الخميس، 31 ديسمبر 2015

رفع العقوبات عن الخرطوم .. أجندة أمريكية على الطاولة!

إنعام عامر-
لم تكن الدعوة التي قدمتها صحيفة الكونغرس (The Hill) مطلع الأسبوع الجاري إلى رفع العقوبات عن الخرطوم غريبة مثلما لم تكن هي الأولى من نوعها، فقد ظلت دوائر أمريكية عديدة تطالب برفع العقوبات التي فرضت منذ قرابة العقدين على البلاد. بيد أن تطورات جارية بخصوص الملف على الساحة السياسية في واشنطن قد تجبر الدوائر المعنية هنالك إلى اتخاذ قرار إيجابي بشأن الملف. فقد ارتفعت أصوات عديدة شككت هذه المرة في أهداف المقاطعة وجدواها... ووصفتها (بالمسيسة) وغير الأخلاقية وطالبت برفعها وإعادة النظر فيها. وصفها كتاب أمريكيون بأنها أصبحت واحدة من أدوات السياسة الخارجية الأكثر استخداماً في الولايات المتحدة وأكدوا أنه من المرجح أن يستمر الجدل حول فعاليتها لبعض الوقت في المستقبل.
بلغة المصالح، ربما على قرار دبلوماسية الصودا (Soda Pop Diplomacy.) العنوان الذي وصفت به صحيفة الواشنطن بوست The Washington Post .
الآن حالة التملل واضحة وسط نخب وجماعات مصالح امريكية جراء تمدد حائط العقوبات على الخرطوم. وفي الغضون، اقرت صحيفة الكونغرس الأمريكي (ذي هيل) إنه حان الوقت لإعادة النظر في العقوبات الأمريكية على السودان مطالبة بإلغاء العقوبات الشاملة التي لا يتضرر منها سوى الأبرياء، وطالبت الصحيفة بتوضيح الأسباب الاستراتيجية والأخلاقية التي تبقي على هذه العقوبات بعدما أكدت الدلائل أنها لم تعد تفي بالمعايير المطلوبة. واستنادا الى الصحيفة فإن الإدارة الأمريكية قد احدثت في الآونة الأخيرة ثغرات في نظام العقوبات عبر استثناءات وهو ما يجعل العقوبات تنتهي بشكل جزئي حال توسع تلك الاستثناءات. بيد ان الدائرة تتسع، فبعد ان شملت اجهزة الاتصالات رفع الحظر عن ما نسبته 55% عن مشاريع الزراعة والبيئة بالبلاد.
لغة المصالح
(حان الوقت لرفع العقوبات الامريكية عن السودان). عبارة رددها الكاتب الامريكي دوغ باندو DOUG BANDO في اغسطس الماضي بعدما نشر مقاله (Time To Remove U.S Sanction on Sudan) بمعهد كاتو الامريكي (CATO INSTITUTE) وهو مؤسسة فكرية مستقلة غير حزبية متخصصة في السياسات العامة وتضم نخبة من العلماء والباحثين تخصصوا في اجراء البحوث حول قضايا الساعة. وتأتي اهمية المقال ايضاً في كونه نشر في معهد جاء على قمة مؤسسات الرأي والفكر الدولية للعام 2014 وهو من المؤسسات المهمة في الاسهام في وضع السياسات العامة في الولايات المتحدة. وبنى الكاتب مقاله المطول على ان لا صالح لامريكا من وراء استمرار تلك العقوبات بقوله على واشنطن رفع العقوبات عن السودان لأنها لم تعد تخدم المصالح الامريكية، مشيراً الى تمدد الصين هنالك على حساب امريكا ومصالحها.
وفي اشارة واضحة من كاتب المقال على ترجيح لغة المصالح يلفت الى ان ما هو اكثر ضرر من آثار العقوبات على امريكا هو بحث السودان عن شريك آخر.
واشار الكاتب الامريكي الذي زار السودان في مقاله الذي نشر بتأريخ اغسطس الماضي الى انه لا توجد أسباب منطقية لاستمرار العقوبات، مبيناً ان الصراع في دارفور قد هدأ وأن القتال في جبال النوبة لا يتعدى حدوده الطبيعية ووصفه بالاضيق لكونه لا يتعدى ان يكون غير عادي بالنسبة للعديد من شعوب العالم الثالث.
انتقاد وشكوك
وأشار المقال الذي نشره الموقع الرسمي لمعهد (كاتو) الى انه لم يعد هنالك سببا واضحا لمعاقبة الخرطوم مشيرا الى ان هنالك العديد من الدول التي تعاني من النزاعات الا ان واشنطن لم تفرض عليها عقوبات مثلما فعلت في السودان، وتساءل لماذا تبقى الادارة الامريكية على تلك العقوبات؟ وشدد الكاتب في مقال له بمجلة فوربس الى ان امريكا لم تجن شيئاً من عقوباتها على السودان وانه حان الوقت لاسقاط واشنطن لحظرها على الخرطوم.
وأشار مقال تحت عنوان: (العقوبات تنجح في بعض الأحيان ولكنها ليست العلاج) لكاتبها الامريكي جاري كلايد في نوفمبر 2014 إلى ان العقوبات الاقتصادية التي تستخدمها الولايات الامريكية عادة في سياستها الخارجية هي ليست وسيلة فعالة وتناول الوضع في ايران وكوريا الشمالية، وأشار المقال الذي حلل نتائج دراسة لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي من تأليف جاري كلايد هوفباور، جيفري جيه سكوت، كيمبرلي آن إليوت وباربرا، تحت عنوان (إعادة النظر في العقوبات الاقتصادية) الى انه ما بين النجاح والفشل تراوحت النتائج عبر سلسلة متصلة من الفشل الزريع، وفي رأي كلايد لا ينبغي النظر الى النجاح من خلال الألم الذي لحق بالبلد المستهدف، في اشارة الى ما خلفته العقوبات من معاناة على كل من كوبا وايران.
وحول ذات الدراسة استعرض الكاتب الامريكي دانيال جورج دريزنر إيجابيات وسلبيات العقوبات الاقتصادية على البلدان، مع التركيز على آثارها الخفية، بما في ذلك الفساد. ولاحظ دريزنر أن العقوبات التجارية تشجع السوق السوداء والجريمة المنظمة.
واقر كمسؤول سابق الى ان هذا يشير إلى أن سمعة العقوبات كأداة للسياسة الخارجية الامريكية اصبحت مرتفعة جدا خلال السنوات الأخيرة.
وتحت عنوان (هل العقوبات الاقتصادية وسيلة فعالة في تغيير سلوك البلدان).. نشرتت بمجلة (اكونوميكس) (ECONOMICS) مقالاً اشارت فيه الى انه كثيرا ما فرضت حكومة الولايات المتحدة عقوبات على البلدان أملاً في أن تؤدي هذه العقوبات إلى اضطرابات سياسية بتلك البلدان المستهدفة وتقود بالتالي الى استبدال انظمتها الحالية بأخرى الا انه من المرجح أن تكون الانظمة الجديدة داعمة للسياسات التي ينادي بها المعارضون للولايات المتحدة والمناهضون للعقوبات الاقتصادية، على الرغم من القول أن العقوبات غالباً ما تجعل من السهل على القيادة السياسية الجديدة إلقاء اللوم على المشاكل الاقتصادية وعلى القيود التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة أو الدول الأخرى). ويلقى باللوم على مشاكل الرعاية الصحية، والفقر، وهكذا، جراء تأثير العقوبات بدلاً من تسليط الضو على المشاكل السياسية والاقتصادية في البلاد.
وحسب مقال (الاكونوميكس) فإن أحد مسببات القلق تجاه العقوبات هو أن الأطفال والفقراء، والمرضى غالباً ما يكونون الضحية الأولى جراء القيود المفروضة على التجارة في البلدان المستهدفة بتلك العقوبات، في حين أن القيادة لا تتأثر إلى حد كبير. وحسب المجلة، قد تخلف عقوبات طويلة الأجل مشاعر سالبة تجاه الولايات المتحدة (وغيرها من البلدان التي تدعم برنامج العقوبات) على جزء من الشعب في البلد المستهدف. وأعرب كاتب المقال عن القلق في ان يؤدي ذلك في كثير من الأحيان إلى التوسع في أنشطة إرهابية موجهة نحو أهداف أمريكية.
بينما يقول أنصار العقوبات ان السماح بالتجارة الحرة تقدم الدعم للحكومات التي تشارك في انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان. ويشير كاتب المقال الى انه حال احدثت العقوبات الاقتصادية تغيير للأفضل أو للأسوأ، فأنها أصبحت واحدة من أدوات السياسة الخارجية الأكثر استخداماً في الولايات المتحدة ومن المرجح أن يستمر الجدل حول فعاليتها لبعض الوقت في المستقبل. حسب (الاكونوميكس).
وانتقد هارون لوكاس، في 9 فبراير 1998 في مقالة على الشبكة العنكبوتية، الاستخدام الواسع النطاق للعقوبات الاقتصادية من قبل الولايات المتحدة، واشار الى إن العقوبات الأحادية الجانب تغير الأنماط التجارية دون الإضرار بشكل خطير على الأمة. ولاحظ لوكاس أن العقوبات أصبحت أداة متزايدة من حيث الأهمية السياسة، مشيرا إلى أن ما بين 1993 و1996 فرضت الولايات المتحدة (63) عقوبة على 35 دولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق