الاثنين، 27 مارس 2017

إستراتيجية السودان في علاقته مع مصر!

في كل الأزمات التي ظلت تواجه السودان فى علاقته الإستراتجية مع كل جيرانه عموماً وجارته الشقيقة مصر على وجه الخصوص. هناك دائماً درجة إستراتيجية ملموسة في تعاطي السودان مع الازمة دبلوماسياً وإعلامياً.
هناك دائماً تعقلاً سودانياً و هدوء ورزانة في العقل الدبلوماسي والإعلامي السوداني. ربما كان مرد ذلك إلى ان السودان فى أعرافه وتقاليد أهله يحتمل الجار تجسيداً لمقولة الرسول الكريم (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). والشاعر السوداني المعروف -الذي قد يعرفه قلة من المثقفين في الشقيقة مصر- إسماعيل حسن قام بتلخيص وجدان الانسان السوداني و سياسته تجاه جيرانه في قصيدة غنائية وطنية يحفظها غالب السودانيين عن ظهر قلب (يموتوا عشان حقوق الجار) والعبارة بكل بلاغتها وروعتها تجسد معنى بسيطاً (ان السوداني ليس مستعداً للموت من اجل حقه هو فقط وإنما هو مستعد للموت أيضاً من أجل حقوق جاره)!
 وهذه الصفات السودانية قل ان يحتفي بها ويباهي بها السودانيون فهي مؤصلة بالفطرة فيهم، ولهذا كان من الطبيعي ان تشخص هذه الصفات في الدبلوماسية السودانية الرسمية والشعبية وفي الاعلام السوداني عموماً عاماً ورسمياً كان أم خاصاً.
لقد انتهج السودان هذا المنهج لترسيخ قيم تنضح بداخله وليس خوفاً من أحد أو ملقاً لأحد او حرصاً على مصالح محتمله. ولهذا فإن السودان حين بدأ بإبداء إمتعاضه الواضح من هجوم الاعلام المصري عليه والحملة الجائرة -للاسف الشديد- التى تأتيه من شمال الوادي، إنما أراد ان يوصل رسالة للاعلام المصري –رسمياً أو خاصاً ان هذا الهجوم لا يخدم شعب مصر قط و بطبيعة الحال لا يخدم العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
مصر فى حاجة ماسة جداً للسودان و السودان عمق استراتجيي لمصر. و طبيعة شعب السودان انه كريم و حليم و لا يقبل لمجاراة أحد في ذم أو قدح و لا شتم و إساءة إذ ان (كل إناء بما فيه ينضح)، ولهذا فإن كل دول الجوار التى نازعت مع السودان بأسباب واهية و إتهامات مضحكة، عادت وأدركت انها كانت مخطئة!
الجارة الشقيقة تشاد فعلت ذلك ثم عادت بعدما استوعبت طبيعة السودان وقيمه! ارتريا فعلت الشيء نفس، فأحمرّ وجهها خجلاً فتراجعت. يوغندا كانت خاضت في ذات المياه وبدأت لتوها تدرك ان السودان كان يحمل أثقال الجنوب على ظهره دون ان يصرخ بينما كمبالا الآن تصرخ مما يجري بين الفرقاء الجنوبيين. دولة جنوب السودان نفسها -على حداثتها- جربت معاداة شعب السودان ومحاولة النيل منه و تعكير صفو حياته وهاهو السودان يفتح حدوده على مصراعيها -دون من أو أذى- لشعب الجنوب واللاجئين الفارين من جحيم حكومتهم!
شعب جنوب السودان أدرك بشهادة موثقة انه (جزء لا يتجزأ) من شعب السودان و ان اختياره الانفصال كان خطأ. إذن هذه هي الركائز السياسية الأساسية للسودان في علاقاته بجيرانه، لا يؤذي ولا يبادر بخطأ، و لا يجاري خطأ الجريان. الاعلام المصري- في ظل غياب الرشد السياسي- ما إنفك يتعارك في الهواء مع شعب السودان، يقلل من قيمة السودان وقيمه التاريخية، يستهزئ بالتاريخ السوداني دون أن يدرك ان (الوادي واحد) وان مستقبل مصر في السودان!
 وإذا جاز لنا أن نسأل ونتساءل ونحن ننظر بنظر إستراتيجية للدولتين الجارتين، فإن السودان على اية حال يمتلك (حزب حاكم) له قيم ومبادئ و أحزاب متحالفه معه، وأحزاب معارضة، ونظام سياسي متكامل، فهل وجود (فراغ عريض) في الشقيقة مصر هو سبب في هذا الانفلات الإعلامي و الطيش السياسي غير المنضبط؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق