الاثنين، 27 فبراير 2017

أنشطة التجسس.. “الحبل السري” لتقارير المنظمات الغربية

خلال شهر فبراير الجاري تم الكشف عن العديد من القضايا والأحداث التي تتعلق بأنشطة تجسس يقوم بها أجانب ضد السودان، وعمليات تخابر من عملاء بالداخل مع جهات أجنبية، وهو ما أثار التساؤلات حول أسباب زيادة مثل هذه الأنشطة وأهدافها في ظل تحسن أوضاع السودان الداخلية بشهادة المنظمات الدولية والإقليمية، وكذلك تحسن علاقاته الخارجية خاصة مع الدول التي ساءت علاقاتها مع الخرطوم، مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت مؤخراً برفع العقوبات المفروضة عليه.
خلال الأشهر الماضية أنشغل الرأي العام بمتابعة قضية “مركز تراكس” التي من المقرر أن يصدر فيها قرار قضائي الشهر المقبل. ويواجه مدير المركز وعدد من الموظفين إتهامات بتقويض النظام الدستوري والتعامل مع سفارات أجنبية منظمات مشبوهة.
ومؤخرا كشفت السلطات الأمنية عن ضبط شبكة تخابر تعمل لصالح منظمات أجنبية معادية للسودان. ويلاحظ تشابه حيثيات الإتهامات الموجهة في قضيتي مركز تراكس وشبكة التخابر، ففي كلاهما يتم التواصل مع منظمات أجنبية مشبوهة ومدها بتقارير تخدم حملاتها السالبة الموجهة تجاه السودان، خاصة فيما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان التي تعتبرها المنظمات الغربية مدخلاً مناسباً لإستعداء الراي العام الغربي وكذلك الحكومات الغربية ضد السودان.
وتعتبر هذه الشبكات “الحبل السري” الذي يغذي هذه المنظمات الغربية بما تحتاجه من معلومات وتقارير يتم نسجها في مقار وواجهات يفترض بها القيام للعمل الطوعي، لكن يتم استغلالها لتكون مراكز تنطلق منها عمليات التدريب على جمع المعلومات واستقطاب وتجنيد المعاونين من الولايات واستجلاب شهود الزور.
ودائماً ما يبالغ المتعاونون مع المنظمات في رسم صورة قاتمة ومغايرة للواقع خلال تقاريرهم عن أوضاع حقوق الإنسان خاصة المتعلقة بدارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، لأنهم يدركون أن هذا ما تريده المنظمات الأجنبية وبعض السفارات وبالتالي فإنها ستغدق عليهم بالأموال. كما أن بعضهم يتبرعون بنشر المعلومات الكاذبة عن انتهاكات حقوق الإنسان عبر شبكة الإنترنت، وكذلك محاضر إجتماعات رسمية مفبركة  تتعلق بقضايا أمنية وسياسية، لتعتمد عليها المنظمات في تقاريرها التي تستدر بها الدعم من الجهات المانحة.
وتكشف المعلومات المتداولة حول تمويل هذه الشبكات حقائق صادمة عن حجم الأموال المحولة من المنظمات بالخارج لعملاء الداخل والتي تتخذ طرقاً ملتوية للتمويه، وغالباً ما يتم تحويلها عبر الحسابات الشخصية للأفراد. وقد ضبطت السلطات وثائق تشير إلى تلقى مراكز بالخرطوم لأموال من منظمات محلية بعواصم إفريقية تمثل واجهات للمنظمات الغربية الأم.
مؤخراً تم إدانة التشيكي بيتر جاسيك بالسجن المؤبد بتهمة التجسس لصالح منظمات، دأبت على اختلاق قصص وهمية عن أطفال مصابين بحروق في السودان بدعوى إصابتهم وعثر في حوزة المدان مقاطع وفيديوهات تزعم وجود اضطهاد ديني تمييز عرقي، تنتجها منظمات مسيحية متطرفة مثل “قديسون تحت النيران”، و”تحالف الوصول العظيم” المنتشرة في معظم الدول الأفريقية، فيما ثبت جمعها لمعلومات عن بعض القبائل والشخصيات خصوصا في إقليم جنوب كردفان.
القسيس بيتر جاسيك هو من أهم أعضاء منظومة تنشط في عمليات التنصير بالدول الإسلامية فضلاً عن أنه عضو نشط في التخابر والعمل الاستخباري وأن له صلات بالموساد الإسرائيلي. وأثبتت تقارير استخبارية أنه ظل يقوم بعمل استخباري وأنشطة تهدد أمن الدول التي قام بزيارتها.
فى العام 2015م ألقت السلطات الأمنية القبض على قساوسة من جنوب السودان بتهمة التجسس وقدما للمحاكمة. وثبت من خلال التحريات أن القسيسين ينتميان لمنظمة “تحالف الوصول العظيم” التي يملكها مستر (كليف)، وسبق أن عملا قساوسة بكنائس بالخرطوم قبل أن يتم طردهما بعد أن ثبت تورطهما في عمليات التنصير بالخرطوم. وجهت للقسيسين اتهامات بإشعال الفتنة الدينية وإثارة النعرات بين القبائل والكراهية ضد الطوائف، بجانب بجمع مواد مضرة بأمن البلاد القومي وتسريب المعلومات والتجسس، وذلك بإيعاز من جهات أجنبية وبالاتصال بالمنظمات لدعمهم لبث روح الاضطهاد الديني.
عثر بجهاز اللابتوب الخاص بالمتهم الثاني على معلومات وتقارير تفصيلية عن كل ولايات السودان وإحداثياتها وحتى تعدادها السكاني ونسبة الأمية وتغطية الكهرباء فيها.. بجانب وجود مواد تحوي معلومات مضللة عن حقوق الإنسان ومعلومات لخرط أمنية واستخباراتية ومعلومات سرية بشكل رسم ومقياس دقيق لكل المناطق الصغيرة جداً بالولايات كافة، وكشف عن تناولهم للمناطق والقرى بالولايات عن طريق كود للتحدث بها مع الجهات المعنية.
منظمة “تحالف الوصول العظيم” التي تمت الإشارة إليها تملك شبكة تغطي كل الدول الإفريقية وتقوم بجمع المعلومات وتجنيد عناصر بالتركيز على شخصيات قيادية محددة. كما اتضح أنها تقوم برصد الأنشطة الحكومية العسكرية بمناطق النزاعات. وللمنظمة وجود بجنوب السودان ومعسكر ضخم بشرق الاستوائية يعتبر نقطة انطلاق لدول الإقليم.
حسب الوثائق التي ضبطت بحوزة القساوسة فإنه تم استخدام مصادر لجمع المعلومات تنتمي لإحدى الحركات المتمردة تدين “العرب المسلمين بالسودان والحكومة”، وذلك نظير مبالغ مالية شهرية.
خلال فبراير الجاري تم إطلاق سراح البريطاني فيليب كوكس الذي اعتقل في مدينة الفاشر أواخر يناير بعد دخوله البلاد بطريقة غير شرعية، وثبوت ضلوعه في أنشطة مخطط لها مضرة بالأمن القومي السوداني.
وقام جهاز الأمن بتسليم كوكس إلى سفارة بلاده بالخرطوم بعد عفو رئاسي من المشير عمر البشير رئيس الجمهورية بموجب طلب رسمي تقدمت به الحكومة البريطانية في هذا الخصوص. وكشفت التحقيقات عن تورطه في أنشطة ضارة بالبلاد؛ ليتم نقله إلى الخرطوم؛ لاستكمال التحقيقات، والإجراءات اللازمة، حيث تم إطلاق سراحه بموجب العفو الرئاسي، وبعد إقراره قانونيا وتعهده كتابيا بعدم تكرار ما حدث.
ومن خلال أنشطة التجسس التي تناولها الإعلام مؤخراً يتأكد وجود نشاط تخابري منظم يستهدف السودان، مستخدماً في ذلك أذرع بالداخل تنشط للتعاون مع بعض المنظمات الغربية. وفي ظل يقظة الأجهزة الأمنية التي ضبطت شبكات وأفراد يعملون ضد بلادهم تبقى الحاجة ملحة لحسم مثل هذه الممارسات في الإطار القانوني خاصة أنها تعتبر في دساتير وقوانين الدول ذات السيادة “خيانة عظمى” بإعتبارها تهدف لزعزعة الإستقرار وتعريض الأمن القومي لخطر التدخل الخارجي في شؤونها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق