الأربعاء، 4 مارس 2015

علاقات السودان الخارجية..

ما أعلنته وزارة الخارجية بإقرارها إستراتيجية جديدة للعلاقات الخارجية للبلاد قائمة على أساس التوازن والعقلانية يفتح الباب أمام التوقعات المترتبة على اتباع هذا المنهج سيما أن الدبلوماسية في الوقت الراهن ما عادت مقتصرة على العلاقات السياسية بين الدول ولكنها تشمل معاني وأهداف أبعد ترتبط في شقها الأول بالمصالح وعلى رأسها الجوانب الاقتصادية والاستثمارات وغيرها مما يعني عملياً أن مخرجات أي تحولات إيجابية في مجال العلاقات الدبلوماسية سيكون شاملاً تجاه مجالات أوسع ومن المؤكد أن العكس طبقاً لذلك سيكون هو الصحيح.
علاقات السودان الخارجية
عواصف (العواطف) تتراجع أمام "هبوب " المصالح
الخرطوم: ماهر أبو جوخ
يبدو أن الإستراتيجية الجديدة لمجال العلاقات الخارجية التي تعتزم وزارة الخارجية العمل بمقتضاها خلال الفترة القادمة على أسس الوسطية والعقلانية تسعى للاستفادة من تجارب الماضي وسعياً لإصلاح مسار العلاقات التي علقت بها بعض الشوائب نتيجة عدد من المواقف والعمل على عدم تكرارها مستقبلاً ووضعها في خانة الضد مع أحد أو معه، والتركيز على المصالح بعيداً عن العواطف إذ الثانية أوردت البلاد موارد التهلكة لسنوات عديدة.
الأغاني تأزم العلاقات
بمجرد إعلان وصول الإنقاذ لسدة الحكم في الثلاثين من يونيو 1989م، فإن العديد من الأطراف الإقليمية والدولية رحبت بمقدمها - كل على طريقته - ولعل من أبرز الدول التي سارعت للترحيب بحكم الإنقاذ الجديد هي القاهرة إذ أن أول زيارة خارجية لقائد الإنقاذ كانت للقاهرة في ما سارع الرئيس المصري وقتها محمد حسني مبارك لزيارة الخرطوم بعد أقل من ستة أشهر من استيلاء الإنقاذ على السلطة في زيارة أعطت مؤشراً على شكل العلاقات الحميمية بين الدولتين.
نجد أن زيارة رئيس الوزراء قبل الإنقاذ الصادق المهدي لطهران خلال سنوات حكمه تسببت في توتر علاقات البلاد مع دول الخليج والعراق والتي اعتبرت بمثابة إخراج لطهران من كماشة معظم الدول العربية المفروضة عليها – مع ضرورة الإشارة إلى وجود دول احتفظت بعلاقاتها مع إيران على رأسها سوريا - فإن الموقف من حرب الخليج الثانية التي اندلعت في أعقاب أزمة غزو العراق للكويت في أغسطس 1990م تسببت في إدخال العلاقات الخارجية للسودان في أسوأ حقبها.
تسببب التقاطع بين الموقف الرسمي –القائم على رفض الغزو العراقي للكويت وفي ذات الوقت رفض مبدأ الاستعانة بالقوات الأجنبية ومعالجة الأزمة في الإطار العربي- والموقف الشعبي بخروج التظاهرات الشعبية المساندة للعراق وما فاقم هذا الأمر هي الرسالة الإعلامية التي بثتها الإذاعة والتلفزيون وحتى الصحف التي كانت مساندة بشكل مباشر للعراق وظل بعضها يردد الأهازيج والأغاني المساندة للعراق وعلى رأسها أغنية (الله أكبر الله اقوى) التي أداها المطرب لطفي بوشناق والتي تقول أحد مقاطعها (القبلة تحتل ونصلي في الضل والكعبة الشريفة بالبيت تنهان مات ضمير العالم واستبد الظالم وقبرك يا محمد يحموه الأميركان). وحتى الأغنية التي تم تطويرها منها بعد انطلاقة الحرب التي اسميت (عاصفة الصحراء) التي تغني بها المطرب الأردني عمر العبدلات، ولذلك فقد اعتبر بث تلك الأغاني بالأجهزة الإعلامية الرسمية والتعليقات الواردة فيها تعبر عن الموقف السوداني الرسمي المساند للعراق.
رفض طلب
لكن ما كانت الأغاني وحدها هي التي تولت دق الإسفين، إذ تزامن معها بعض المواقف كان أبرزها الرفض السوداني لطلب كويتي قدم لهم بعد إجلاء الأمير الكويتي الراحل جابر الصباح وأفراد أسرته بإقامة الأمير وحكومة المنفي بالخرطوم ووقتها لم يقتصر الرد السوداني على رفض هذا الطلب وإبلاغهم بعدم وجود دولة على الخارطة تسمى (الكويت)، وإنما محافظة عراقية اسمها (الكاظمية) ووقتها اختار الكويتون التوجه للقاهرة كمقر بديل لإقامة الأمير وحكومة المنفى.
أفرزت حرب الخليج الثانية تصدعاً في الجدار العربي بشكل كبير وبات السودان محسوباً على المحور المساند للعراق وطبقاً لذلك فقد تدهورت علاقاته مع مصر وكل دول شمال أفريقيا – في ما عدا ليبيا - بجانب كل الدول الخليجية وهو ما أفضى إلى تضييق الخناق عليه واستضافة المعارضة بالخارج ومنحها مساحات أوسع سياسية وإعلامية.
الخلاف مع واشنطون
تصاعد حجم التوتر بين الخرطوم وواشنطون بشكل كبير في أعقاب وصول الديمقراطيين للبيت الأبيض بقيادة الرئيس السابق بيل كلينتون الذي وضع السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب في 1993م لتليها قرارات المقاطعة الاقتصادية في 1997م، وبلغت ذروتها بالقصف الأميركي لمصنع الشفاء في أغسطس 1998م بتهمة ضلوع السودان في حادث تفجير السفارتين الأمريكتين في كل من نيروبي ودار السلام، ومن الضروري الإشارة إلى أن تدهور العلاقة مع واشنطون انسحب على العلاقات مع الدول الأوروبية.
وقبلها كانت الخرطوم قد وجدت نفسها داخل أروقة مجلس الأمن الدولي في أعقاب التداعيات التي صاحبت محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وهي محاولة لم يقتصر أثرها على إدخال السودان لأروقة مجلس الأمن، ولكن تسببها في إفقاد السودان لأحد أهم حلفائه بالمنطقة ممثلة في أثيوبيا.
حقبة جديدة
لعبت عدة عوامل لمصلحة تحسين العلاقات الخارجية للسودان كاندلاع الحرب الأثيوبية الأرترية، واختيار الخرطوم الانحياز للأولي وحدوث المفاصلة بين الإسلاميين وإبعاد د.حسن الترابي التي كانت الدول العربية تحمله مسؤولية تبني المواقف المتعنتة ضدها ومساندته وإيوائه للجماعات الإسلامية التي كانت تعلن عن نيتها إسقاط الأنظمة الحاكمة بالمنطقة.
في ذات الوقت فإن التوصل لاتفاق السلام الشامل أنهى الحرب الأهلية بجنوب السودان – المعروف باسم اتفاق نيفاشا - خفف الضغوط الخارجية على الخرطوم وفتحت الباب أمامها لتقديم نفسها أمام المجتمع الدولي.
عثرات بالطريق
رغم التطورات الإيجابية التي صاحبت ما بعد نيفاشا ووفاء السودان بتعهداته بإقامة استفتاء جنوب السودان واعترافه بنتيجته ودولة جنوب السودان فإن عدداً من القضايا برزت على السطح كاستمرار الصراع بدارفور واندلاع الحرب بالمنطقتين ثم بهجيلج مع جنوب السودان، بجانب بروز عدد من القضايا الإقليمية كموقفه من إيران وحساب الخرطوم ضمن المحور المساند لقطر وتركيا وبالتالي تصنيفه ضمن محور (الضد) لكن تبدو المعطيات الجديدة ستصب لتغيير تركيبة التحالفات بالمنطقة سيما مع تزايد وتنامي خطر المجموعات الإرهابية على رأسها (داعش) وغيرها التي باتت تسوجب إعادة تكوين واصطفاف التحالفات الإقليمية من جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق