الاثنين، 17 أكتوبر 2016

إلى أي مدى نجحت الخرطوم في التغلب على واشنطن دبلوماسياً؟

ربما يبدو للبعض ان السؤال فيه مغالاة ومبالغة، ولكن بالتمعن فى كل المواقف التى سعت واشنطن لمحاصرة الخرطوم فى نطاقها، فإن الخرطوم على ضعفها وتواضع قدراتها بالمقارنة مع الدولة العظمى قطعت شوطاً لا يمكن الاستهانة به فى تفكيك
كل تكتيكات واشنطن وتمزيق حبالها.
ولنأخذ فى هذا الصدد ثلاثة مسارات. المسار الاول المتعلق بالعقوبات ألاقتصادية. من جهة أولى لم تتضعضع مفاصل الدولة السودانية ولم تضعف نظام الحكم القائم ولم تسقطه. واشنطن الآن على إيمان عميق ان النظام القائم حالياً جزء أساسي ومحوري من المعادلة السياسية يستحيل اقصاؤه أو التقليل من وزنه.
ومن جهة ثانية، فإن هذه العقوبات نفسها وعلى سوءها وشدة وطأتها وصعوبة التخلص منها، نجح السودان بدبلوماسية مثابرة فى الحصول على ضوء في آخر النفق برفعها، ليس فقط لأن السودان يمتلك حق القوة، ولكن لأنه امتلك قوة الحق.
هناك الآن عشرات التقارير الامريكية من باحثين ومراكز بحوث التى تؤكد على خطل هذه العقوبات، ولو لم ينجح السودان فعلياً فى زحزحة واشنطن عن موقفها هذا لما بدأت برفع جزئي هنا وهناك ومن حيث لآخر ولما ظهرت توقعات أمريكية بدنو أجل الرفع النهائي.
السودان فى ما يخص العقوبات الامريكية تغلب على الدولة العظمى، أعطاها درساً في الاحتمال والصمود لم تكن تعتقد بإمكانية حدوثه قط. ثم أجبرها على التزحزح عنها وهاهي الآن تبدأ بالتزحزح.
المسار الثاني محكمة الجنايات الدولية، إذ ليس سراً ان المحرك الرئيس لآليات المحكمة ضد السودان هي واشنطن وهي التى وقفت سراً وعلناً وراء القرار 1593 الشهير الصادر فى العام 2005 فيما عرف بقرار إحالة الاوضاع فى دارفور إلى لاهاي. كانت كل رهانات واشنطن حينها وربما الى عهد قريب سقوط لنظام طالما ان رئيسه البشير ملاحق دولياً أو على الاقل إحكام عزله دبلوماسية مريرة على الحكومة حتى تصرخ!
 السودان نجح فى بلورة وخلق موقف جماعي أفريقي لا يجادل أحد أنه بدا (مفاجئاً) لواشنطن. الآن تبدو واشنطن قلقة للغاية من ان يتصاعد الموقف الإفريقي الرافض للمحكمة، إذ أنه ولسوء حظ واشنطن فإن لاهاي لم تجد سوى الأفارقة وحدهم (فئراناً) لتجارب المحكمة وأدرك القادة الافاقة –حتى من تربطهم آصرة إستراتيجية كاثوليكية بواشنطن– إن الأمر يصعب السكوت عليه!
 محكمة الجنايات الدولية الآن خرجت من قائمة الأسلحة الامريكية الموجهة ضد السودان، لقد أبطلَ السودان إبر ضرب النار وأفشل أي إمكانية لإطلاق المقذوف! أما المسار الثالث فهو مسار قوات حفظ السلام (اليوناميد) فعلى فشل وضعف هذه القوات ودعم جدواها، فإن السودان تمكن من استعادة سيطرته على الاوضاع فى اقليم دارفور.
خرجت الحركات المسلحة من الصراع واتجهت لميادين أخرى مغايرة ومجاور. اليوناميد الآن لا تعدو كونها مجرد قوات متمركزة فى دارفور لا تفعل شيئاً وتكلف المجتمع الدولي مليارات الدولارات! السودان الآن يحاول بجرأة وقوة حجة بشأن بحيث استراتيجية الخروج. مجرد طرح السودان طلب كهذا معناه بداية لا بد لها من نهاية لهذه القوات خاصة مع ثبوت تحسن الاوضاع في الاقليم.
مجمل القول ان السودان على اية حال لم يكن ذلك القطر الضعيف المغلوب على أمره، كما بدا لصناع القرار في واشنطن، فهاهو الآن يلاحق واشنطن بمنطق موضوعي وحجج قوية من اجل استرداد حقوقه المشروعة وتأكيد ذكاؤه ومهارته الدبلوماسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق