الاثنين، 2 مارس 2015

السودان على أعتاب مرحلة جديدة تماماً!

بغض النظر تماماً عما يمكن ان يكون وراء الاختراقات الدبلوماسية ذات الأبعاد الإستراتيجية المؤثرة التى حققها السودان -بقدر واضح من الجدارة- في الأسابيع القليلة الماضية سواء على صعيد إصلاح علاقاته الثنائية مع يوغندا وإنتزاع وعد رئاسي من الرئيس موسيفيني بطرد الحركات السودانية المسلحة من أراضيه أو على الأقل حرمانها من الدعم و الايواء؛ أو على صعيد التحسن الملحوظ في العلاقات مع واشنطن للدرجة التى سارعت فيها الادارة الامريكية -على غير المعهود- بإيفاد نائب مساعد وزير الخارجية الى الخرطوم في غضون ايام فقط من زيارة البروفسير غندور فيما يعرف عادة في مثل هذه الحالات (برد الزيارة) وفي الغالب فإن رد الزيارة بهذه السرعة يعني ان الملفات قيد التباحث و يُراد الفراغ منها بسرعة وأن  صانع القرار الامريكي يجري (عملية تشطيب) لمجمل الملفات العالقة.
أو حتى على صعيد الزيارة البالغة الدفئ التى قام بها الرئيس البشير الى دولة الامارات المتحدة والتى إمتدت ليومين نوقشت خلالها هي الاخرى ملفات شديدة الاهمية؛ بغض النظر عن ما وراء ومآلات هذا الحراك الدبلوماسي الكبير، فإن من المؤكد ان السودان يضع خطوات ثابتة على عتبه مرحلة جديدة في محيطه الإقليمي والدولي وهو يقف قبالة استحقاقه الدستوري مطلع ابريل المقبل.
وبالنظر الى هذا التطور النوعي فإن من الممكن قراءة الأوضاع عبر عدة مرتكزات:
أولاً، ربما تكفلت الظروف والتعقيدات الإقليمية والدولية وحدها بإثبات ان نظام الحكم القائم في السودان منذ حوالي ربع قرن من الزمان نظام وسطي معتدل حتى وإن اتخذ في شكله وسياقه العام نهج ثوري لاهب. وربما بدا أن الادارة الأمريكية وبعض حلفائها في المنطقة احتاجوا لحوالي (25) عاماً لقياس درة حرارة المياه في الخرطوم والميل الى قبول السباحة فيها وهذا أمر ربما يرجع في جانب منه لبداية ظهور وانتشار بعض (الاوئبة السياسية) التى تجتاح المنطقة والعالم وهذه الايام المتمثلة فى تنظيم الدولية الاسلامية وبوكو حرام. المقاربات والمقارنات السياسية الاضطرارية في مثل هذه الأمور تتكفل بالوزن والتقييم وتعيد الأمور الى نصابها.
ثانياً، حتى على المستوى العربي والاقليمي، فإن السودان عانى ما عانى من جراء (تصورات نمطية خاطئة) عن طبيعة نظام حكمه، وهي أمور في جزء منها أيضاً تسببت فيه الدعاية ذات المرجعية الصهيونية المعروفة، ولهذا فإن قوة العلاقة الآن بين السودان ومحيطه العربي -الخليج على وجه الخصوص-  مردها الى أن هذا البلد خضع لاختبارات متتابعة وقاسية واحتملها فى جلد وتمكن من إثبات أنه كفؤ لاجتيازها بنجاح.
ثالثاً، بالنسبة للرئيس موسيفيني فإن الرجل معروف بارتباطه (الكاثوليكي) بالاستخبارات الغربية، فهو لا يملك فسحة رسم سياسة خاصة به، كما أن دولة جنوب السودان المثخنة بالجراح لم تعد تروق لواشنطن فى ظل ما بدا أنها استحالة أن ينتصر طرف على طرف هناك.
موسيفيني في الغالب أحيط علماً بالتطور النوعي وربما لن يُمنح أكثر من ذلك، ولكن من المفروغ منه أن واشنطن ربما استفادت من تحسن علاقاتها مع الخرطوم في محاولة وقف النزيف الجنوبي الجنوبي من جهة، وإيجاد حل للحرب فى جنوب كردفان ودارفور من جهة ثانية، والاستعداد لمنع تقدم وانتشار وباء داعش وبوكو حرام فى المنطقة.
وعلى ذلك فإن الولايات المتحدة -وللمرة الثانية- تجد نفسها إن بإمكانها الاعتماد والثقة بالسودان فى مجابهة أمر استراتيجي دولي ولهذا يبدو واضحاً حرصها التام على معالجة كافة الملفات العالقة بين البلدين بأسرع فرصة، وهو ما يمكن ان يستخلص من سياقه العام أنّ تبدلات جذرية ستجري فى الاوضاع في المنطقة المتضرر الحقيقي الأوحد منها -لسوء الحظ- هم المعارضون السودانيون وحملة السلاح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق