الثلاثاء، 12 يناير 2016

غندور والسيسي.. النوايا والظنون

بقلمك جمال علي حسن
المبدأ العام لبناء العلاقات وترسيخها وتطويرها بين أي طرفين هو توفر رغبة مشتركة من الطرفين لبناء تلك العلاقات وتطويرها، وهذه الرغبة مرتبطة بشكل كبير بحجم المصالح والمكاسب التي يجنيها كل طرف من هذه العلاقة .
بهذا المفهوم العام للعلاقات نجد أن عناصر بناء وتطوير علاقات السودان مع مصر متوافرة وفق هذه المعايير بين دولتين جارتين يسقيهما نيل واحد وعلاقات تاريخية ومصالح ومنافع كبيرة جداً للطرفين في مقابل خسارة أكيدة وحسرة كاملة في حالة تخريب هذه العلاقات، وهذا هو المدخل المتكرر الذي تعاود الدبلوماسية السودانية التردد عبره في تعاطيها مع هذا الملف، متحلية بأعلى درجات ضبط النفس والوعي بأهمية هذه العلاقات وقابلية تجاوز ما يمكن تجاوزه من ممارسات عبثية وتصرفات غريبة وسلوك عدائي غير مبرر تنتجه دوائر شعبية ورسمية ونخبوية أيضاً في مصر، لا يليق بالوعي المفترض داخل دولة لها تاريخها وكسبها الحضاري ودورها المهم في المنطقة .
زيارة غندور للقاهرة ورسالة البشير للسيسي هي تأكيد جديد لتمسك السودان بتفادي ما يمكن تفاديه من المطبات المصطنعة التي تضعها دوائر العداء والتخريب والعبث بهذه العلاقات من جانب مصر على الطريق .
لكن هذا السلوك السياسي والدبلوماسي الحليم والمتسامح والإيجابي من جانب السودان لا سبيل لاستمراره دون تخصيب ناجح ومعاشرة كاملة في أجواء من الثقة المتبادلة والطمأنينة لنوايا الطرفين تجاه بعضهما البعض عبر سلوك عملي وليس مجرد كلام وحكي وعبارات معسولة من طرف اللسان .
غندور جاء بيد بيضاء متجاوزاً سخافات أحداث القاهرة الأخيرة بعد إطلاق بعض عطور تلطيف الأجواء بزيارات وفود شعبية مصرية وتعبئة قارورة حسن النوايا من جديد، تجاوز السودان هذا الملف لأنه ملف قابل للتجاوز بشروط محددة يمكن قبول ما توفر منها على أن لا تتكرر مثل هذه الأحداث .
لكن تظل أجواء تخصيب العلاقات السودانية المصرية وانطلاقها تشترط شيئين أساسيين الأول هو قدرة مصر على استئصال وإزالة حواجز الشكوك وعدم الثقة في موقف السودان تجاه النظام المصري وطرد وساوس إحتضان السودان ورعايته للمعارضة الإخوانية، لأنها فرية كبيرة أوجدتها مصر في خيالها وشيدتها صروحاً من الظن والتوهمات ثم عادت وصدقتها وفتحت المجال أمام إعلام ارتزاقي مصري أبله لتغذيتها وتضخيمها واستخدامها لتحريض المصريين على السودان .
أما الشرط الثاني فهو الذي يرتبط لملف حلايب وشلاتين وأبو رماد، هذه الأرض السودانية التي تستولي عليها مصر وهو ملف حدودي سيادي لا يمكن تجاوزه أو تناسيه أو التنازل عنه مهما تكن الظروف. وكما قال غندور للسيسي إن حل مسألة حلايب ليس عبر وضع اليد أو فرض الأمر الواقع ولكن من خلال الحوار الذي من شأنه أن يقود إلى تفاهم مشترك أو يفضي إلى اللجوء للمؤسسات الدولية المعنية لحلها .
ونحن ـ السودانيين ـ نقبل بالتفاهم حول هذا الملف ونرضا بحكم القضاء الدولي لأننا على ثقة بحقنا الثابت في هذه الأرض لكننا لا نرضخ بأي حال من الأحوال لسياسة فرض الأمر الواقع .
والسودان ليس مسؤولاً عن توفيق موقف الحكومة المصرية مع الرأي العام الداخلي في مصر والذي كونته وحشدته الأنظمة المصرية في قضية حلايب ثم عادت وشعرت لاحقاً بحجم الورطة التي أوقعت نفسها فيها بكونها لم تعد قادرة على إقناع المصريين بأن كل الإنتاج الإعلامي والتصريحات الرسمية المصرية حول حلايب وشلاتين كانت لعبة سياسية لتشكيل ضغوط على السودان في مرحلة من المراحل مع اليقين الكامل في دخيلة أنفسهم بأن حلايب وشلاتين أرض سودانية مائة بالمائة، لكنهم الآن يخشون حتى من إحالة ملفها للقضاء الدولي لعلمهم بعدم امتلاكهم أية أدلة أو وثائق مقنعة لإثبات حقهم في هذه الأرض السودانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق