الاثنين، 27 فبراير 2017

جوبا تقتل وتدمِّر، والخرطوم تغيث وتُطعِم!

بجهود شعبية ورسمية وعبر مبادرة إنسانية خالصة يدفع السودان بمئات الأطنان المترية من الإغاثة و الأطعمة و الحبوب الغذائية للأشقاء في دولة جنوب السودان، بعد أن تسبب الصراع العبثي الدائر هناك بين فرقاء الحركة الشعبية في دمار الدولة
وهلاك بنيتها التحتية وشيوع الفوضى. المبادرة السودانية تجاه الاشقاء في دولة جنوب السودان أملتها سجايا شعب السودان و شعوره النبيل تجاه أشقائه في دولة الجنوب، فقد كان الشعبان حتى وقت قريب يعيشان على ارض واحدة قبل ان تدفع الحركة الشعبية - هؤلاء البؤساء- لاختيار خيار الانفصال ثم تشعل عليهم النار!
موقف السودان الإنساني لن تجد سودانياً واحداً يقف عنده أو يتباهى به، فهو شعور أنساني طبيعي لدى السودانيين! هكذا هم كرماء نبلاء في تعاملهم مع الآخرين. غير ان الأمر من زاوية تحليلية يستوقف أي مراقب، فمن جهة أولى: فإن السودان تسامى فوق جراحه جراء ما ظلت تقوم به الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا، فمن عام الانفصال (العام 2011) لم ينعم السودان باستقرار أمني على حدوده الجنوبية، فقد استضافت الحركة الشعبية كل حملة السلاح من دارفور وجنوب كردفان و النيل الأزرق بدأت في زعزعة استقرار السودان.
 من الغريب ان تعود لتشغل النار من جديد في (البيت الكبير) الذي منحك الحق في أن يصبح لك (بيت خاص)! ومنحك بالفعل بيتاً خاصاً (تسليم مفتاح) ومنحك معه مورد هام، وهو مورد البترول! أليست مفارقة مدهشة ومضحكة، أن القدر المهول من النفط الذي منحه السودان لدولة الجنوب قامت الحكومة الجنوبية باستخدامه في حروب ضد السودان؟
 ثم عاد السودان رغم كل ذلك وبدأ يغيث مواطنيه السابقين في الجنوب بإمدادات غذائية غير عابئ بجراحه وعداء الحركة الشعبية؟ هل هناك دولة في العالم تفعل ذلك بهذه البساطة وبلا شروط ولا ضجيج إعلامي ولا حتى مفاوضات؟
من جهة ثانية: إن الانفصال من الأساس بدا وكأنه لم يكن خياراً شعبياً. ربما كان خياراً شعبياً مصحوباً بعلمية تضليل و تعبئة سياسية عاطفية جياشة. القادة الجنوبيين صوروا لمواطنيهم المساكين ان الشمال السوداني يضطهدهم، ينتهك حقوقهم في الديانة وفى الممارسة السياسية يفرض عليهم أيدلوجيته، لذا عليهم أخذ وطنهم بعيداً ثم ينتظروا ليروا الجنة التى أعدوها لهم والفردوس المنتظر!
 ثالثاً: قادة الحركة الشعبية الآن تلفهم الحيرة ويتقاذفهم الخجل، فقد وصفوا السودان بكل الاوصاف قالوا نه (دول فاشلة)! قالها باقان أموم مراراً وتكراراً والآن يرى من هي الدولة الفاشلة! قالوا إنها دولة اضطهاد والآن يرون كيف يتم اضطهاد القبائل الجنوبية اضطهاداً منهجياً لدرجة الحرب والتصفية!
وهذا معناه ببساطة ان قادة الحركة الشعبية لم يكونوا أفذاذاَ، حكماء، ذوي بصيرة نافذة، كانوا مجرد (غاضبين) حملوا السلاح لمجرد غضب، لم تكن لهم رؤية لبناء دولة ولا ذهنية سياسية معقولة، ولا برنامج سياسي اقتصادي مقبول؛ كانوا حفنة من محترفي القتال يعتقدون ان لديهم بلداً باستطاعتهم ان يحيلوه إلى جنان ورافة. ولكنهم هاهم وتحت سمع وبصر العالم يبدون (عراة) كأمر طبيعي لمن يخدع العالم بأكاذيب اضطهاد الشمال المسلم وأساطير الاضطهاد الديني.
 السودان الآن يدعم و يؤازر مواطني الجنوب، وحكومة الجنوب تدعم وتؤازر حملة السلاح ضد الخرطوم! والعالم ينظر من طرف خفي ووجهه يحمرّ خجلاً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق