الأحد، 6 سبتمبر 2015

مجلس السلم الإفريقي وخطأ استراتيجي في الأزمة السودانية!

القرار الذي أصدره مجلس الأمن والسلم الإفريقي مؤخراً والذي ألزم خلاله الحكومة السودانية بإبرام اتفاق شامل ينهي الحرب الدائرة في المنطقتين، جنوب كردفان والنيل الأزرق، في غضون 90 يوماً، من الصعب اعتباره قراراً استراتيجياً عملياً.
صحيح إن مجلس السلم الإفريقي هو الأقرب إلى أزمات الدول الإفريقية ومن ثم فهو الأقدر على حل الخلاف بعيداً عن التدويل ومضاره السيئة المعروفة. وصحيح أيضاً أن مجلس الأمن والسلم الإفريقي اجتهد بدرجة ما مؤخراً في إنفاذ اتفاق سلام بدولة الجنوب رغم أن الكثير من المراقبين كان ولا يزال يعتبر أن اتفاق دولة الجنوب سيكون هشاً وقابل للانهيار.
صحيح أيضاً إن مجلس السلم الإفريقي لعب دور مقدر في حل أزمة القوات الدولية التي كان مقرراً جلبها إلى إقليم دارفور ونجح في تخفيف الأزمة بتطعيم هذه القوات بقوات أفريقية تابعة لمجلس السلم الإفريقي فيما عرف حالياً بـ(يوناميد) والتي هي تشكيلة مشتركة نتاج لقوات افريقية وأخرى دولية؛ غير أنه ومع كل هذا فإن مجلس السلم الإفريقي -قبل غيره- هو الأدرى بطبيعة الأزمة الحالية في السودان والمتمثلة في حروب الأطراف المعروفة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وهو على علم تام بأسباب هذا النزاع والطرف المتعنت وأسباب العنت، بل هو على علم بوجود أطراف إقليمية ودولية تؤجج هذا النزاع وتعمل على توسيع نطاقه، فكيف للمجلس -وسط هذه الحقائق الساطعة- أن يصدر قراراً (على طريقة مجلس الأمن الدولي) يلزم فيه الحكومة بطيّ الملف في غضون 90 يوماً وكأن المطلوب من السودان أن يفتح (الثلاجة) ويخرج طعام مجمّد ويقوم بتسخينه ووضعه على المائدة!
إن إشكالات قرارات مجلس السلم الإفريقي في قراره هذا بادية للعيان، وبإمكاننا تعداد هذه الإشكالات في نقاط محددة:
أولاً، فيما يخص المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق فإن هاتين المنطقتين سبق وأن صدر بشأنهما قرار خاض من مجلس الأمن الدولي حض فيها طرفيّ النزاع، الحكومة وقطاع الشمال على التفاوض بمقر الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا.
المفاوضات جرت في عدة جولات ولم تتوصل إلى إتفاق لسبب في غاية الوضوح والبساطة يتمثل في تعنت وعدم رغبة الطرف الآخر المتمثل في قطاع الشمال، في  أكثر من جولة كان وفد قطاع الشمال يعرقل الجولة ويعمل باتجاه فضها.
مجلس السلم على علم دقيق للغاية بأسرار وحقائق الأمر لأنه قريب للغاية من هذه المفاوضات، فهل المطلوب هو الضغط على قطاع الشمال وإجباره على التفاوض بجدية وطرح قضايا حقيقية أم إطلاق ما يشبه الإنذار موجها إلى الحكومة السودانية؟
ثانياً، بالنسبة لإقليم دارفور فإن هناك اتفاقية الدوحة، وهي منبر تم التوافق على كل قضايا دارفور فيه ووقعت عدد من الحركات عليه، بل وأصبح (باباً مفتوحاً) لأي حركة تجنح للسلم لأنه غطى كل نقاط وقضايا الإقليم، فما الذي حال دون أن يوجه مجلس السلم إنذاراته هذه للحركات الدارفورية الرافضة للتفاوض؟ وما هو الذي بوسع الحكومة فعله أكثر من ذلك.
ثالثاً، بالنسبة لبقية المكونات السياسية المعارضة في السودان (قوى المعارضة السلمية) فإن من المعروف أن الحكومة السودانية طرحت قضية الحوار الوطني دون أي شروط مسبقة وتم تشكيل آلية 7+7 الشهيرة كآلية تنسيقية لإدارة الحوار وذلك منذ أكثر من عام، ثم استمرت إجراءات عقد الحوار الوطني وتحدد له العاشر من أكتوبر المقبل، كل هذا أليس كافياً لإثبات حرص وجدية الحكومة، في إنهاء الأزمة؟ هل يعقل أن يُقابل حرص الطرف الحكومي على الحل في مواجهة رفض وتعنت الأطراف الأخرى بهذا الضغط الذي ليس في محله؟
رابعاً، الحركات السودانية المسلحة -كما يعلم مجلس السلم الإفريقي- أصحبت حركات اقرب للقوات المرتزقة التي تقاتل بأجر في دول الجوار، وهو وضع ناتج من كون هذه الحركات لم تكن حريصة مطلقاً لا في السابق ولا الآن على حل الأزمة وبدلاً من أن يوجه مجلس السلم جهوده باتجاه معالجة انحرافات هذه الحركات إذا به يكافئها بأن يوجه ضغطه الكثيف وغير المبرر باتجاه الطرف الحكومي!
إن مجلس السلم الإفريقي بهذا المسلك وضع نفسه فى خانة الطرف المعارض وأعان القوى المعارضة -من حيث لا يحتسب- على مواقفها المتعنتة الرافضة للتفاوض، وهو لعمري ما لم يسبقه عليه مجلس الأمن الدولي نفسهّ!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق