الاثنين، 11 يناير 2016

الجنوب.. بتوقيت الثانية حربا

بقلم: وليد العوض
خمس سنين عاشتها تجربة الانفصال ذكرى بلدين وحروب ونزوح ولجوء واقتصاد الجنيهات العائمة والغاطسة وذكريات ضمنا الوادي فمن يفصلنا، والوادي هذا صار منطقة لحرب السدود، والذي لا يفصلنا الآن هو وادي البترول، وهو غير ذي زرع، وتحوم حوله نسور الحرب في الجنوب لتجفيف حلقوم السودان. خمس سنوات ما بين الحرب واللجوء وإغلاق الحدود والتمرد وتقسيم الأقاليم لاستيعاب تمرد وتململ القبائل الجنوبية، وأخيرا اتفاق سلام بين الإخوة الأعداء قيد التنفيذ، وفي الخامسة هذه سلفاكير يعتذر لشعب الجنوب عن الحرب والدمار بتوقيت الثانية حربا والخارجية، هنا قبل أسبوع تورد خسائر خطوة إغلاق الحدود بين البلدين بعد دعم الجنوب وإيوائه لحركات متمردة وبرنابا وزير خارجية الجنوب يحتفل بالذكرى الستين من استقلالنا والـ (45) سنة من الحرب والدمار،  ويشاطرنا الأحزان، ولا يحمل رسالة اعتذار عن تلك الحرب التي أشعلوها وأورثوها لقوم آخرين، وهناك في واشنطن نشرت رسائل البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلنتون تتهم فيه الحكومة السودانية بالتنسيق مع منشقين من الحركة الشعبية لافتعال نزاع في أبيي، وتحذيرات من الدخول في حرب مع الجنوب، وهذه التسريبات عند مقارنتها بالواقع أن حرب فصيلي الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب بلغت تأثيراتها على 4.000.000 نسمة ما قيمته 1.8 مليار دولار، وهي ضرورات عمل إنساني فقط وأن الحرب حتى 2015 تكلف الجنوب 22 مليار دولار خلال خمس سنوات أخرى قادمات وتأثيرات تلك الحرب على دول الجوار 53 ملياراً والسودان الجوار الأكثر تأثرا إذا أخذنا انعكاسات إغلاق الحدود وحسب تقديرات وزارة الخارجية السودانية بـ 7 مليارات.
في الرابعة بتوقيت جوبا ينجح الوسيط الأفريقي في اتفاق سلفا مشار وفي الستين بتوقيت الخرطوم هنالك مؤشرات لسلام شامل وجامع ينهي الحرب، ورغم اعتقادي الجازم أن الاستقرار في البلدين يقوم على التناسب العكسي أنه كلما كان الجنوب مستقرا كان السودان ملتهبا، وكلما التهب الجنوب توقفت الحرب في السودان من أجل إنقاذ الجنوب، وهذه فلسفة المجتمع الدولي أو منطق فصل جنوب السودان، ولو أن عباقرة الحرب والسلام أرادوا للسودان أن يكون مستقرا لما كانت البندقية تعوي في كل الجبهات نحو 45 سنة، ولو أنهم يبحثون عن تنمية مستدامة لما أحرقت دارفور عبر منظمات أنقذوا دارفور وأقمار كلوني وأزمات بندرقاست الدولية ووليبيا القذافي تصب الزيت على نار الحرب لتصبح كمسرجة المجوس لا تنطفئ ومقدسة،. وعلى هذا المنطق، فإن استقرار العلاقة بين السودان وجنوب السودان لا تحقق إلا بإرادة قوية ومتينة من قيادة البلدين بعيدة عن سيرة الحرب وتاريخها الأليم بمساعدة من المجتمع المدني، وأظن أن مآلات الحرب ما بين ستينية السودان وخماسية الجنوب تطل عمليات التسوية هنا وهناك، وأن الحرب القديمة هي ما صنعت فينا الحرب الآن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق