الاثنين، 9 مارس 2015

مذكرة اطفال السودان الى واشنطن.. مأزق حقوقي مفاجئ!

مهما كانت درجة رباطة جأش نائب مساعد وزير الخارجية الامريكي لحقوق الانسان والديمقراطية (ستيفن فلدستين) الذي زار الخرطوم قبل ايام واجرى لقاءات عديدة مع عدد من المسئولين السودانيين فى سياق التطورات الايجابية للعلاقات بين الخرطوم وووشنطن؛ مهما كانت رباطة جأش (فلدستين) ورصانته الدبلوماسية، فإن الشاب المتوثب، فوجئ دون أدنى شك ولم يقو على المحافظة على رصانته تلك حين قدم له أطفال السودان مذكرة ضافية حوت إنتقاداً عملياً وموضوعياً للعقوبات الامريكية أحادية الجانب التى تفرضها واشنطن منذ ما يجاوز العقدين على السودان تحت دعاوي وذرائع مختلفة!
وكان واضحاً ان المذكرة التى استحوذت بالفعل على إنتباه المسئول الامريكي وأربكته بصورة واضحة قد ركزت على عدة نقاط منطقية: أولها، أن هذه العقوبات هي في الواقع مفروضة على شعب السودان وليس على الحكومة السودانية. وأشارت المذكرة -بحق- الى الفقرة الثانية من المادة الاولى للعهد الدولي وميثاق الامم المتحدة التى تحظر بصفة قطعية (حرمان شعب من اسباب العيش الخاصة به).
وتشير المذكرة الى ان العقوبات الامريكية قد حرمت شعب وأطفال السودان الحق في الصحة وفي التعليم بمنعها للتقنية الحديثة وإعادة التنمية، ومنع الحصول على الادوية المنقذة للحياة وكافة المعدات الطبية.
ثانياً، العقوبات الامريكية المفروضة على السودان لم تستند على اسباب قوية -على الرغم من ان المواثيق الدولية تشير بوضوح الى عدم جواز انزال مثل هذه العقوبات على الشعوب حيث إن العبارة واضحة فى هذا الصدد حين تنص على: (لا يجوز بأي حال من الاحوال ..ألخ)! ويُستشف من ذلك أنه (مهما كانت الظروف ومهما كان الحال) فإنه لا يجوز حرمان شعب من حقوقه الاساسية المشار اليها.
ثالثاً، تقديم المذكرة بواسطة أطفال السودان مع تبسيط اللغة وإيراد السند الذي تستند اليه كفيل بإبانة خطل هذه العقوبات واستحالة قبول استمرارها خاصة إذا كنا نتحدث عن دولة عظمى فى قامة الولايات المتحدة تملأ العالم ليل نهار بضجيجها عن حقوق الانسان والحريات والديمقراطية.
رابعاً، إن ديمقراطية الولايات المتحدة المزعومة تقتضي منها ان تعرض هذه المذكرة ذات البعد الانساني على شعبها كي يتبيّن كم هي حكومته تستهين بالمواثيق الدولية وتعبث بحقوق شعوب العالم لمجرد اشباع نزواتها السياسية! إذ المؤكد ان شعب الولايات المتحدة لم يمنح تفويضاً لإداراته المتعاقبة لكي تنتهك حقوق شعوب العالم .
وعلى اية حال فإن المذكرة فيما يبدو اصبحت بمثابة (عبء حقوقي)، على واشنطن ان تقرر ما إذا كان يتعين عليها ان تتخلص منه، وتتعاطى مع الواقع، أم تسدر في غيها وتضرب عرض الحائط بالمواثيق الدولية. ولئن طوى نائب مساعد الوزير الامريكي المذكرة بعد ان فرغ من قراءتها -وقد شعر بقوة منطقها- فإن من المؤكد ان الامر سوف يبدأ في إثارة قلق العديد من صناع القرار فى واشنطن، بعد ما تبين ان الخرطوم تمتلك من المهارة ما يؤهلها لمنازلة الدولة العظمى بذات المنطق الحقوقي، وبذات الحجة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق