الأحد، 20 سبتمبر 2015

السودان وعلاقاته الدولية .. توسيع هامش المناورة!

لم يكن أمراً سهلاً أن يدير بلد كالسودان علاقاته الإقليمية في ظل الأوضاع الدولية الراهنة حيث تطارد الولايات المتحدة دون وازع أو حياء مصالحها الخاصة، والخاصة جداً غير عابئة بمقتضيات العلاقات الدولية وفرضية تبادل المصالح والاحترام المتبادل، وحيث تسود أورقة المنظمة الدولية قواعد دولية بالية تسحق الضعفاء وتساند الأقوياء، وحيث تعاني أمم وشعوب العالم التواقة للتقدم عقبات ومصدّات القوى الاستعمارية التي لا تدع أبداً من يود الصعود أن يصعد إلى الأعلى إذا لم تكن لها من وراء ذلك مصلحة عامة.
ولهذا فإن اتجاه السودان في الوقت الراهن باتجاه (البحث عن مصالحه) بكل ما يتطلبه ذلك من مناورة القوى الكبرى أو مسايرة بعضها وعدم اليأس من التحدث بنعومة مع دول أخرى، وهو بلا شك ما بات يتيح له حالياً هامشاً جدياً للغاية للحركة والمناورة.
صحيح إن العالم حالياً يكاد يسود فيه قطب واحد يتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية، وصحيح أيضاً إن تأثير القوى الكبرى الأخرى اقل منها ولكن من المؤكد أن بعض القوى الكبرى وإن لم تصل إلى درجة محاذاة الولايات المتحدة إلا أنها باتت تكتسب أهمية إستراتيجية متزايدة في المعادلة الدولية.
الصين على سبيل المثال قوة دولية صاعدة، وروسيا هي الأخرى قوة دولية صاعدة بقوة وعلى ذلك فإن توجه السودان مؤخراً نحو ترسيخ علاقاته بهاتين القوتين الدوليتين إنما هو بمثابة إستراتيجية إنشاء خطوط متوازية عديدة تفتح باباً واسعاً للخيارات السياسية المطلوبة وهو ما يمكن أن نلحظه بوضوح في النقاط الآتية:
أولاً، توجه السودان نحو توثيق علاقاته الاقتصادية والتجارية مع جمهورية الصين ورفع معدل التعاون بين البلدين يعطي، بل أعطى السودان بالفعل هامشاً جيداً للمناورة، إذ انه ومع إنهمار سيل العقوبات الأحادية الجانب من قبل الولايات المتحدة على السودان منذ قرابة العقدين من الزمان فإن في استعانة السودان بالصين والاتجاه شرقاً مداواة فعلية لهذه العقوبات ومن شأن هذا التوجه أن يجبر واشنطن عاجلاً أم آجلاً على (تدارك) موقفها ومحاولة تصحيحه بحكم الأمر الواقع.
ثانياً، توجه السودان أيضاً نحو موسكو بشأن إمكانية معالجة قضاياه العالقة مع دولة الجنوب (رحلة موسكو الأخيرة) هو كذلك يتيح للسودان إيجاد (بدائل سياسية) في ظل أسلوب واشنطن الأقرب إلى المماطلة والتسويف وسوء النية كلّما تعلق الأمر بعلاقات جوبا الخرطوم.
واشنطن رغم كل ما تقوله علناً وتطرحه صراحة إلا انها لا تبدو جادة وعازمة مطلقاً على ترجمة أقوالها إلى أفعال وحقائق واقع. واشنطن أيضاً ظلت تمارس خداعاً صريحاً مع الخرطوم بشأن التطبيع معه إذ هو أنجز عدداً من مطلوباتها، وظل السودان ينجز تباعاً هذه المطلوبات دون أن تفي هي بوعودها السرابية!
ثالثاً، شعور واشنطن بأن السودان قادر على الفعل السياسي والاقتصادي على المستوى الدولي دون الحاجة إلى الوقوف على بابها هي وحدها منتظراً الإذن له بالدخول هو في حد ذاته بمثابة (نجاح) في وضع حد للحصار الذي تحاول واشنطن فرضه عليها.
السودان في الوقت الراهن ورغم كل المخاطر والتحديات الجسام التي تحيط به بدا على غاية الاستعداد بشأن حلحلة قضاياه مع كافة الأطراف دون أن ينتظر متى وكيف سوف تتشارك معه واشنطن في ذلك.
وهكذا، فإن مجرد توجه هذا البلد لتنويع خطوطه وخياراته والبحث عن طرق حل مشاكله دون التقيد بأي قطب دولي بعينه، وفي الواقع (الترجمة العملية) للقواعد السياسية التي ارتكز عليها هذا  البلد منذ عقدين ونصف، والتي تقوم على عدم وضع البيض كله في سلة قوة دولية بعينها أو ما يسمى اصطلاحاً باستقلال القرار؛ إذ كلما تنوعت خيارات السودان وتعددت علاقاته وإرتباطاته بالعديد من الأقطاب الدولية كلما منحه ذلك مساحة أرحب في الاختيار!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق