الأربعاء، 19 أكتوبر 2016

ما أحوج جوبا لتجربة الخرطوم أنجمينا!

في الوقت الذي قضت فيه أنجمينا ست سنوات فى إطار عمل أمني مشترك مع السودان لترسيخ الاستقرار فى حدود الدولتين الممتدة لحوالي (1350) كيلو متر وأثبتت التجربة -عملياً وبالدليل القاطع- نجاحها وقابليتها للتطور والإستمرار، فى ذات
الوقت قضت جوبا ذات المدة تقريباً وهي تعبث بأمن جارها السودان دون أدنى إكتراث.
الفارق فى سنوات عمر الدولتين تشاد وجنوب السودان فارق كبير بطبيعة الحال ولكن بالمقابل فإن دولة جنوب السودان وباعتبارها دولة وليدة حديثة الولاة والنشأة، كانت وما تزال هي الاكثر حوجة للاستفادة القصوى من التجربة السودانية التشادية فهي تجربة لا تكلف شيئاً وفى الوقت نفسه تحقق للبلدين -كما فعلت بالفعل- قيمة أمنية واستراتيجية لا تقدر بثمن، إذ على الاقل فإن كلتا الدولتين تخففت من أثقال الصرف الأمني والعسكري على حدودهما اضافة الى ان وجود القوات المشتركة طيلة هذه السنوات الست خلق إلفة ما بين هذه القوات فيما يبنها ومن ثم نزع فتيل أي نزاع فى المستقبل بين البلدين مهما كانت دواعيه، وخلق إلفة اكبر بينهما وبين القبائل والمواطنين المقيمين على حدود الدولتين، بحيث أغرى الامر هذه القوات المشتركة للإسهام فى تنمية وتطوير المنطقة -من الجانبين- بإنارة القوى وإمدادها بالمياه وانشاء المراكز الصحية والمستشفيات واعمار المناطق بحركة اجتماعية وتجارب اجتذبت آخرين.
تجربة القوات المشتركة بين السودان وتشاد فى واقع الأمر يمكن اعتبارها أرست حجر أساس متين لعلاقة حسن الجوار والتكامل وتوفير بعض عناصر الوحدة والاندماج. التجربة برمتها كانت ستبدو أقوى وأمتن لجوبا. جوبا لم تكن تملك المقومات الراسخة للدولة والحركة الشعبية الحاكمة هناك لم تكن بالقدر الكافي من التنظيم لكي تدير دولة وتعالج الخلافات وجيشها الشعبي يتقاتل الآن بضراوة لم يستطع صيانة دولته وحمايتها إلا بالاستعانة الكاملة والمخجلة بالقوات اليوغندية التى تم اطلاق يدها في مسرح القتال، تفعل كل ما تستطيع وما يروق لها.
 لو أن جوبا استلهمت تجربة القوات المشتركة مع السودان وهو بالنسبة لها الدولة الوليدة لأغناها ذلك بلا أدنى شك عمّا هي عليه الآن، فعلى الاقل كانت تكون بمأمن عن الصراع الذي اندلع وكان يمكن للسودان ان يسهم إسهامهاً فاعلاً في احتوائه على فرض اندلاعه؛ ومن جهة ثانية فقد كان الوضع الاقتصادي للمواطنين على حدود الدولتين افضل بدلاً من حركة النزوح واللجوء المزرية والمؤسفة حالياً.
الأهم من كل ذلك فإن جوبا كانت ستكون الأكثر ربحاً من تجربة معايشة قواتها غير المنظمة لقوات سودانية نظامية محترفة وترقد على تجربة قرن من الزمان! والمؤلم فيما يخص جوبا أنها راهنت على حركتها الشعبية التى تركتها خلفها فى المنطقتين مع أنها هي نفسها –أي الحركة الشعبية الأم– ثبت ان حاجتها للدعم والتماسك اكبر وأكثر إلحاحاً. هي إذن مأساة قادة الحركة الشعبية فى جوبا الذين لم يستفيدوا من تجارب الآخرين ولن تكن لهم تجربة يؤبه لها ولا يتوانوا فى العبث بأمن الآخرين دون ان يدركوا خطورة إشعال النيران وهم بيوتهم من القش والمواد المحلية السريعة الاشتعال!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق