الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

من مفارقات قرار مجلس السلم الإفريقي الأخير!

هنالك مفارقة بالغة الغرابة في قرار مجلس السلم الإفريقي الأخير المتعلق بحل الأزمة السودانية؛ فمن جانب أول فإن مجلس السلم الإفريقي وبحسب بنود ميثاق الاتحاد الإفريقي لا يملك الحق مطلقاً في التدخل في أزمة داخلية في أي دولة افريقية إلا إذا طلبت تلك الدولة ذلك، أو أن الأزمة كانت تشكل -عبر وقائع واضحة- تهديد جدي للسلم والأمن الإفريقي.
من البديهي أن الحكومة السودانية لم تطلب من مجلس السلم الإفريقي التدخل في الراهن السوداني وليس أدل على ذلك من  أن الحكومة السودانية وبمبادرة خاصة منها -طوعاً واختياراً- طرحت مشروع الحوار الوطني في يناير 2014م، واتخذت الأطروحة تفاعلات عدة حتى تبلورت في الموعد المضروب حالياً في العاشر من أكتوبر المقبل بعد عقد جمعية عمومية للقوى المشاركة عقت ثلاث مرات.
ليس من المألوف في مثل هذه الحالات أن تتدخل أي منظمة إقليمية أو دولية في عملية سياسية سلمية قائمة على إرادة وطنية داخلية، بل على العكس تماماً فإن المنظمات الإقليمية والدولية مطالبة بتشجيع الإرادة الوطنية داخل بلدان القارة لتأسيس إرادة داخلية قادرة على تجاوز الأزمات تقلل بصفة تدريجية من العبء الملقي على عاتق هذه المنظمات.
المنظمات الإقليمية والدولية وجدتا أصلاً لتدفع الجهود الداخلية الوطنية لأي بلد ولا تتدخل إلا في حالة استعصاء الحل وابتعاد المسافة بين الفرقاء. الغريب هنا أن ذات مجلس السلم الإفريقي لم يسع لاتخاذ قرار مماثل بشأن الصراع الجنوبي على الرغم من أن الأخير فاق كل التصورات وبات يتهدد جدياً ليس فقط بإنهيار وتلاشي الدولة الجنوبية ولكن بتعميق الأزمة في دول الإقليم لأنه صراع عبثي قائم على القبلية وحب السيطرة على السلطة والثروة.
مجلس السلم الإفريقي لم يلمس من الفرقاء الجنوبيين أدنى إرادة لحل أزمتهم المتفاقمة، ومع ذلك لم يتحرك على هذا النحو الجاري في السودان! ومن جانب ثاني فإن الاتحاد الإفريقي الذي يتبع له مجلس السلم الإفريقي لديه اعتراف قانوني قاطع بشرعية الحكومة السودانية الحالية وفقاً للانتخابات الأخيرة التي جرت في ابريل 2015م، وهو بهذا يدرك أن عليه أن يضع في اعتباره أصوات الذين صوتوا لصالح الحكومة الحالية باعتبارهم أناس سودانيون يدعمون مشروع الحوار الوطني الذي بادرت به الحكومة السودانية وربما صوتوا لها -خصيصاً- من أجل هذا المشروع كونه مشروعاً سودانياً خالصاً ينبغي أن يعطى الوقت الكافي لتحقيق النتائج المرجوة منه. فهل تحول موقف الاتحاد الإفريقي ليعمل ضد مصلحة أغلبية السودانيين؟ وما هي مصلحة الاتحاد في الوقوف ضد إرادة شعبية كاسحة؟
ومن جهة ثالثة فلنفترض أن هناك قوى سياسية معارضة بالداخل لا توافق على نقل الحوار إلى الخارج وإشراف أطراف إقليمية أو دولية عليه (البعث على سبيل المثال) هل في هذه الحالة يسقط مجلس السلم مواقف ورؤى هذه القوى ولا يضع لها اعتباراً؟ بل أليست هنا النتيجة واحدة، بنقصان الحاضرين للحوار ؟
إذا كان مجلس السلم الإفريقي يتحجج بحق بعض القوى المسلحة والقوى السياسية في حضور الحوار، بمعنى أكثر دقة ووضوحاً ماذا سيفعل مجلس السلم إذا ما وافقت الحكومة السودانية على قراره في حين عارضته قوى داخلية معارضة أخرى؟
وأخيراً فإن مجلس السلم الإفريقي بقراره هذا هل استخدم (معياراً معيناً) ليقيس به أوزان القوى التي تريد أن يجري الحوار في الخارج وبإشراف إقليمي ودولي وتلك التي تقف مع الحل الوطني الداخلي؟ إذا كان للمجلس معياراً بهذا الصدد فهو دون شك أخطأ في النتيجة وهذه مصيبة وإذا لم تكن له معايير، فإن المصيبة بالطبع أعظم وأجل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق