الاثنين، 31 أكتوبر 2016

دعم جوبا للمتمردين.. أذن في الخرطوم وعين على جوبا

جاء موقف وزارة الخارجية الامريكية الأخير تجاه دعم حكومة جنوب السودان للحركات المسلحة السودانية، قوياً ومتسقاً مع حملة الحكومة السودانية لإنهاء وجود هذه الحركات في دولة جنوب السودان.
وما أثار إنتباه المراقبون في بيان واشنطن أنه جاء بلغة حازمة لاتقبل التأويل، كما أنه وجه رسالة واضحة إلى حكومة جوبا بضرورة قفل ملف احتضان حركات التمرد السودانية، فقد أشار إلى وجود بينات قوية على وجود الحركات داخل دولة جنوب السودان فضلا عن دعم جوبا المادي لها داعياً للكف عن هذا الدعم واحترام قرارات مجلس الأمن الدولي في هذا الشأن، في إشارة الى القرار رقم (2046) لعام 2012م.
وقد وجد ما يمكن أن نسميه “النهج الأمريكي الجديد” في التعاطي مع قضايا الدولتين، وجد ترحيب السودان
الذي انتهز سانحة الموقف الأمريكي لتذكير جوبا مجددا بضرورة الوفاء بتعهداتها والتزاماتها التي أطلقها نائب سلفاكير، تعبان دينق خلال زيارته مؤخرا للخرطوم، والذي وعد بمنع حركات المعارضة المسلحة السودانية من ممارسة أي عمل مسلح ضد السودان وإبعادها من أراضيها.
ولعل دوافع الموقف الأمريكي تحتاج إلى قراءات من أكثر من زاوية، وذلك من واقع التعقيدات التي تخيم على المشهد السياسي والعسكري في جنوب السودان من جهة ، والتطورات الأخيرة في ملف العلاقة بين الخرطوم وواشنطن من جهة أخرى.
بيان واشنطن أشار إلى ضرورة تنفيذ الاتفاقات العديدة التي جرى التوصل إليها بين جوبا والخرطوم حول وقف الدعم للحركات المعارضة من كل طرف، وذكر أن وجود قوات معارضة مسلحة سودانية داخل جنوب السودان ومشاركتها في صراع جنوب السودان الداخلي يساهم في زعزعة كل من السودان وجنوب السودان، وهذا الأمر يمثل خرقا لنصوص إتفاقية حل الصراع في جنوب السودان .
ويفهم مما جاء في البيان أن الولايات المتحدة تخشى من حدوث أي إضطراب في العلاقات بين الخرطوم وجوبا في هذا التوقيت، ربما يدفع السودان لمعاملة جوبا بالمثل بدعم المعارضة الجنوبية المسلحة، وهو ما قد يعقد المشهد الجنوبي المعقد أصلاً، ويربك حسابات واشنطن في التعامل مع الأزمة في جنوب السودان. فالإدارة الأمريكية ما زالت مرتبكة في كيفية التعاطي مع الأوضاع التي قد تقذف بجنوب السودان في أتون الحرب مجدداً.
وقبيل أيام قامت إدارة أوباما بإعفاء دولة جنوب السودان من قائمة الحظر على المساعدات الأمنية الأمريكية بموجب قانون منع تجنيد الأطفال للعام 2008م، وهو ما وجد انتقادات داخلية عنيفة حيث اتهم تقرير نشرته مجلة politico إدارة أوباما بإهدار الفرصة الأخيرة في محاسبة جنوب السودان على جرائمها مشيراً إلى أنه ” من الناحية نظرية فإن الولايات المتحدة تفرض عقوبات على الدول، لكن القانون يتضمن ثغرة تمكن من إعفاء الدول التي تجند الأطفال، وهو ما فعله أوباما بالضبط مع جنوب السودان”.
وأعتبرالتقرير جنوب السودان من أكثر الأمثلة مأساوية حيث فشلت الولايات المتحدة في حماية الأطفال هناك من الأذى والإستغلال والتجنيد، معتبرة إياها من أكثر الدول فساداً في العالم. وأشار إلى ” إستخدام سماسرة السلطة بما فيهم سلفاكير ومشار وقادة الفصائل المتناحرة مواقعهم القيادية في إشعال حرب أهلية لنهب ثروات البلاد وتعريض المواطنين لأسوأ الكوارث الإنسانية على وجه الأرض”، حسب ما جاء في التقرير.
ولعل الإشارة الملتقطة ضمناً في الخرطوم من استثناء جوبا من قائمة الحظر الأمريكية أن تقديم الدعم لحكومة سلفاكير يعني بالضرورة وصول هذه المساعدات الأمنية والعسكرية إلى حلفائها من حركات دارفور المتمردة وقطاع الشمال، ومعلوم أن جوبا تتمسك بوجود هذه المجموعات المتمردة في أراضيها للإستعانة بهم في حربها ضد قوات المعارضة بقيادة نائب الرئيس الأسبق رياك مشار. وقد أشارت التقارير المتداولة في وسائل الإعلام أن جوبا أصدرت توجيهاتها بالفعل لقيادات الحركات السودانية المتمردة بتحريك قواتها إلى عدد من المناطق المضطربة.
أما على صعيد تطور العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، فإن موقف الأخيرة الداعم لمطالبات السودان بإنهاء وجود الحركات المعارضة له، تأتي متسقة مع النقلة النوعية في اسلوب التعامل بين البلدين، خاصة بعد سلسلة الحوارات الأخيرة التي قادتها الخارجية السودانية بنيويورك لحل القضايا العالقة.
ومؤخرا كشف وزير الخارجية ابراهيم غندور عن قرار أمريكي وشيك يسمح باستيراد قطع غيار الطائرات والقطارات، باعتبار ذلك جزءا من الاتفاق بين الخرطوم وواشنطن لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية للسودان. إلا أنه أشار إلى أنه من المبكر الحديث عن رفع نهائي للحصار الاقتصادي الأمريكي المفروض على السودان، لكنه أكد أن الحوار بين الطرفين يسير وفق خطة متفق عليها ومرضية للجانبين.
ويأتي ذلك بعد أن قامت الولايات المتحدة باستثناء الآلات الزراعية والتعليم والمواد الطبية والأدوية من الحظر، إضافة إلى التحويلات المالية الخاصة بالشأن الإنساني.
ورغم هذه التطورات الإيجابية إلا أن إمكانية تطور العلاقات تضعه الحكومة السودانية في محطة بين التفاؤل والتشاؤم، في ظل استمرار وجود السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب واستمرار الحصار إضافة إلى القضايا التي رُفعت ضد السودان في المحاكم الأمريكية، وتحديداً قضية تفجير المدمرة الأمريكية كول في ميناء عدن والذي ظل السودان يؤكد أنه غير معني بها.
وفيما يتعلق بموقف واشنطن من الحوار السوداني فقد صدرت عنها الكثير من الإشارات الإيجابية منذ بدايته بل أنها شجعته وتعهدت بإلحاق الممانعين به، لكن بيانها الذي استبق نهاية الحوار قد أثار حفيظة الخرطوم بعد أن اعتبر ما تم انجازه  “مرحلة أولى” وأن الإنتهاء الحاسم للحوار سيعرقل مفاوضات وقف اطلاق النار مع المعارضة المسلحة واكمال خارطة الطريق الإفريقية. وردت الخرطوم على ذلك الموقف بالقول أنه لم لم يأت بجديد، ووصفته بالموقف الطبيعي للإدارة الأمريكية التي تنادي على الدوام بانتظار الآخرين.
ومؤخراً ثارت مخاوف من أن يلقي تقرير “منظمة العفو الدولية” بشأن استخدام أسلحة كيمياوية في جبل مرة ببدارفور، بآثار سلبية على التقدم البطئ في علاقات البلدين، إذا ما تم الأخذ في الإعتبار أنه تزامن مع إعلان إنتهاء الحرب في دارفور وبدء مرحلة الباء والإعمار.
ورغم إشادة الخرطوم بالموقف الأمريكي من احتضان جوبا للحركات السودانية المتمردة، إلا أنها تدرك أن العلاقة مع واشنطن تمر بمنحنيات الداخل في الولايات المتحدة، وأن الإدارة الأمريكية تضع في حساباتها عند التعامل مع الخرطوم مواقف جماعات الضغط والمجموعات المعادية للسودان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق