الخميس، 10 ديسمبر 2015

القمة «الصينية ــ الإفريقية» تؤسس لتحالف قوى عظمى

جوهانسبرغ:
المثنى عبد القادر-

كما يقول المثل الصيني «نحتاج إلى عشر سنوات لنرى شجرة باسقة.. ونحتاج إلى مائة عام لنرى إنساناً ناضجاً».. لكن المتوقع خلال السنوات الثلاث القادمة ان تنطلق شجرة العلاقات الصينية الافريقية بصورة تذهل العالم، خاصة ان قمة الرؤساء الأفارقة مع الصين في مدينة جوهانسبيرج في دولة جنوب إفريقيا بذلت لاجلها مساعي مشتركة من الجانبين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الضخمة التى اعلنت في ختام القمة باسم «اعلان جوهانسبيرج»، خاصة ان شكل الشراكة الجديد سيساعد في نمو وتقدم وتنمية دول القارة بلا استثناء مع الحفاظ على التبادل والاحترام المشترك بينهما، ان الشراكات الافريقية مع دول العالم الآخر لم تكلل بالنجاح الكافي لرفاهية الشعوب، لكن الفرق أن الشراكة مع الصين ستبني للقارة الافريقية مجداً يجعل الاثنين قوى عظمى بلا منازع وقطباً جديداً يفرض نفسه على العالم.
دلالات جوهانسبيرج:
رغم الدوافع السياسية والاقتصادية التى مكنت ان تحظى دولة جنوب افريقيا كاول دولة تستضيف قمة الصين والدول الافريقية، لكن دلالات مدينة جوهانسبيرج التاريخية لوحدها ورفضها نظام الفصل العنصري «الأبارتيد» الذي ارتكبه الاستعمار في القارة يلقي بظلاله على التفاصيل، خاصة ان مدينة جوهانسبيرج عاشت في وجدان أي افريقي، بعد أن فتحت أبوابها أمام ملايين السود الهاربين من لهيب فترة التفرقة العنصرية التي وضعت جنوب افريقيا فوق فوهة بركان منذ عام 1948م، وحتى رفع الرئيس الراحل نيلسون مانديلا مشعل تطهير البلاد من فيروس العنصرية، لتصبح جوهانسبيرج العاصمة الفعلية من واقع دورها في احتضان الفكرة وصاحبها لحماية السود من اضطهاد وكراهية الجنس الأبيض.
أما الدوافع الاجتماعية بالنسبة للصين في مدينة جوهانسبيرج باعتبارها ثالث اكثر المدن الإفريقية اكتظاظا بالسكان بعد مدينتي القاهرة ولاغوس النيجيرية ، هذا غير كونها أكثر المدن ثراءً، بل اكتسبت مكانة مرموقة بامتلاكها مناجم الذهب التي تتدفق تحت الأرض، كما ان بها العديد من الاستثمارات الصينية، والشراكة بين البلدين جعلت وارغمت ان تكون القمة في تلك المدينة، خاصة اذ علمنا ان مدينة جوهانسبيرج انشأت اول فرع افريقي لـ «بنك الصين» براس مال ملياري ضخم، وكما ذكرت رئيس قسم التجارة بالبنك جوها سي يو، فإن اهمية البنك تتمثل في انه يوفر العملة الصينية لاى تاجر افريقي او سوداني او ليبي لمن يرغبون في التجارة مع الصين بشراء عملة الصين المحلية مقابل عملة البلد سواء كانت الجنيه السوداني او الدينار الليبي.
كما تمتلك الصين بجانب البنك ايضاًً العديد من الشركات والاستثمارات في مجالات مختلفة، منها الاعلام والاتصالات المتمثلة في مجموعة «ستار سات» للتكنولوجيا التى وضعت كافة القارة الافريقية في خط موحد رغم الحدود الجغرافية التى وضعها المستعمر، كما ان المجموعة الاقتصادية نفسها رغم انشائها الحديث لكنها ستحقق ربحاً في عام «2019» يقدر بملياري دولار على الاقل، بحسب ما قال المدير العام مايكل آرثر درهام لـ «الإنتباهة»، هذا بجانب ترجمة مجموعتهم لقنوات التلفزيون العالمية بلغات محلية افريقية كـ «السواحلي والهوسا».
اذن فإن الشراكة الصينية الافريقية التى وضعت على اساس شعار «صداقة وشراكة بلا استغلال» ستضمن على الاقل أن الانسان الافريقي والصيني لن يظلا منحيين الى الابد بعد عقود القهر الذي استنزف موارد الاثنين لقرون عديدة وجعل كلاً منهما ضمن دول العالم الثالث.
أعلى مستوى
قال نائب وزير الخارجية الصيني تشانغ مينغ ان الصين تقدر الصداقة بين الصين وافريقيا، وانها مصممة على الارتقاء بها الى مستوى اعلى، وخلال حديثه فى مناقشات المائدة المستديرة عن العلاقات بين الصين وافريقيا الذي انعقد في جوهانسبيرج، قال ان العلاقات بين الصين وافريقيا فى قمتها وافضل مما كانت عليه من قبل من خلال آلية القمة، خاصة ان الصين وافريقيا زادتا الثقة السياسية وحققتا تعاوناً عملياً مثمراً، كما وسعتا التبادلات الثقافية وعززتا التعاون فى السلام والامن، ولاظهار مدى اهمية افريقيا للصين كانت اول رحلة خارجية للرئيس الصيني شي جين بينغ بعد توليه المنصب هي الى القارة، كما اوضح نائب الوزير ان الرئيس شي يعزز الاخلاص والنية الحسنة في التفاعلات مع افريقيا.
أين السودان؟
الخرطوم التى مثلها النائب الاول لرئيس الجمهورية في قمة جوهانسبيرج وقع خلالها اتفاقيات جديدة مع الحكومة الصينية بخلال اللقاءات والاجتماعات التى جمعت الجانبين على هامش القمة او قبلها، الخرطوم تعتبر منذ فترة طويلة ثالث اكبر شريك للصين في افريقيا، بينما بكين تعد اكبر شريك للخرطوم بشكل كبير رفع من شانه الازدياد المُطَّرِد للمصالح الصينية في السودان، أما نصيب السودان من الاستثمارات الصينية فلقد بلغ في السابق «13» مليار دولار، لكن بعد نتائج قمة جوهانسبيرج سيرتفع التبادل التجاري بين البلدين بصورة اكبر او اقل قليلاً خاصة ان الـ «13» مليار دولار كانت قبل انفصال دولة جنوب السودان التى تتحمل مع السودان تلقائياً ديون الصين التى يجب ان تسددها مناصفة مع السودان، خاصة ان دولة جنوب السودان استفادت كثيراً من الاستثمارات الصينية قبل الانفصال في عام 2011م، لذا فإنه يتوجب على جوبا دفع التزامها وعدم التراجع عن مناصفة الدين حال فشل الآلية الثلاثية المكونة من لجنة ثامبو مبيكي وحكومتي السودان وجنوب السودان في اقناع المجتمع الدول بإعفاء الديون.
أرضية مشتركة
يخطئ من يعتقد ان الوجود الصيني في إفريقيا ظاهرة حديثة لأن الحقيقة غير ذلك تماماً، حيث تؤكدها الدراسات والأبحاث التاريخية والأركيولوجية التي أجراها اكاديميون من إفريقيا والصين وأوروبا، وتوّجت بمؤتمر عقد في أكتوبر الماضي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بتظيم من جامعة أكسوم الإثيوبية، حيث تبين أنّ وصول الصينيين إلى السواحل الإفريقية سبق وصول المستكشف البرتغالي المعروف فاكسو دي غاما إليها في عام 1498م وهو في طريقه إلى آسيا، وأن الدبلوماسي والملاح الصيني زينغ هي من عهد سلالة مينغ الإمبراطورية حلّ في ماليندي على الساحل الكيني في عام 1418م على رأس «62» سفينة كانت تحمل نحو «37» ألف جندي، وبعض الهدايا إلى سلطان ماليندي الذي كان وقتذاك أحد سلاطين شرق إفريقيا المتنفذين. كما أن المعروف في العلاقات الصينية ــ الإفريقية أنها شهدت في السنوات الأخيرة نمواً كبيراً في مجالات التبادل التجاري، وقيام بكين بتطوير البنى التحتية الإفريقية، وتقديم القروض إلى عدد من الدول الإفريقية، لذا فإن التعاون بين الصين والدول الإفريقية لم يكن بمحض المصادفة لكنها الصداقة القديمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق