الثلاثاء، 31 مارس 2015

تجربة السودان مواجهة ألاعيب القوى الكبرى.. (السيسا نموذجاً)!

للسودان تجربة جديرة بالاحترام في مجال استخدام الأوراق المتاحة لمناهضة بعض تصرفات القوى الدولية الكبرى القائمة على معادلة القوى والضعيف -إذا صح التعبير- فعلى سبيل المثال وحين تفاعلت قضية محكمة الجنايات الدولية وبدا واضحاً أن بعض القوى الدولية تستخدم هذا الجهاز العدلي الدولي لأغراض سياسية محضة وتركز بصفة خاصة على المجال الحيوي الإفريقي وتلاحق قادة الدول الأفريقية وحدهم أملاً في تحقيق اهداف ومصالح تخصها، استطاع السودان مستخدماً المنبر الإقليمي المتاح أمامه -الاتحاد الإفريقي- في خلق معادلة موازية لهذا الحراك الدولي الذي ظاهره العدالة ولكن باطنه الإذلال والضغط.
تحركات السودان في أروقة الاتحاد الإفريقي على مدى ما يزيد عن خمسة أعوام أثمرت في خاتمتها وما تزال تثمر اصطفافاً إفريقياً ضد المحكمة. نجح السودان في بلورة رأي إفريقي عام مسنود بقرار صادر عن القادة الأفارقة يحظر التعاون مع المحكمة ويعتبرها ذات منحى عنصري. ليس ذلك فحسب ولكن الاتحاد الإفريقي وإمعاناً  تحصين قادته وبلدانه، شرع في الإعداد لإنشاء محكمة افريقية تختص وحدها دون غيرها بالتصدي للمنازعات الجنائية والمدنية بين بلدانها، بعيداً عن هيمنة محكمة الجنايات الدولية.
هذا الموقف الذي أربك حسابات القوى الدولية الكبرى وأثار قلقها، إنما هو نتاج الاستخدام الأمثل من قبل الدبلوماسية السودانية لما هو متاح لديها من منظومات إقليمية، ولهذا فإن مناقشة لجنة الأمن والمخابرات الإفريقية المعروفة بالسيسا في الورشة التي استضافتها العاصمة السودانية الخرطوم قبل أيام قضية العقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب التي درجت القوى الدولية الكبرى فرضها على من لا ترضى عنهم من دول العالم، خاصة دول القارة الإفريقية، يمكن قراءته هو أيضاً في ذات السياق هذا، إذ أن السودان وباعتباره أحد أبرز الأعضاء المؤسسين للسيسا نجح في تفعيل عمل هذا التجمع الأمني الإفريقي لكي يناقش وعلى نحو جاد وفاعل واحدة من أهم القضايا الأمنية الأكثر تأثيراً على الأمن القومي الإجمالي لدول القارة من جهة، والأمن القومي لكل دولة افريقية على حدا.
وكانت النقاشات التي تلتها التصريحات والقرارات التي خرجت بها الورشة عنواناً لبرنامج عمل للمرحلة المقبلة. إذ من المهم أن تتم مناهضة هذه العقوبات، والحيلولة دون أن تكون لها آثار ملموسة على دول القارة. كما أن من المهم تعزيز التعاون ين دول القارة، وفق منظومة آليات فاعلة، لمجابهة هذه العقوبات ومنع صدورها من الأساس، ولا شك أن توسيع نطاق التعاون بين دول القارة،وترسيخ العمل الإفريقي المشترك وإنشاء كيانات اقتصادية افريقية كبيرة من شأنه أن يقلل من فرص تأثير هذه العقوبات، ويمثل اتفاق إعلان المبادئ الموقع حديثاً بين كل من إثيوبيا والسودان ومصر بشأن سد النهضة مرتكزاً إقليمياً نموذجياً لمثل هذه الآليات الاقتصادية الفاعلة، فكلما تم خلق علاقات ترابط إقليمية بين دول القارة يمثل الاقتصاد عموها الفقري، كلما أسهم ذلك في تقوية البنيان السياسي الاقتصادي لدول القارة، ومن ثم لا تجد القوى الدولية الساعية للضغط على دول القارة منفذاً لكي تحقق من خلاله أهدافها.
ومن المؤكد أن نجاح السودان حتى الآن فى ترسيخ هذه التجربة واستخدام المكونات المحلية الإقليمية فى إنشاء حزام مانع دون تدخل القوى الدولية في الشئون الداخلية لبلدان القارة، يمكن اعتبارها تجربة رائدة بحق وقمينة بدفع كل دول القارة للتضافر مع السودان فى هذا الإتجاه، ففي خاتمة المطاف فإن المنظومات الإقليمية هي في الأصل إنما أنشأت بغرض خلق كيان إقليمي يتفادى تحامل الكيانات الدولية الكبرى التي لا تأبه لمن هو اقل منها قوة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق