بزيارة لدولة الإمارات كأول رئيس دولة يزور الإمارات. وكان ذلك في الثالث والعشرين من أبريل من العام 1972م أي بعد شهرين من زيارة الشيخ زايد للسودان، وقد رافقه وفد رسمي كبير من الوزراء والمسؤولين.
وبحسب المصادر الإماراتية الدبلوماسية أن العلاقات الاقتصادية بين الإمارات والسودان تطورت باطراد خاصة في السنوات الأخيرة، وانعكس ذلك على حجم التجارة والاستثمار بين البلدين، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري وارتفع حجم الاستثمارات الإماراتية في السودان لتصل إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار وقد أسهم في زيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص الإماراتي في المشاريع الاستثمارية في السودان، والتي شملت مختلف القطاعات الاقتصادية حيث توزعت المشروعات الإماراتية في القطاعات الخدمية والصناعية والزراعية.
كما أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة شريكاً تجارياً مهماً للسودان.
وقدمت دولة الإمارات العديد من المساعدات الاقتصادية للسودان إما في شكل منح أو قروض ميسرة، وذلك إسهاما في مشروعات التنمية التي انتظمت السودان.
كذلك ترتبط دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية السودان بالعديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الاقتصادية والتجارية التي ساهمت في زيادة حجم الاسثمارات والتبادل التجاري بين البلدين إلى مستويات متقدمة ومنها:
ــ اتفاقية إنشاء لجنة وزارية مشتركة.
- اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي والبرتوكول المتعلق بها.
- اتفاقية حماية الاستثمارات بين البلدين.
التاريخ والحاضر
وبحسب موسوعة«ويكبيديا» انضمت الإمارات إلى جامعة الدول العربية في 6 ديسمبر 1971، والأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1971؛ وأنشئ المجلس الاستشاري الاتحادي في يوليو 1971 ليعقد أولى جلساته في 13 ديسمبر سنة 1972، وأعيدت هيكلته تحت اسم المجلس الوطني الاتحادي عام 1975م. ولاحقًا، كانت الإمارات من الدول المؤسسة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمة أبو ظبي يوم 25 مايو 1981م.
في 1973 شاركت الإمارات في حرب 1973 بقوة عسكرية وبقطع النفط عن الدول الداعمة لإسرائيل، في 1975 كما شاركت في قوات الردع العربية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وفي عام 1980 اندلعت حرب الخليج الأولى على خلفية الجزر الثلاث التي تعتبرها إيران جزءًا من أراضيها وتعتبرها الإمارات أراض محتلة، ولم تدخل الإمارات طرفًا عسكريًا في النزاع، بيد أن الإمارات بعد احتلال الرئيس العراقي السابق صدام حسين لدولة الكويت اشتركت من ضمن التحالف الدولي لتحرير هذه الدولة من الغزو العراقي، وفي 2 نوفمبر 2004، توفي مؤسس الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. وتولى ابنه الأكبر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بعد أن تم انتخابه من قبل المجلس الأعلى للاتحاد.
الموقع الجغرافي
تقع الإمارات العربية المتحدة في غرب آسيا على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية، ممتدة بين خطي عرض بين 22 و26.5 درجة شمالاً وخطي طول 51 و56.5 شرق خط غرينتش. يحد دولة الإمارات شمالاً الخليج العربي، وشرقاً خليج عمان وسلطنة عمان، وتحدها جنوباً المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، وغرباً دولة قطر والمملكة العربية السعودية. تبلغ مساحة الإمارات 83.600 كم2، وتشكل إمارة أبوظبي القسم الأكبر من أراضي الدولة إذ تبلغ إجمالي مساحتها 86.77% من المساحة الكلية للإمارات، أما أصغر الإمارات فهي إمارة عجمان وتبلغ مساحتها 285 كم2، فقط.
مخرجات الزيارة
يتوقع كثير من المراقبين أن تحدث زيارة رئيس الجمهورية إلى دولة الإمارات تحولاً كبيراً في العلاقات بين البلدين، خاصة على الصعيد الاقتصادي، وتأمل الإمارات أن تفّعل استثماراتها في السودان بعد توفير الضمانات التي تساعد على استقطاب مستثمريها وتشجيعهم على المضي قدماً في هذا الملف الإقتصادي المهم، سيما وأن الوفد السوداني يضم ممثلين للقطاع الاقتصادي والاستثماري لديهم تصورات محددة للاستثمار والتعاون الاقتصادي مع دولة الإمارات، ومن المتوقع أن تقدم الإمارات قروضاً ميسرة وربما دعما اقتصاديا مباشرا للخرطوم، كما قد تفتح مجال العمالة للسودان في تخصصات محددة وفق شروط أفضل لعلاقات العمل.
تداعيات أخرى
أخيراً، ووفق كل المستجدات في علاقات السودان مع دول الخليج والتطورات المحدودة مع الولايات المتحدة ربما تشير إلى أن الخرطوم ستدخل ضمن منظومة جديدة في العلاقات الدولية، ولعلها سيكون لها تأثير مباشر في عمليات السلام بدارفور إذا ما نجحت الخرطوم في إحداث انفراج آخر يتزامن مع تلك الخطوات على صعيد الحريات ومجال حقوق الإنسان والخروج من عباءة البرغماتية في تعاملها مع أزماتها الداخلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق