الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

لماذا تتخوف جوبا بشدة من أن يعاملها السودان بالمثل؟

مع أن وزير الخارجية الجنوبي (برنابا مريال) نفى نفياً قاطعاً ضمن محادثات جرت بينه وبين وزير الخارجية السوداني، بروفسير غندور مؤخراً أن يكون أدلى بتصريحات نسبت إليه من أنّ الرئيس السوداني المشير البشير هدد بدعم المعارضة الجنوبية، ومع تأكيدنا هنا استناداً على مصادر مطلعة في الخرطوم إن الرئيس البشير لم يقل هذا الكلام، إلا أن الموقف برمته لديه وجه آخر شديد الأهمية.
فمن جهة أولى، فإن الحكومة الجنوبية تبدو شديدة الحساسية بدرجة مفرطة حيال أي تصريحات سودانية بشأن الصراع الجنوبي الجنوبي! هذه الحساسية بدت في عديد مرات وكأن القادة في جوبا يجهلون تمام الجهل طبيعة الأوضاع في السودان وطريقة تعاطي السودان مع أزمات جيرانه، مع أن هؤلاء القادة الجنوبيين كانوا والى عهد قريب جزء من السودان بما يفرض عليهم الإلمام التام -دون سواهم- بالطبيعة الذهنية والنفسية السودانية التي أبعد ما تكون عن الانتهازية أو استغلال ظروف الآخرين.
هنا فيما يبدو وتظهر بوضوح أسباب الحساسية الجنوبية، إذ يخشى القادة الجنوبيين -كل الخشية- أن يتعامل السودان معهم بالمثل، فتكون النتيجة ثمناً باهظاً بالنظر إلى هشاشة الجيش الشعبي الحكومي وعدم قدرته على حسم الصراع رغم الدعم الذي يتلقاه من الجيش اليوغندي والفصائل السودانية المسلحة، كما يخشى القادة الجنوبيين في ذات الوقت أن يفرض عليهم إلتزاماً يحول بينهم وبين الاستعانة بالفصائل السودانية المسلحة فينكشف ظهرهم أو يقعوا بالكامل في شباك القوات اليوغندية وتصبح دولة الجنوب (حامية عسكرية متقدمة) ليوغندا!
ومن جهة ثانية فإن القادة الجنوبيون يدركون إدراكاً تماماً بأن الحكومة السودانية تدرك تماماً طريقة تفكيرهم وإدارتهم للأمور. بمعنى آخر فإن جهل القادة الجنوبيين بطريقة تفكير القادة السودانيين يقابله العكس تماماً إدراك القادة السودانيون لطريقة تفكير القادة الجنوبيون، وربما كان مرد ذلك  لكون السودان هو الدولة الأم، ولهذا فإن القادة في جوبا يطلقون أحاديثهم وتصريحاتهم الموجهة ضد الخرطوم بلسان يستهدف الرأي العام الدولي والإقليمي وليس سواهم، وهذا بدوره ناتج عن أن قاد جوبا كانوا والى الآن يراهنون على العلاقة المتأرجحة بين المجتمع الدولي والسودان؛ وكون أن المجتمع الدولي يهاجم السودان ويطلق عليه الاتهامات ولن يتوانى في تصديق الاتهامات الجنوبية. أي إن جوبا اتخذت إستراتيجية تسويق تريد من خلالها تأليب المجتمع الدولي على السودان باستمرار ولذات السبب- لا تريد مطلقاً أن تدخل في مواجهة ثنائية مع السودان لأن عدم صحة اتهاماتها للسودان واضحة للغاية، ودعمها للفصائل السودانية الملحة أوضح من الشمس!
ومن جهة ثالثة فإن فشل رهان جوبا على تأليب المجتمع الدولي ضد السودان -وهو ما حدث تماماً الآن بدليل دعم المجتمع الدولي للسودان للإسهام فى حل الأزمة الجنوبية- زاد من تعاسة جوبا، خاصة وان واشنطن الأكثر قرباً من جوبا وأدرى بحقيقة عدم صحة إدعاءات جوبا ضد الخرطوم طلبت معاونة السودان في حل الأزمة الجنوبية بل وهددت الفرقاء الجنوبيين صراحة باتخاذ إجراءات صارمة في مواجهتهم!
هذا التطور الماثل أمام القادة الجنوبيين يثير قلقهم باستمرار لأنه يعني إرتداد السحر على الساحر كما يعني أن حجج جوبا في دعم الفصائل السودانية المسلحة لا تقوم على أساس. وإذا أردنا إيجاز أزمة جوبا الحقيقية فهي تتهم السودان بدعم متمرديها حتى تبرر لنفسها الاستعانة بالفصائل السودانية ولذلك حين يهددها السودان بالعاملة بالمثل تتفاقم مخاوفها وتبلغ شأواً عظيماً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق