الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

الحوار الوطني: البريق المفقود وحديث الحالمين

حديث الحكومة الانتقالية لم يخبُ وهجه عند بعض المعارضين بحسب ما نراه في المواقع الاسفيرية أو في بعض الكتابات الصحفية ومنتديات الحوار المجتمعي، وكنا نظن ان امرها، أي الحكومة الانتقالية، قد انتهى في مؤخرة ذاكرة الحوار الوطني. السيد/ مساعد الرئيس اطلق تصريحاً صاعقاً حول مقترح الحكومة الانتقالية، واصفاً المطالبين بها بـ «الحالمين»، كان التصريح صادماً حتى حسبه البعض مجرد مزاح!! إلا أن الرجل عاد ليؤكد أن التصريح ليس مزاحاً بل هو الجد كله!! لم لا وأمر الحكومة الانتقالية عند المؤتمر الوطني هي قضية جدّها جدّ وهزلها جدّ أيضاً!!
فمن المعروف أن تحالف أحزاب المعارضة، ومن قبل انطلاق جولة الحوار الأولى في العام الماضي، كان يضع شرطاً أساسياً للدخول في أي حوار، وهو أن يؤدي ذلك الحوار إلى تفكيك نظام الانقاذ وقيام حكومة انتقالية بمهام محددة، ويومها بدا الشرط غريباً حتى على مفهوم الحوار نفسه، لأن قبول شرط كهذا كان يعني حسم كل قضايا الحوار، جملة واحدة، بإزاحته للطرف الآخر المحاور، وبات الحوار المطلوب مجرد «قيدومة»، يتصايح فيها القوم ما شاءوا و «يعرضوا» في انتظار ليلة زفاف السلطة للأحزاب المعارضة.. وكنا يومها نسأل أهل التجمع المعارض: إذا كان تفكيك نظام الانقاذ حتماً مقضياً ومحدداً سلفاً، وأن المؤتمر الوطني سيوافق على ذاك التفكيك، فلم الحوار أصلاً، ولم لا تحمل الإنقاذ عصاها وترحل، وكفى الله السودان شر الحوار ومصروفاته!!
كان الأمر حلماً أو وهماً حقيقياً ليس فيه سمة من سمات السياسة ومبادلاتها ومقايضاتها وتسوياتها وممكناتها.
«3»
ويعود «الحلم»، أي الحكومة الانتقالية، مرة أخرى إلى سطح الحوار، في نسخته المعدلة، بعد أن انتقل من صفة «الشرط» المسبق الى صفة «المقترح» الصاعق، ولا توجد مسافة بين الصفتين ما دام كلتاهما تؤديان إلى ذات النتيجة!! بينما حصافة السياسة ومفهوم الحوار يقتضيان طرح القضايا والرؤى المختلفة على بساط البحث بصورة تبقي كل الأطراف المتحاورة على ذات المائدة، خاصة إذا كانت إزاحة الطرف الآخر مستحيلة بالنظر إلى توازنات القوى والظروف الموضوعية التي تلف الملعب السياسي كله!! وذلك «الشرط» المطروح، وقتذاك، حسم موقف التجمع المعارض باكراً، فأراح واستراح... أما هذا «المقترح» المطروح في جولة الحوار الثانية فهو يثير شهية التساؤل ويفتح ابواب التحليل والتعليل على آخرها:
فهل وصل أحد أطراف الحوار إلى حافة اليأس من أن تفضي مجريات الحوار القائم إلى أية نتائج ايجابية ملموسة فآثر التنصل من مخرجاته عبر الدفع بذلك المقترح، وهو يدرك تماماً أن رفضه هو الممكن الوحيد لدى المؤتمر الوطني.
وهل آثر ذلك الطرف الخروج من الحوار الآن، أو في أي وقت قادم، وهو يرتدي ثوب بطولة زائفة أمام الجماهير عبر طرحه لمقترحه بأعلى سقف سياسي ممكن.
ثم، هل كان ذلك المقترح عملاً انتهازياً يلبي دعوة الحوار مع المؤتمر الوطني من جهة ويسير في ركبانها لفترة وحدود معلومة، ثم من بعد ذلك يطرح طرح أهل المعارضة في وقت آخر من أوقات الحوار، فيستبقي قنوات تواصله مع المعارضة المقاطعة ومع المؤتمر الوطني في آن معاً!!
هل كان ذلك المقترح يمثل سقف المطالب الأعلى لذلك الطرف الذي يضغط به على المؤتمر الوطني ويساومه وصولاً معه لمطالب أقل لكنها تكفل له وجوداً مقدراً في السلطة القادمة!!
صدق أهل المؤتمر الوطني حين يصفون الحكومة الانتقالية بالوهم، وقولنا هذا ليس انتصاراً لهم أو دفاعاً عن وجهة نظرهم، ولكننا نذكر ذلك لنراجع المعارضة سواء الرافضة للحوار، أو تلك المشاركة فيه على حد سواء، عسى أن يتميز طرحها بشيء من الموضوعية التي تستصحب معها تفاصيل الواقع السياسي وتوازنات القوى وهي تدفع بمقترحاتها، إياً كانت تلك المقترحات.
رغم تأكيدات السيد/ الرئيس والتزامه بإنفاذ كل مخرجات الحوار الوطني، متى ما اتفق عليها المتحاورون، فإن ذلك الحوار يبقى حواراً بلا بريق ولا وهج، ما دامت خطاه تنأى بعيداً عن واقع الناس الآني، وتتغافل أفكاره وحواراته عن همومهم المستقبلية.
ما يطحن عظام الناس الآن هو هذا الوضع الاقتصادي المتردي الذي انعكس سلباً على كسبهم ومعاشهم وصحتهم وتعليم أبنائهم، واعتقلتهم الحياة تماماً داخل دائرة المعاناة.. يا سادتنا وأولياء أمورنا من المتحاورين انتبهوا، فمن يتعذر عليه الحصول على جرعة دواء لطفله أو مصاريف المدارس لأبنائه فإنه لا يفكر في ترف البحث عن هويته، ولا حديث «المصفوفات» المكرور والممل، ولا طلسمات الساسة والسياسة.. هذا المواطن يدرك أن سبب معاناته ليست هي الحرب فحسب، بل هي، أيضاً، شبكات الفساد المرتب والمنظم الذي يضرب مفاصل الدولة، وتراخي قبضة الدولة على المال العام، والخدمة المدنية المتدنية الأداء!! الآن كل الناس يدركون أن أمر الحوار هو أمر متصل باقتسام السلطة بين المتحاورين، لا باقتسام المعاناة والهموم مع ملايين الناس، ممن لا يكادون يجدون أقوات يومهم!! إذن ما دام الأمر كذلك، فلماذا نكثر الكلام والحديث والحوار مع أن مناهج الوصول إليها، أي السلطة، باتت معروفة وقد سادت طيلة عقدين من الزمان:
أولها: أن ترفع عقيرتك، تسبيحاً بحمد الإنقاذ، أو قدحاً فيها وسيصلك نصيبك من السلطة «الاسمية» تجرجر خلفها حصائل وحصائد وحرائث ومغانم أخرى كثيرة.
ثانياً: أن ترفع بندقيتك، ثم تخفضها، وعندها لن يخطئك نصيبك من السلطة، أو من المغانم التي تقوم مقامها.
بينما تبقى كثرة من الناس ترفع أياديها إلى السماء تستدعي رحمتها، أياً كانت، أو تستمطر لعناتها على الجميع، متحاورين ومقاطعين، لكن في كل الأحوال سيبقى الأمل لديها في تغيير الواقع لصالحها يوماً ما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق