الأربعاء، 2 سبتمبر 2015

أهمية وقف إطلاق النار بالنسبة للحركات السودانية المسلحة!

بصرف النظر عن حقيقة الأسباب والنوايا السياسية التي دفعت جبريل إبراهيم لقبول وقف إطلاق النار الذي أقرته الحكومة السودانية مؤخراً، عشية إنعقاد الجمعية العمومية للحوار الوطني، فإن من المؤكد أن حركة جبريل إبراهيم في تلك اللحظة كانت تجرد حسابات دقيقة ونادرة لمجمل وضعها وموقفها على الأرض، ولعل ابلغ دليل على صحة هذه الفرضية أن جبريل اعلن عدم ممانعة حركته في قبول وقف إطلاق النار وهو في طريقه إلى أديس أبابا قادماً من باريس، ومن المنتظر حينها أن يلتقي هو رفاقه من بقية الحركات المسلحة بالرئيس ثامبو أمبيكي تمهيداً لالتحاقهم بالحوار.
ولهذا فإن من السهل جداً استشفاف الأسباب الملحة التي حدت بالرجل لرد التحية بمثلها -إذا جاز العبير- وهي أسباب بلغت من ضغطها على الرجل وحركته مبلغاً لم يجد معه مهرباً من التمسك بحقائق الواقع دون التهويم الكاذب في أحلام وتوقعات تجرجر وراءها باستمرار أذيال الخيبة.
أولاً، من الواضح -و نحن نستصحب الواقع المجرد- أن حركة جبريل فقدت مزايا الميدان بدرجة كبيرة، وهي تعلم -لسوء الحظ- أن خصومها في القوات الحكومية على علم تام بحقيقة وزنها عقب الهزيمة التي حاقت بها في المعركة التاريخية المؤلمة فى (قوز دنقو) التي وقعت في أواخر ابريل الماضي.
وفي الغالب فإن الطرف المهزوم يصعب عليه مغالطة أمر واقع كهذا، بل وحتى ولو غالط فإن تصرفاته تكذب هذه المغالطة باستمرار، ومن ثم لا يجد أمامه سبيل سوى اللجوء إلى البديل الآخر وهو الحوار والتفاوض. والتاريخ يحتشد في طوله وعرضه بمثل هذه الحالات المتكررة المعروفة.
ثانياً، بدا واضحاً لحركة جبريل على وجه الخصوص إن أفضل سانحة لمداراة وزن حركته على الأرض، والنأي قدر الإمكان عن المجادلة في هذا الأمر أن يتم ذلك كله، في خضم حالة حوار أو تفاوض جماعية أو عامة، ينصب الاهتمام فيها على القضايا الكلية الكبرى دون الخوض في تفاصيل كل حركة أو فصيل مسلح بصفة خاصة، ولا شك أن الحوار والتفاوض الذي دارت عجلته يوفر مناخاً مناسباً تتجاوز خلاله حركته مأزقها.
ثالثاً، الحركات الدارفورية المسلحة عموماً، فقدت عنصر المبادرة والمبادأة في إقليم دارفور منذ سنوات فقد بات من السهل مطاردها وإلحاق الهزيمة بها بعد ظهور قوات الدعم السريع على المسرح والتي تتبع ذات تكتيك هذه الحركات القتالي.
وفي الوقت نفسه فقدت هذه الحركات بقدر كبير الدعم الفعال الذي كانت تجده في السابق من جهات وقوى دولية لأسباب متفاوتة لدرجة إن بعض هذه الحركات (حركة مناوي على سبيل المثال) -اضطرت للعمل في دولة الجنوب، ثم انتقلت إلى ليبيا حتى تؤمن لنفسها هذا الدعم أو حتى توفر ما يتيح لها أن تقتات وتعيش! وضع كهذا أفضل منه -بمئات المرات- الجلوس إلى التفاوض ودخول الحوار حتى يمكن التوسل بالسياسة فيما عجزت عنه السلاح وهو ما يجعل من قرار وقف إطلاق النار شيء اقرب إلى عملية الإنقاذ غير المتوقعة وغير المخطط لها.
وعلى ذلك فإن المجتمع الدولي المنشغل تماماً بالصراع الدامي الجاري في دولة الجنوب وكراهيته الواضحة لهذا الصراع، لن يهتم مطلقاً بعد الآن بحركات مسلحة ظلت تقاتل منذ سنوات دون جدوى، وربما أدركت بعض هذه الحركات هذه الحقيقة المريرة أو ربما لم تدركها جيداً، ولكن إجمالاً فإن حاجة هذه الحركات إلى (حل) لأوضاعها وواقعها المزري الراهن يجعل ذلك أمراً لا جدال حوله البتة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق