السبت، 19 ديسمبر 2015

مـنبر أديـس .. نفـد الصـبر

عبدالله عبدالرحيم-
تشير معظم معطيات الواقع السياسي المتوتر بين الحكومة في الخرطوم والحركة الشعبية قطاع الشمال إلى أن الأيام المقبلة ربما تشهد مواجهات ساخنة على الصُّعد السياسية والدبلوماسية ومواجهات إعلامية وتصعيد ربما يفضي إلى مواجهة عسكرية في المناطق الحدودية التي يتواجد فيها قوات الأخيرة، إذا ما استمرت الحالة الحوارية بينهما على هذا المنوال في وقت يشهد تصاعد عميق في أن تحدث تلك الجلسات خروقات جوهرية في القضايا محط الاهتمام المشترك والتي توجد في كراسة كلاهما وهي مطرح النقاش. ولعل ما يعزز هذه الفرضية هو التباطؤ الذي ظل يحرزه هذا الملف رغم البروتوكولات الكثيرة واتفاقات حسن النوايا التي تم التوقيع عليها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا..كثير من المؤشرات والمعطيات وهذه أسوأ الفروض تعزز بشكل واضح سيناريو المواجهة بين الحكومة وقطاع الشمال، رغم أن ما يجري الإعداد له يختلف تماماً عما يدور في الباطن وهذا الحكم الغامق ربما نتج من خلال عمليات التطويل التي ظلت تصاحب هذا الملف الذي بلغ الجلسة الثانية عشر منذ إعلان الطرفين دخولهما في حالة تحاور لأجل إنهاء المشكلة بينهما.
الصيف الحاسم
ولكن هناك من يقول إن الحكومة حريصة كثيراً لإطفاء الأزمة بينها وقطاع الشمال، وقد أوقفت في وقت سابق إطلاق النار من جانب واحد لمدة زمنية طويلة لم يتوقعها قطاع الشمال لجهة أن القطاع كثيراً ما كان يدمغ الحكومة من خلال هذا الاتجاه الذي سعت الخرطوم في سده عبر هذا الإعلان المفاجئ. وقد كررت الحكومة هذه المفاجأة للقطاع الذي بادر هذه المرة بنفس الكرت التكتيكي لإيقاف الحرب من أجل إطالة الفترة الزمنية قبل الدخول في التحاور لتقوية صفوفه في وقت أكدت الكثير من الدوائر إن عمليات الصيف الحاسم قد أعيت الحركة الشعبية كثيراً وأفقدتها الكثير من المقومات لجهة أن المناطق التي كانت تتمدد فيها قد شهدت انحساراً كبيراً وأن عمليات الإغاثة التي كانت تصل لتلك المناطق التي تتدثر بها قوات القطاع بسبب تدهور الجانب الأمني وتحول العمليات العسكرية لمناطق القطاع بعد أن انحسرت الحرب في إقليم دارفور عقب آخر معركة هناك في «قوز دنقو» وكسبتها القوات الحكومية. وكان نتاج ذلك تفرغ الجيش السوداني تماماً لمعارك الصيف الحاسم وقد شهدت المناطق التي يتمدد فيها قطاع الشمال تعزيزات عسكرية في تلك الاوقات، الشيء الذي أدى لتقاصر المنظمات العاملة في الشأن الإنساني من الوصول لتلك المناطق.
هناك من ينظر للأمر من جوانب مختلفة في أن الحكومة هذه المرة أكثر جدية للتوصل لسلام واتفاق مع القطاع الذي يمثل أكبر العوائق الأمنية للحكومة، بيد أن هذا التقارب وهذه الرغبة بحسب متابعين للملف ظلت تجد تأييداً داخل قطاع الشمال الذي ربما هو الآخر اتجه هذه المرة عبر الجلسة القادمة للوصول لسلام حقيقي واتفاق ينهي به كل المناورات السياسية التي كان يعول عليها وربما أنتج هذا الواقع الجديد تفاهماً كاملاً بعد أن شهدت الأوساط السياسية المختلفة والمجتمعية ثورات تحتية لتصحيح المسار وإزكاء روح الحوار داخل الصفوف المتحاورة والعمل على تحليهما بالصبر لسبر غور هذه المعضلة التي تجرع منها مواطني المنطقتين كثيراً من العذابات، وكان نتاجاً لذلك أن شهدت الساحة ظهور ما يعرف بأهل الشأن أو أصحاب المصلحة على الساحة وبمجهودات ذاتية، وبالرغم من أن وجهات نظر كثيرة تختلف مع تلك المجهودات، إلا أن ما أحدثته في الساحة ربما أنتج هناك بعض الثمار من محاولاتهم لزرع الثقة وسط الأطراف المتحاورة. هذا جانب أما الجانب الآخر فإن بعض المراقبين يرون أن التقارب بين القطاع والحكومة من شأنه أن يعصف بآخرين خارج الحلبة وهذا ربما خلق واقعاً جديداً للصراع الداخلي، وقد ينتقل هذا الصراع خارج الحلبة كما انتقلت من قبله تجارب أخرى مثل خروج مناوي والتحاقه برفاق الأمس، حينما دخلت حركة العدل والمساواة وحركة التحرير والعدالة في اتفاق سلام مع الحكومة ووجد مناوي أن بعض مهامه قد ذهبت لأطراف لم يرتضِ أن يتقاسم معها كيكة السلطة والجاه. ودعت هذه الأطراف الحكومة للتحسب لمثل هذه التصدعات التي تكون دائماً نتاجاً لبعض النجاحات التي تحدث.
الخطوة القادمة
ربما من وحي التحليل للقضية، فإن التطورالجديد في الملف بين الخرطوم وقطاع الشمال، هو عزم الأولى اتخاذ إجراءات حاسمة بشأن الاتفاق مع الطرف الآخر وقد أرادت أن تهيء له الرأي العام العالمي والمحلي بالتمهيد أكثر للحوار الوطني الذي ينتظم الساحة الداخلية، وقد أكدت أن عمليات الحوار قطعت أكثر من 90% مما تسعى الأطراف الوصول إليه. في وقت مازال قطاع الشمال بعيداً كل البعد عن هذه التوجهات، وإن كانت الحكومة السودانية لم تفصح عن طبيعة الإجراءات والقرارات التي سوف تتخذها في هذا الشأن،إلا أن هذه الإجراءات تبدو أكثر وضوحاً إذا استدعينا تصريحات الرئيس البشير عشية انطلاق الحوار الوطني وخطابه الذي أكد من خلاله أن الحكومة سوف تبذل قصارى جهدها للوصول لاتفاقات مع الأطراف المختلفة، وبعث الرئيس البشير آنذاك برسالة واضحة للحركات المسلحة وقطاع الشمال وما يسمى بالجبهة الثورية، أكد فيها أنه لن يكون هناك تنفيذ لبند دون الآخر مما خرج به الحوار الوطني.
الوجود الأجنبي
ظل شبح الانهيار والتعليق من السيناريوهات المتوقعة مع صافرة انطلاق كل جولة لتباعد مواقف الطرفين والأجندة المطروحة، الأمر الذي قاد الى تعثر سير العملية التفاوضية كثيراً، وتقول بعض الأطراف أن وفد الحركة الشعبية ظل يتعرض لمضايقات كثيفة من بعض الدول الخارجية الغربية وتمارس ضغوطاً كبيرة على الوفد بغية عدم التوقيع على الاتفاق الإطاري الذي يتضمن قضايا زمنية وإنسانية، والشاهد أن مسرح التفاوض شهد حركة نشطة لوفود دبلوماسية أجنبية خاصة في الجولات التي شابها شيء من التفاؤل بإمكانية التوصل الى حلول، الأمر الذي دفع رئيس وفد الحكومة باشمهندس ابراهيم محمود الى الإقرار بتعثر المفاوضات ورجوعه الى الخرطوم، فيما أشار بعض عناصر الوفد الحكومي إلى انها ظلت على الدوام تصطدم بمؤثرات خارجية لا ترغب في السلام، بدليل حضورهم للمفاوضات بأهداف لا تتعلق بالتفاوض، بل تهدف للمناورة السياسية، بل واعتبر عدم جدية الحركة في الوصول إلى سلام ومحاولة ربط قضايا المنطقتين بقضايا أخرى من أكبر العقبات التي تعترض نجاح الجولات. وبحسب مراقبين، فإن التدخلات الخارجية الداعمة للحركة الشعبية قطاع الشمال كثيراً ما تعرقل مسيرة المنبر التفاوضي عوضاً عن دفع التقدم الذي قد يتوصلان إليه مع وفد الحكومة في صدد القضايا محل الخلافات ومنها تلك التدخلات التي دفعت القطاع في إحدى الجولات إلى مطالبته الحكومة بضرورة أن يصير شريكاً سياسياً في الحكم. ويرى الأستاذ صلاح بريمة نمر أحد قياديي جبال النوبة بالمؤتمر الوطني في تصريحات له، إن الحركة الشعبية أرادت أن تقفز فوق الحقائق لأن مطالب أهل المنطقتين ليست الشراكة السياسية مع الوطني في وقت ماضٍ من الآن، وإنما ضرورة معالجة المسألة الأمنية وتصفية الفرقتين مؤكداً أن ذلك لا يعدو كونه أجندة خفية تسعى الحركة الشعبية لتحقيقها عبر مطالب المنطقتين. والشاهد على ذلك اللقاء الذي جمع بين وفد قطاع الشمال وناشطين في الاغاثة الاسرائيلية وبحثهم آخر تطورات المفاوضات الجارية مع الحكومة وكذلك ما يحتاجونه من مواد إغاثية ومساعدات عاجلة، الأمر الذي وجده البعض تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي للبلاد وسابقة خطيرة، لاسيما وأن إسرائيل كانت من الدول الداعمة للحركة الشعبية لجنوب السودان، والآن تعمل على دعم الحركات المسلحة تحت لواء الجبهة الثورية، بجانب الموقف المزدوج للولايات المتحدة للجهود التي تبذلها الآلية الافريقية لإنهاء الأزمة الناشبة وتحريض الأطراف الأخرى، في الوقت الذي تقوم فيه بتحفيز الحكومة للدخول لمفاوضات أديس لإكمال التفاهمات. ويرى مراقبون أن أحد الأطراف الدولية وهو دولة إسرائيل لا تريد تحقيق الاستقرار في السودان، بل تهدف الى توظيف التباينات والخلافات الداخلية لأهدافها العدوانية ضد البلاد. ولكن المحلل السياسي د.عبد الله آدم خاطر في حديثه لـ«الإنتباهة» يرى أن كل الحكومات في العالم عندما تواجه بمشاكل اعتادت على رمي اللوم على اطراف اخرى مشيراً الى أن المجهود المبذول في السودان محتاج الى الدعم، مضيفاً بأن الوسط الإقليمي من حولنا لا يشجع على مشاركة من حولنا في مشكلاتنا الداخلية، لذلك أصبح السودانيين هم أصحاب الشأن في حل نزاعاتهم. وقلل خاطر من شأن مزاعم الضغوط الخفية التي تمارس على الحركات وقال أن الحكومة نفسها تتعامل مع المجتمع الدولي والمنظمات مؤكداً أن القضية ترتكز على أساس المصالح والمنافع، وعزا تعثر التفاوض الى تضارب مصالح البعض موضحاً أن هناك من يعمل على المحافظة على الوضع المركزي، بينما هناك من يعمل على إبقائه كما هو، مؤكداً أن الصراع حول المصالح هو أساس المشكلة في التفاوض في أديس وغيرها.
الصراع المكتوم
وغير بعيد من هذا فإن صراعاً مكتوماً يجري داخل أروقة المعارضة بشقيها الداخلي والخارجي، فبعد أن طوت الجولة العاشرة في أديس أوراقها بالفشل قفز إلى سطح الأحداث الصراعات بين مكونات الجبهة الثورية وقوى المعارضة الداخلية فهناك من يرى أن مجرد التقارب بين الحكومة وقطاع الشمال ينسف كل أمال المعارضة في الوصول للحكم عبر الشريك القوي وهو الحركة الشعبية قطاع الشمال وكانت خلافات الداخل بين مكونات القوى المعارضة دليل دامغ على أن التقارب بين الحكومة وقاطع الشمال من شأنه أن ينسف كل العلاقات الإستراتيجية بين تلك المكونات لذلك هناك من لا يرجون أن تحرز الحكومة قفزة في هذا الملف العالق بينها والقطاع فيما ترى تلك القوى ضرورة أن تجلس الحكومة لكل الاطراف مجتمعة عبر ما يسمى بالملتقى التحضيري المذهب الذي ترفضه الحكومة في وقت تسعى فيه لتجزئة تلك الأطراف بأن تجلس مع كل طرف في الإطار الذي وفقت خلاله قضاياه فدارفور ترى الحكومة أن الجلوس مع حركاتها لا تأتي إلا تحت مسمى الدوحة فيما ترى قوى المعارضة أن قضية السودان واحدة ولا تتجزأ الشيء الذي خلق علامات وإشارات فارقة تدل على بعد التقارب بين الاطراف المختلفة. ولهذا فإن كثيرون يرون أن قوى الإجماع الوطني أول الأطراف التي قد تتأزى بتوصل الحكومة والقطاع لاتفاق ينهيان به الصراع المحتدم بين الطرفين. كما وأن الحركات المسلحة في دارفور العدل والمساواة حركة مناوي وعبدالواحد يعملون على ضرورة أن تكون الجبهة الثورية هي الوعاء الجامع لحلول أزمة السودان من خلال المقترح الذي دفعت به الحركة الشعبية قطاع الشمال وظلت تتمسك به في أن يكون منبر أديس لكل أزمات البلاد من غربها لشرقها لجنوبها ووسطها، ما أدى لتعميق الهوة بين طرفي الحكومة والقطاع المتفاوضين في أديس ويقول بعض المراقبين أن الطرفين إذا ما أستطاعا أن يحدثا خروقاً جوهرية في كراسة أجندة التفاوض فإن الجولة القادمة ربما شهدت تحولات جوهرية نحو السلام والدخول عبر أكبر بواباته بالنسبة لقطاع الشمال ويتبقى فقط الاتجاهات الاخرى والتي ربما كان لقطاع الشمال جهد مقدر في دعم الحكومة للوصول لاتفاق معها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق