الأحد، 22 مارس 2015

المراقبة الدولية للإنتخابات ضرورة قانونية، أم حض عقدة سياسية؟

لم ينص دستور السودان الانتقالي 2005 ولا قانون الانتخابات العامة 2008 بتعديلاته المختلفة على أيِّ نص يضع المراقبة الدولية على الانتخابات العامة شرطاً من شروط صحة العملية الانتخابية، وهو أمر لفرط بداهته ليس في حاجة لأى تأكيد، صحيح ان الرقابة الاقليمية والدولية في الغالب تضفي مساحة معيارية على القواعد المنظمة للعملية (بالمعيار الدولي) وتقايس الممارسة التى جرت بمقياس الممارسة المتعارف عليها دولياً ولكن في ذات الوقت، فإن الرقابة الدولية فى كثير من الاحيان تتجاهل الفروقات الثقافية والسياسية بين بلدان العالم المختلفة فالديمقراطية وإن كانت تقوم على أسس متعارف عليها، إلا انها تستصحب عادة ظروف كل بلد والمستوى السياسي والاقتصادي الذي بلغته.
وصحيح إن الرقابة الدولية ترضي بعض الأطراف المحلية والداخلية الذين لديهم ولع وإشتغال تام بما يُعرف بالمعايير الدولية فى كل شأن؛ ولكن بالمقابل فإن غياب هذه الرقابة -بصرف النظر عن الأسباب- لا يشكل قدحاً قانونياً في صِحة العملية الديمقراطية، ومع ذلك وحتى مع إدعاء البعض ان الانتخابات الوشيكة في السودان بلا رقابة دولية، فإن رئيس مفوضية الانتخابات البروفسير الاصم أشار إلى تلقي مفوضتهم لحوالي 15 طلب حتى الآن من المنظمات، اقليمية ودولية، أبدت رغبتها فى المراقبة، ولا يُعرف إزاء ذلك ما إذا كان دعاة الرقابة الدولية والمهووسين بها لديهم نصاباً قانونياً معيناً لعدد المنظمات التى ينبغي ان تراقب العملية أم إن اي عدد يكفي؟ إذ ربما يحاجج المفوضية بعض قادة المعارضة لاحقاً ويقولوا ان عدد المنظمات والجهات التى شاركت فى المراقبة لم يكن كافياً، أو أن غالبها من (البيت الافريقي) وأن الصحيح هو ان يكون المراقبون من الولايات المتحدة وأوربا!
ولكن إذا وضعنا كل ذلك جانباً وتساءلنا عما حققته المراقبة الدولية فى الانتخابات السابقة دورة 2010 بكل زخمها ومستوياتها الاربعة غير المسبوقة، فإن التساؤل يزداد تعقيداً، إذا علمنا ان قادة القوى المعارضة الذين قادوا تلك العملية وقتها، وانسحبوا من السباق في مراحله الحرجة مخافة الهزيمة، سرعان ما إدّعوا أن الانتخابات التى جرت فى ذلكم العام كانت مزورة!
إنتخابات عامة جرت في مناخ مواتي بكثير أو افضل من المناخ الحالي، وجرت مراقبتها من جانب العالم بأسره لم يجد ذات قادة المعارضة حرجاً في دمغها بالتزوير! ووجدوا صعوبة بالغة في قبول نتائجها استناداً الى تهمة التزوير هذه، وفي حين ان الرقابة الدولية لم تشر مطلقاً لأي حادثة تزوير! إذن ما الفارق؟ اذا كانت المراقبة الدولية نفسها لا تحول دون عدم اعتراف قوى المعارضة بنتائج العملية، وإذا كانت القوى المعارضة -من أساسها- لا تعترف بتقارير الرقابة الدولية، لماذا إذن عادت الآن ذات هذه القوى للمحاججة بأن العملية الحالية تفتقر الى الرقابة؟ بما يعيب العملية برمتها وينتقص منها؟
من جانب ثاني وحتى لو قلنا إن عزوف العديد من المنظمات والجهات الدولية عن تمويل العملية الانتخابية ومراقبتها في السودان نابع عن (موقف سياسي معين)، حتى لو افترضنا ذلك جدلاً، فهل بالضرورة ان يكون موقف هذه القوى والجهات الدولية مسانداً للمعارضة؟ ولن يجرؤ المجتمع الدولية -تحت أي ذريعة كانت- على احباط عملية ديمقراطية فى أي بلد، فقط استناداً الى أهوائه السياسية؟
إن عزوف بعض الجهات الدولية عن المراقبة من الممكن ان يرجع الى أى تقديرات سياسية تراها تلك الجهات ولكنها لو كانت هذه المواقف متصلة برفض تأييد الحكومة الحالية أو تأييد للمعارضة، فقد كان من الممكن أن يكون هذا الأمر في حد ذاته دافعاً لقوى المعارضة لخوض العملية بأكثر مما هو دافع للعزوف عن خوضها ومقاطعتها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق