الاثنين، 23 يناير 2017

قبل سقوط العاصمة العربية الخامسة.. تقارب “سعودي – سوداني”(تقرير)

تُعد السودان ذات موقع استراتيجي مهم، وتأمين دعمها للسعودية يُقلص النفوذ الإيراني بالقرن الإفريقي ومحيطه، فالسودان لديها سواحل طويلة في الضفة الغربية للبحر الأحمر مقابل السواحل السعودية في الضفة الشرقية للبحر.
ويرى مراقبون أن الرياض لن تقبل بأن تسقط عاصمة عربية خامسة في يد طهران، لذلك تسعى بقوة لإعادة الخرطوم إلى المحور العربي، معتمدة بشكل كبير على نفوذها الاقتصادي، الذي يستطيع إنعاش الاقتصاد السوداني، الذي يُعاني من أزمة حادة.
وفي الآونة الأخيرة، أفلح تقارب العلاقات بين السودان والسعودية في زيادة احتمالات إنعاش اقتصاد السودان، وفي انتقال، وصفه اقتصاديون بالمهم، وجد السودان طريقًا للحصول على تفاهمات استراتيجية تكللت بتوقيع الرئيس السوداني عمر البشير والملك سلمان بن عبدالعزيز، على 4 اتفاقيات لتمويل سدود الشريك، ودال، وكجبار، في شمال السودان، واتفاقية أخرى تقضي بزراعة نحو مليون فدان من الأراضي، على ضفاف نهري عطبرة، وستيت في شرق السودان.
ووفق وزير المالية السوداني، بدر الدين محمود، فإن حجم التمويل المرصود للاتفاقيات الأربع، بلغ مليارًا وربع المليار دولار، إلى جانب توفيره نحو 500 مليون دولار لمشروعات المياه، كما عرض السودان تسهيلات جديدة للمستثمرين السعوديين، الراغبين في تنفيذ مشروعات زراعية وحيوانية في البلاد، تصل إلى منح الأرض المستثمر عليها مجانًا، وأوضح عبدالحميد موسى كاشا، والي ولاية النيل الأبيض، أن الولاية تضع كامل قدراتها الزراعية والحيوانية، أمام المستثمرين السعوديين.
اتفاقات مشتركة
تواصلت فعاليات التمرين البحري «السعودي – السوداني» المشترك «الفلك 2»، الذي ينفذ بالأسطول الغربي بين القوات البحرية الملكية السعودية والقوات المسلحة السودانية ممثلة بقواتها البحرية، وشملت التمارين تنفيذ العديد من التدريبات المشتركة، منها اقتحام إحدى السفن وتفتيشها للتأكد من عدم تهريبها للأسلحة والممنوعات، بمشاركة الوحدات البحرية الخاصة من الجانبين.
أستاذ الاقتصاد في جامعة السودان، عبدالعظيم المهل، يعتقد أن العلاقات السودانية السعودية «أصبحت في أحسن حالاتها، بعد هجرة الأول من الحلف الإيراني إلى الحلف العربي»، معتبرًا أن ذلك من شأنه أن يسهم بقدر كبير في تطور الاقتصاد السوداني إلى الأفضل، ويقول إن هناك نحو 7 مليارات ريال سعودي، هي حجم تحويلات المغتربين السودانيين في المملكة العربية، إلى جانب الاتفاقيات والتحويلات الرسمية الأخرى، «هي جزء من حجم العائدات المالية على الاقتصاد السوداني من السعودية».
ويشير إلى أن الاتفاق الأخير، «ذهب نحو الاستثمار في البنى التحتية، بما يؤكد الرغبة في اتباع نهج جديد لمعالجة مشكلات التنمية في السودان»، مشيرًا إلى ارتفاع الاستثمارات السعودية إلى نحو 22.5 مليار ريال في بعض المشروعات المهمة بالسودان، وتوقع في تعليقه لـ«الجزيرة نت» أن توفر الاتفاقيات الجديدة نحو 370 ألف فرصة عمل في مجال الزراعة، مقارنة بـ13 ألف فرصة عمل توفرها الحكومة السودانية، مشيرًا إلى أن ذلك إذا ما تم تنفيذه بالكامل «فسيكسر حاجز الصادرات إلى السعودية، خصوصًا في مجالات المنتجات الزراعية عالية الجودة».
ويبدي أستاذ المعاملات المالية الإسلامية في جامعة أم درمان، محمد سر الختم، تفاؤله بإمكانية تحقيق الاتفاقيات كثيرًا من المكاسب لاقتصاد البلدين على السواء، ويرى أن التقارب بين الخرطوم والرياض، أيا كانت درجته، سيدفع اقتصادهما إلى النمو، واستفادة كل منهما من قدرات الآخر، كما يرى أن هناك إمكانات سودانية هائلة «تنقصها الإمكانيات المادية»، منوهًا بإمكانية نجاح التجربة «في ظل تدهور الاقتصاد السوداني، بسبب القروض غير المتوازنة التي ظل يتعامل بها سابقا».
العلاقات الاقتصادية
في زيارة للرئيس السوداني عمر البشير للمملكة العربية السعودية في أواخر 2015، رافق البشير في زيارته رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الفريق أول مصطفى عثمان عبيد.
وجاءت الاتفاقيات الـ4 بين حكومة المملكة والسودان، كالتالي: الأولى بمشروع اتفاق إطاري بشأن المشروع الطارئ لمعالجة العجز الكهربائي، محطة كهرباء البحر الأحمر 1000 ميجاوات مع الخط الناقل، وتتعلق الاتفاقية الثانية بمشروع اتفاق إطاري بشأن الإسهام في خطة إزالة العطش في الريف وسقيا الماء، للفترة من 2015 إلى 2020.
والاتفاقية الثالثة مشروع اتفاق بشأن تمويل مشروعات سدود، (كجبار والشُريك ودال)، أما الرابعة فهي لزراعة نحو مليون فدان من الأراضي التي يوفرها سد أعالي نهري عطبرة وستيت، وكانت مصادر سودانية أكدت في وقت سابق، أن السعودية وعدت الخرطوم بضخ استثمارات ضخمة في القطاع الزراعي السوداني، وقدرت ذات المصادر هذه الاستثمارات بما لا يقل عن 300 مليار دولار.
لماذا يتقارب السودان مع السعودية؟
يرى مراقبون أن السودان سعى للاقتراب أكثر من السعودية ودول الخليج في مقابل مزيد من التباعد عن حلفائه القدامى، وعلى رأسهم إيران التي باتت العلاقة معها وفق كثير من السياسيين السودانيين عبئًا على الخرطوم، وكانت أحد أسباب استمرار حصار السودان وعزلته سياسيًّا والضغط عليه اقتصاديًّا، فجاء التحول في الموقف السوداني من الصراع «السعودي – الإيراني» في المنطقة، وفق ما يسميه البعض بـ«التكيُّف المرِن» مع المتغيرات في موازين القوى في المنطقة.
ويرى محللون أن أهمها الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها السودان حاليًا، في ظلِّ الحصار والعقوبات الأمريكية وتراجع الاستثمارات الخارجية، وخصوصًا الخليجية منها، والإجراءات العقابية التي فرضتها السعودية ودول خليجية أخرى ردًّا على التقارب «السوداني – الإيراني»، وانفصال الجنوب، حيث أدَّى ذلك لفقدان السودان نحو 75% من عائداته النفطية؛ ما أسهم في تفاقم أزمة الدَّيْن الداخلي وتراجع حاد في سعر صرف الجنيه السوداني.
وفي المقابل، لم تقدم إيران الدعم الاقتصادي الذي كانت تنتظره الخرطوم، بل إن البشير وجَّه انتقادات لطهران في هذا الصدد عاقدًا مقارنة بين ما قدمته السعودية وما قدمته طهران، التي أدركت الخرطوم أنها لا يمكن أن تكون الظهير الاقتصادي الذي يحتاجه السودان لمواجهة أزماته الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة، بحسب مراقبين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق