الأحد، 6 سبتمبر 2015

البشير في الصين..ليست الجنائية وحدها

بقلم: د. سامية علي
مرة اخرى يزور الرئيس عمر حسن البشير، الصين بالرغم من مذكرة الاتهام الصادرة ضده من طرف المحكمة الجنائية الدولية بسبب مزاعم مفادها بأنه مسؤول عن ارتكاب جرائم حرب في دارفور .
بالطبع لم تكن هذه الزيارة الاولى للبشير للصين ،اذ زارها الرئيس بعد صدور التهم ضده ، وزار بلدانا قريبة من السودان لكنه نادرا ما قام بزيارات طويلة كالصين ، ففي خواتيم شهر يونيو من العام 2011، وصل البشير الى بكين بعد رحلة مثيرة، تميزت بتوتر بالغ بعد تراجع دولة تركمانستان عن منحه تصريح مرور لأجواءها ما دفع الرئيس البشير للعودة الى ايران والمغادرة منها الى الصين عبر الأجواء الباكستانية ، هذا الحدث يذكره الجميع جدا لما تبعه من تداعيات.ويذكر الجميع ايضا ما حدث في جوهانسبرج ، عند ما طلبت محكمة في جنوب أفريقيا من الحكومة منع البشير من مغادرة البلاد حينما حضر قمة الاتحاد الأفريقي في جوهانسبيرج في يونيو الماضي ، وكيف ان حكومة جنوب افريقيا تصدت لها ، وقالت في ردها على الاتهامات الموجهة ضدها إن البشير يتمتع بالحصانة لأنه جاء إلى البلد لحضور قمة الاتحاد الأفريقي.
وفي العادة تحصد رحلات الرئيس البشير الى العواصم البعيدة إهتماما متعاظما، باعتبار أن إصراره على السفر يمثل تحديا لقرار المحكمة الجنائية الدولية التي تطالب الدول بالتعاون معها لتوقيفه .وتنشط المنظمات الحقوقية مع كل رحلة خارجية للبشير في إصدار دعوات ومطالبات للدول التي تستضيفه بالإحتكام الى القوانين الدولية وتسليمه ، ومن المؤكد تنشاط تلك المنظمات القانونية بايعاز من الدول التي تتحرش بالسودان وتستهدفه ، وها هى الولايات المتحدة الامريكية قد عبرت عن قلقها تجاه سفر البشير الى الصين ، بالطبع ليس قلقا ايجابيا ، بل للفت نظر تلك المنظمات لتقوم بمهامها الدنيئة . بيد ان الصين التي تربطها علاقات جيدة بل متطورة مع السودان و تمضي الآن باتجاه مستقبل أوسع آفاقا ، ستظل مواقفها ثابتة لن تزحزح ، ولن تثنيها نداءات او حتى تحذيرات اللوبي الغربي، وقد تميزت مسيرة العلاقات بين البلدين منذ قيامها في فبراير 1959، بالاحترام المتبادل والتقدم المطّرد، وشهدت العلاقات السياسية بين السودان والصين تطورات إيجابية هامة عبرت بجلاء عن تعاون لصيق بين البلدين ، تجاه كافة القضايا السياسية التي تهم الطرفين .
ومن جانب السودان أخذت قضية المحكمة الدولية ، والأوضاع في دارفور وسير تنفيذ إتفاقية السلام الشامل بجنوب السودان ، حيزاً كبيراً في إطار التعاون السياسي ويمكن القول بكل ثقة ، إن الموقف الصيني المؤيد للسودان بشأن هذه القضايا ظل ثابتاً وقوياً، فلن تحدث اي تهديدات لزيارة البشير الى بكين كما يريد المرجفون ولا يحزنون.
الصين لم تنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية لكنها عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ، وهى من الدول التي تحرص على اقامة علاقات جيدة ومستمرة مع السودان ، وقد عبر الرئيس الصيني لدى استقباله للبشير عن ذلك بقوله (البشير صديق قديم) ، وتعتبر الصين أكبر مستثمر أجنبي في السودان، كما أن استثماراتها فيه تعد الأكبر على صعيد أفريقيا، حيث تعتمد الصين على السودان، كسادس أكبر مصدر للنفط .

اثر هذا التطورفي العلاقات الاقتصادية جاءت زيارة البشير هذه المرة لاغراض مختلفة ، ليست تحديا للجنائية فقط بل ربما طابعها اقتصادي بجانب الهدف السياسي ، فستوقع الحكومة السودانية عقدا مع شركة صينية لبناء خط جديد للسكة حديد في شرق السودان، يربط مدن هيا، كسلا، القضارف، سنار والدمازين، بطول 1000 كلم سيتم تشغيله إلكترونياً باستخدام الألياف الضوئية في المحطات، ويضم 26 محطة وثلاث ورش للصيانة .الرئيس سيشهد، في بكين ايضا توقيع اتفاق لشراء طائرتين ايرباص من طراز (320) عبر طريقة البيع الإيجاري ، واستجلاب ثلاث طائرات من طراز (16 ) سعة 60 راكباً، لتجربتها في السودان بإشراف صيني. وسيشهد البشير توقيع العقد الخاص بخطوط السكة حديد مع شركة (سي سي اي سي) الصينية، بعد توفير التمويل البالغ ملياراً و400 مليون دولار عن طريق البنك . . بجانب استجلاب قاطرتين للنقل في خط مدني الخرطوم
و الرحلة ستشهد أيضا توقيع اتفاق إطاري مع شركة (بوولي) الصينية لتصنيع تسع بواخر في مجال النقل البحري، اثنتان منها في مجال نقل الركاب واثنتان لنقل الحاويات واثنتان لنقل الغاز واثنتان لنقل الحاويات وأخرى متعددة الأغراض.

فزيارة البشير سيصطاد فيها السودان اكثر من عصفور بحجر واحد ، من المؤكد انها تحديا اخر للجنائية ينضم الى التحديات الاخرى التي ارادت تلك الدول احراج السودان بيد انه خرج منها غانما ، والعصفور الاخر هو كسب المزيد من التطبيع السياسي مع الصين عبر اللقاء الذي تم بين رئيس البلدين وتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية، والعصفور الثالث هو اقتصادي استثماري يتحقق عبر توقيع العديد من الاتفاقيات لتطوير وسائل النقل الثلاث (السكة حديد، الطيران والموانئ البحرية) ، اذن انها زيارة ناجحة بكل المقاييس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق