الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

أطماع موسفيني فـي الجنوب .. الحـلـم القديـم هـل يتجــدد

تقرير: إنعام عامر-
غادر مقعده في هدوء، دون ضجة أو لفت للأنظار.. انسحب الرئيس الأوغندي، يوري موسفيني، بصورة مفاجئة، من الجلسة المغلقة لقمة قادة الهيئة الحكومية للتنمية «إيقاد» التشاورية، التي انطلقت في وقت سابق الأسبوع الماضي باديس ابابا، لبحث مسودة اتفاق بشأن الأزمة بين الفرقاء في جنوب السودان، الأمر الذي اعتبره مراقبون يقلل من فرص نجاح القمة الاستثنائية. وترك انسحابه العديد من التساؤلات والاتهامات، وفي الغضون شككت المعارضة الجنوبية في نوايا الرجل فيما يخص موقفه من المفاوضات، واتهمته بالمراوغة ورغبته في استمرار القتال.
كيف يمكن تصنيف تحركات الرئيس موسفيني في جنوب السودان، هل تتم وفق أجندة ومشروع منطقة «البحيرات العظمى»، أم هي أطماع موسفيني الشخصية التي كشفت عنها تحركات عديدة سابقة لضم الجنوب الذي تساوي مساحته أربعة أضعاف مساحة يوغندا، وتعداد سكانه أقل من يوغندا باعتباره إقليما من أقاليمها، مع الوضع في الاعتبار استفادة يوغندا مادياً واقتصادياً من دولة الجنوب، هذا بجانب نجاحها في تسويق مواردها في السوق الجنوبي، وتصدير الطاقة الكهربائية المائية الى يوغندا.
أطماع إقليمية
واستنادًا إلى قراءات إفريقية فإن النظام الأوغندي لا يخفي طموحاته المختلطة بالمصالح السياسية في الجنوب، حيث أنه يسعى لإقامة )دولة التوتسي الكبرى(، التي يطمع في أن تضم بالإضافة الى أوغندا كلاً من جنوب السودان، وأجزاء من رواندا وبوروندي، وشرق الكونغو الديمقراطية حيث أقلية التوتسي المدعومة من قبل الأنجلوفون والولايات المتحدة؛ في مقابل دولة «الهوتو» المدعومة من الفرانكفون.
ولم يستبعد محللون في أن تتلاقى طموحات موسفيني الاستعمارية التبشيرية مع طموحات الادارة الأمريكية في إطار مشروعه الاستعماري الكبير المعروف باسم «القرن الإفريقي» Great Horn of Africa، والذي يضم إلى جانب «دولة التوتسي الكبرى» دول القرن الإفريقي التقليدية الصومال وجيبوتي، إريتريا وإثيوبيا، بحيث يشكّل هذا المشروع الكبير حائط صدٍّ منيع ضد أية محاولة شمالية لنشر الإسلام جنوب الصحراء. وتشير العديد من التصريحات لموسفيني نفسه إلى انه ظل يسعى لتحقيق طموحه في إقامة امبراطوريته، وربما جاءت بعض الدلائل لكشف نوايا الرئيس الأوغندي وتأليب الرأي العالمي تجاه ما يحدث في الجنوب في اعترافات الخبير الإسرائيلي في الشئون الافريقية الدكتور آريه عوديد الذي يعد من أبرز الدبلوماسيين الإسرائيليين الذين جابوا العديد من الدول الأفريقية، ومن الذين شاركوا في نسج العلاقات الإسرائيلية في القارة السمراء يقول في احدى مؤلفاته«في مؤتمر الأمم المتحدة المعارض للعنصرية، الذى عقد فى دربن «جنوب أفريقيا» في العام 2001، كان الرئيس الأوغندى موسفينى من بين القلائل الذين انتقدوا فى كلمتهم التركيز على النزاع العربى الإسرائيلى، وأشار إلى أن هناك عنصرية أفظع موجودة فى السودان، حيث يقتل مئات الآلاف من الأفارقة على يد الجيش السودانى.«بدأ عوديد عمله الدبلوماسى فى أوغندا منذ العام 1961، وفى السبعينيات كان مسؤولاً عن المصالح الإسرائيلية فى كينيا. وعمل محاضرًا للدراسات الأفريقية فى الجامعة العبرية بالقدس. ونشر العديد من الكتب والمقالات عن العلاقات الإسرائيلية الأفريقية».. يقول عوديد: كان من الطبيعى أن تحصد إسرائيل ثمار هذا الدعم والعلاقات الوطيدة مع أوغندا، ففى الأمم المتحدة على سبيل المثال، أصبحت أوغندا من الدول الأفريقية القليلة التى تمتنع عن التصويت فى القضايا المرتبطة بالصراع الشرق أوسطى. وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2003 عارضت أوغندا مشروع قرار مؤيد للعرب حول القدس، وامتنعت عن التصويت على مطلب بعرض موضوع الجدار الأمنى العازل لإسرائيل في الأراضى الفلسطينية، على المحكمة الدولية. وفي مناسبات مختلفة أعرب موسفيني عن معارضة المقاومة الفلسطينية، واصفاً إياها بالإرهاب وعمل بشدة كبيرة ضد الإسلاميين في بلاده.
وحسب مراقبين فقد سعى موسفيني الى حشد العدة والعتاد لجيشه لتحقيق أطماع توسعيه في منطقة البحيرات بكل السبل، ففي 1997 وقَّعت أوغندا عقدا مع شركة «الصناعات الجوية الإسرائيلية» بقيمة 25 مليون دولار، لتطوير طائرات الميج 21، كما وقَّعت بعدها اتفاقيات أخرى بعشرات الملايين من الدولارات مع شركة «سيلفر شَدو»، المبعوثة للصناعة الجوية في أوغندا.
وفي العام 1999 زار موسفينى الأماكن المقدسة في إسرائيل وزار الأراضي المحتلة. وفي يناير 2003 وصل إلى إسرائيل في ثاني زيارة له بصحبة وزير الدولة للشؤون الأمنية، ومدير عام وزارة الدفاع، ورئيس هيئة الأركان،. أدت تلك الزيارة إلى توطيد العلاقات الأمنية بين الدولتين، وإلى زيادة مشتريات أوغندا العسكرية من إسرائيل.
في يوليو 2005 وجه الرئيس موسفيني دعوة إلى وزير المالية الإسرائيلى آنذاك بنيامين نتنياهو وأفراد عائلته لحضور مراسم عسكرية رسمية، لإزاحة الستار عن النصب التذكاري في مطار عنتيبى إحياءً لذكرى أخيه يوني، وذكرى الإسرائيليين الذين قُتلوا أثناء عملية تحرير الرهائن في عنتيبي عام 1976م.
ويظهر الخبير كيفية استغلال إسرائيل للأوضاع الاقتصادية لدول حوض النيل، وعلى رأسها يوغندا من أجل إقامة علاقات معها، وتسخيرها لخدمة المصالح الإسرائيلية. وكشف الدبلوماسي الإسرائيلي عن طريقة تعامل إسرائيل مع حلفائها أيضاً، من حيث الضغط عليهم لإجبارهم على مواقف معينة، فيشير إلى ذلك قائلا: «يجب أن نشير إلى أن الضغوط التى مارستها الشركات الإسرائيلية التي عملت في أوغندا على الحكومات المتعاقبة».
وسعت يوغندا باكرًا إلى انفصال الجنوب، فعملت على تأسيس علاقات متميزة معه، وهنا أشار خبراء الى انها استغلت غياب قرنق إضافة الى عجزها عن إعطاء اية تفسيرات واضحة لاتهامات الرأي العام والمجتمع الدولي عن كيفية سقوط الطائرة ووقوع حادثة تحطم طائرته. وبدا هنا وصول فرق اوغندية الى مكان الحادث قد ضرب التعتيم على العديد من الحقائق حول الملف.
فعقب انفصال الجنوب كانت أوغندا من أوائل الذين استفادوا من وراء الدولة الجديدة، ففي المجال التجاري على سبيل المثال حققت عائدات مبيعات ضخمة اذ ان البضائع اليوغندية تدخل الجنوب دون أية أذونات جمركية. وفي الغضون اعتبر مراقبون ان الوجود العسكري اليوغندي في الجنوب مثل شكلاً آخر لتلك التجاوزات.
وينظر عسكريون الى انه منذ توقيع البروتكول المشترك بين الحكومة المركزية في الخرطوم واليوغندية في عام 2002م الذي أتاح للجيش اليوغندي مطاردة قوات جيش الرب بقيادة جوزيف كوني داخل جنوب السودان، أخذت القوات اليوغندية في الانتشار في الأراضي السودانية في الجنوب تمارس السلب والنهب والقتل. ورغم انتهاء سريان البروتكول منذ نوفمبر 2005م وعدم تجديد فترته مرة أخرى، إلا ان الجيش اليوغندي ظل موجودا وله تأثيراته على السلطة الناشئة في الجنوب. وأشار محللون الى أن الوجود العسكري اليوغندي أدى الى تبديد الموارد وإعمال عمليات النهب والقتل وغيرها من التجاوزات الاخرى. وبدت يوغندا أكثر طمعا في استثمار موارد الجنوب والتمدد في أراضيه لأسباب عديدة منها الاستفادة الاقتصادية والسياسية بهدف وضع الإقليم تحت السيطرة والأطماع التوسعية لموسفيني نفسه.
ولا يخفى أن أطماع الرئيس موسفيني- المنحدر من أصول توتسية - بتأسيس إمبراطورية يسيطر عليها شعب التوتسي في البحيرات العظمى تقف وراء الموقف الأوغندي من الصراع في المنطقة بما فيها جنوب السودان. على أن الانقسام الذي حدث بين رواندا وأوغندا بعد ذلك يرجع إلى التنافس حول توزيع التركة في أعقاب سقوط نظام الحكم في الكونغو، وينظر مراقبون الى أن وجود دول أفريقية أخرى معارضة لهذه الأطماع الأوغندية يحافظ على خريطة التوازن الإقليمي في المنطقة.
أبعاد دولية
ويؤكد محللون ان الأمر الذي لا يخفى على أحد هو أن الدور الإقليمي، ولا سيما للدول الإفريقية الست«اوغندا، أنجولا، زيمبابوي، وناميبيا، ورواندا، وبوروندي،» هو عامل مهم في فهم خريطة التوازن الإقليمي في هذه المنطقة الغنية بثرواتها المعدنية والطبيعية، ومن ثم يمكن القول: إن البعد الإقليمي هو مكمل للبعد المحلي في الأزمة الراهنة، في المنطقة. ويشيرون إلى انه لا يمكن فهم الصراعات في البحيرات العظمى دون الإشارة إلى الإطار الأجنبي ولا سيما الأوروبي والأمريكي والإسرائيلي، إذ ان من الملاحظ أن سياسة الولايات المتحدة تجاه افريقيا تركز على هذه المنطقة، وذلك من خلال إداتين رئيستين، الأولى هي خلق ودعم بعض القادة الأفارقة الجدد الذين يعملون بشكل أو بآخر على تحقيق المصالح الأمريكية. من بينهم الجنرال بول كاجامي الرجل القوي في رواندا منذ عام 1994 الذي تلقى تدريباته العسكرية في كلية الجيش والأركان بمدينة ليفنورث بولاية كنساس الأمريكية. أما الأداة الثانية فهي طرح مشروع القرن الأفريقي الكبير، الذي يضم ــ إلى جانب دول القرن التقليدية ــ أوغندا والكونغو الديمقراطية ورواندا وبوروندي و «جنوب السودان المستقل»، ويرمي هذا المشروع إلى إنشاء بنية أساسية لمصلحة شركات التعدين والنفط الأمريكية. وتفضي القراءة المدققة للتحرك الأمريكي في المنطقة ــ بغض النظر إلى التأكيد على أن نمط التوازن الإقليمي الذي تحاول الولايات المتحدة ترسيخه في البحيرات العظمى يعتمد أساسًا على نظام حكم الأقليات، أي قادة أفارقة ينتمون إلى جماعات عرقية تشكل أقلية في مجتمعها؛ موسفيني في أوغندا، وكاجامي في رواندا، وزيناوي في أثيوبيا، وأفورقي في إريتريا،.
واستنادا إلى مراقبين، يلحظ أن التنافس الغربي والأمريكي في المنطقة بعد انتهاء الحرب الباردة يدور حول ضمان الوصول إلى مناطق التعدين والثروة الطبيعية، ولا أدل على ذلك من التجارة غير المشروعة في الماس والذهب وتهريب السلاح، التي يتورط فيها رجال أعمال وشركات أوروبية وأمريكية وإسرائيلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق