الأحد، 8 مارس 2015

محكمة الكوميسا بالخرطوم.. بداية النزاع الخفي

أم سلمة العشا:
لعل التصريح الأخير لوزير العدل مولانا محمد بشارة دوسة بأن النزاع بين الدول الأفريقية المنضوية تحت منظمة الكوميسا بشأن استضافة السودان لمحكمة الكوميسا، يؤكد مدى العراقيل والعقبات التي وجدها السودان حينما تم اختيار الخرطوم مقراً رئيساً دائماً لمحكمة عدل الكوميسا. لكن ثمة أمر آخر في أن السودان بعد الموافقة شرع فوراً في تأسيس المبنى الذي اكتملت كافة ترتيباته، ليعلن في 5 مارس الحالي افتتاح المقر بشكل رسمي.. تغيرات اقتصادية كثيرة طرأت على الدول والحكومات أجبرتها لخلق تكتلات اقتصادية تخدم قضايا الاقتصاد في تلك الدول، خاصة وأن التكتل في مجموعات إقليمية اقتصادية أصبح ضرورة زمان ومكان، إذا ما توفرت الشروط والحوافز المشجعة للتبادل التجاري بين الدول وإمكانية استفادة هذه الدول من الحوافز والفوائد التي توفرها مثل هذه التكتلات الإقليمية، بعد أن واجهت تحديات اقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي، فقد تأثرت معظم الدول من الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت العالم في العام 2008 والسودان كغيره من الدول ليس بمعزل عنها واجه تحدياً اقتصادياً بسببها وبسبب عوامل بلاده ونتيجة كل ذلك سعى سعياً حثيثاً ليكون مؤثراً في هذه التكتلات، خاصة الإقليمية منها.  هذه التغيرات كانت الدافع الأساسي لسعي السودان لنيْل عضوية كثير من هذه التكتلات، وأن يكون عنصراً مشاركاً في بعض الاتفاقيات، يصعب تجاوزه بأي حال من الأحوال، والسودان يواجه العديد من التحديات على الصعيدين المحلي والعالمي. فعلى الصعيد المحلي، انفصال جنوب السودان وقيام دولة جديدة وما يترتب على ذلك ، خاصة وأن البترول قد كان يمثِّل العنصر الأساسي في اقتصاد السودان، وكذلك تثبيت دعائم سياسة تحرير الاقتصاد المعلنة والتي أحدثت تحولاً كبيراً في خارطة الاقتصاد الوطني فهي الأخرى كانت تمثِّل تحدياً آخر، لذلك جاءت مشاركة السودان في اتفاقية السوق المشتركة لدول جنوب وشرق أفريقيا فيما يُعرف بالكوميسا منذ العام 1993م، وقد كان أول الدول التي تشرفت بنيْل العضوية في هذه الاتفاقية.
مقر دائم
بموجب اتفاقية أبرمت بين حكومة السودان ومنظمة الكوميسا لاستضافة مقر محكمة عدل الكوميسا، أصبحت الخرطوم مقراً رسمياً دائماً للمحكمة، لم يكن السودان من الدول المؤسسة لمنطقة التجارة التفضيلية لدول شرق وجنوب أفريقيا، ولكنه انضم إليها بموجب المادة رقم (46) من تلك الاتفاقية والتي تمنح حق العضوية لتلك الدول التي تجاور مباشرة إحدى الدول الأعضاء، ولقد انضم السودان في أغسطس عام 1990م أي بعد عشر سنوات من إعلانه وفي ظروف صعبة كان يعاني فيها من الحصار والمقاطعة وبالتالي يعد من مؤسسي السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا) التي تم إنشاؤها في عام1993م.
اثر اقتصادي
ما بين مؤيد ومعارض لاتفاقية الكوميسا من منظور أثرها على الاقتصاد السوداني ورفاهية الفرد والمجتمع، جاءت ردود الأفعال للأثر الاقتصادي للسودان من اتفاقية الكوميسا، وبما أن التبادل التجاري بين الدول أصبح من الأهمية بحيث صار يشكِّل وسائل ضغط ويفرض أو يغير سياسات دول تجاه دول أخرى، يبرز سؤالاً مهماً هل الكوميسا هي الحل لإخراج السودان من ما يواجهه من مشكلات؟. الكوميسا تعني السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا. وتم توقيع الاتفاقية في نهاية العام 1994م لتحل محل اتفاقية منطقة التجارة التفضيلية (PTA) والتي نشأت في نهاية العام 1981م ودخلت حيز التنفيذ في نهاية العام 1988م. وتضم في عضويتها الآن «19» دولة هي : السودان، مصر، بوروندي، رواندا،  سوازيلاند، ملاوي،أوغندا، زامبيا،  زمبابوي، موريشيوس، سيشل،  ارتريا، جيبوتي، إثيوبيا، كينيا، جزر القمر، مدغشقر، وإيراداتها السنوية إلى «32» مليار دولار، فيما تبلغ صادراتها حوالي «82» مليون دولار أمريكي ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول أكثر من «230» مليون دولار وبذلك توفر سوقاً رئيسة عالمية للتجارة الداخلية والخارجية.
اكتمال الترتيبات
بعد انضمام السودان للكوميسا لعبت حكومة السودان دوراً مهماً لتحقيق انشاء مبنى لمحكمة الكوميسا بالخرطوم باعتبارها مقراً رئيساً دائماً، استطاعت الحكومة تأسيس مبنى يُعد أفضل من مقر المنظمة نفسها بتكلفة حوالي «6» ملايين دولار تم تزويد المبنى بكافة الإنشاءات من شبكة الانترنت والاتصالات، وبالرغم من الموافقة من أن يكون مقر المحكمة بالخرطوم، إلا أن وزير العدل محمد بشارة دوسة، قال إن نزاعاً نشأ بين الدول الأفريقية المنضوية تحت منظمة الكوميسا بشأن استضافة السودان لمحكمة الكوميسا، وقال إن مرحلة التجاذب بشأن المحكمة انتهت عقب صدور قرار من الكوميسا باستضافة السودان للمحكمة. وقال دوسة إن اجتماعات مكثفة للخبراء القانونيين ووزراء عدل الكوميسا تنعقد بالخرطوم في الفترة من (2-4) من مارس الحالي لمناقشة تبادل الوثائق القانونية الخاصة بمحكمة الكوميسا بالإضافة الى التعرُّف على موقف الدول الأعضاء من الاتفاقيات والبرتوكولات وتبادل الموقف الجمركي وتحديد موقف المنظمة من المفاوضات الأساسية حول المنطقة الحرة والاتحاد الجمركي. وأعلن الوزير اكتمال الترتيبات الخاصة بافتتاح مبنى محكمة الكوميسا رسمياً بالخرطوم في الخامس من مارس بتشريف رئيس الجمهورية. ويأتي انعقاد الاجتماعات للخبراء ليمهد للدول ذات الرغبة في الانضمام للكوميسا وسوف يتم ترشيح (12) قاضٍ لفرع المحكمة بالخرطوم من ضمنهم ممثل للسودان، معدداً الفوائد التي سوف تجنيها البلاد من المحكمة والتي منها توفير العملة الصعبة وتواجد القضاء بصفة دائمة في الخرطوم. ويفتتح رئيس الجمهورية عمر البشير مقر محكمة الكوميسا في الخامس من مارس، كما أنه سيتم خلال هذه الاجتماعات انتخاب قضاة جدد لمحكمة الكوميسا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق