الاثنين، 4 يناير 2016

حركة العدل والمساواة.. مأزق المغادرة!

إنعام عامر-

بمدينة استرسبورغ وعلى حدود فرنسا وبلجيكا.. التوقيت قبل سنة وبضعة اشهر، بدت الحركة هناك غير طبيعية خارج أسوار ذلك المبنى في وسط المدينة.. وربما بدت الأحوال داخل القاعة الكبرى كذلك. خلال نصف ساعة فقط منحت لمؤتمره الصحفي بمبنى البرلمان الأوربي، وكانت هي السانحة الثانية له، راهن جبريل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة هناك على وحدة المعارضة السودانية بشقيها السياسي والعسكري. بيد أنه لم يستطع الحفاظ على وحدة حركته من داء الانشقاقات. ذات النغمة ظلت ترددها الحركات المسلحة في المحافل الدولية كل ما أوتيت من فرص. إلا ان الواقع الذي يبدو الآن غير ذلك. بدت الحركات المسلحة في مأزق حقيقي بسبب تراجعها في الميدان الأمر الذي يفقدها وزنها السياسي ما يعني أن الخيارات أمامها لم تعد عديدة الآن بسبب لعنة لهزائم التي تلاحقها.

في الميدان
ميدانياً، تبدوحركة العدل والمساواة في وضع لا تحسد عليه، وهي تتحصن الآن في دولة الجنوب بمنطقة «راجا» شمال بحر الغزال، بعدما فقدت ثقلها في الميدان عقب معركة «قوز دنقو» الشهيرة وقبلها هزيمتها التأريخية في ما اسمته عملية «الذراع الطويل» على مشارف مدينة أم درمان في العام 2008م، واستطاعت القوات الحكومية أن تنجح في محاصرة العدل والمساواة على مشارف أم درمان وتمكنت من تدمير متحركاتها وهزيمتها.. وعقب عملية «الذراع الطويل» تقطعت السبل بحركة العدل والمساواة ولم يعد بمقدور قادتها الميدانيين تكرار المحاولة ثانية، ونكبت الحركة تباعا ًعقب مقتل قائدها الدكتور خليل في اواخر العام 2011م.. وتوالت الهزائم على الحركة عند محاولتها دخول نيالا بجنوب دارفور قدوماً من دولة جنوب السودان، أنزلت القوات الحكومية بالعدل والمساواة أكبر هزيمة عسكرية.
وسعت الهزائم التي تعرضت لها العدل والمساواة من هوة الانشقاقات داخل جسم الحركة بسبب الخلاف الذي نشب بين القادة السياسيين والميدانيين حول الخطة والمعايير العسكرية التي قادت رئيس الحركة الى المجازفة بالقوات التي ظلت تتناقص بسبب الانشقاقات المتكررة. لتبدو الصورة داخل مؤسسات الحركة ضبابية مرة اخرى، ويذهب حديث زعيمها عن التماسك والوحدة أدراج الرياح. ودون النظر إلى مآلات الأوضاع شرعت قيادتها في إجراء ترتيبات إدارية بحيث تصبح دولة جنوب السودان مقرًا لحركتها في ظل صعوبات بالغة تواجهها داخل الأراضي السودانية جراء الضربات والهزائم الموجعة التي منيت بها من قبل القوات المسلحة. لم يكن أمام جبريل خيار سوى دولة الجنوب بعدما وجد سلفا كير ضالته في إيواء الحركة وبقايا قواتها. شكل الجنوب ساحة جيدة للحركة لإعادة بناء وتنظيم قواتها والبحث عن فرص لتلقي الدعم من مال وسلاح من دول بعضها مجاور. إلا ان الثمن بالنسبة للحركة كان باهظاً، إذ كان عليها مقابل ذلك القتال جنبا ًالى جنب مع قوات كير وربما بالإنابة عنه في بعض الأحوال في حربه مع المعارضة ضد خصمه في الميدان مشار الذي لم يتوان في إعلان ان اية قوات أجنبية هي هدف مشروع ومستهدف من قبل قواته، في إشارة الى قوات العدل والمساواة التي تقاتل الى جانب كير . وتبدوالصفحة هنا غير مشرفة بالنسبة لحركة العدل والمساواة التي ظلت تنادي بشعارات في اطار مبادئ رفعتها وقاتلت من أجلها لتفتح باب الارتزاق واسعًا أمام قواتها وقادتها في الميدان ما أفقدها العديد من تلك القوات. الأمر الذي دفع قادة الميدان إلى التململ والانشقاق عنها. وأكدوا أن الحركة تحولت إلى شركة للمقاولات القتالية تعمل مع الحكومات مقابل أموال ومصالح تجارية في إشارة الى مشاركة حركة العدل والمساواة في الحرب بكل من ليبيا ودولة جنوب السودان. وكشفت قيادات منشقة عن الحركة عن توجيهات أصدرها رئيس الحركة لنائب القائد العام بالتدخل السريع والقتال لصالح قوات رئيس دولة الجنوب عقب اندلاع التمرد في دولة جنوب السودان، وأبانوا أن مقاتلي الحركة استباحوا مدينتي بانتيو، وربكونا. وأشار مراقبون الى ان تلك العمليات التي خاضتها الحركة في دولة الجنوب أفقدتها سندها الدولي الذي تعتمد عليه بشكل رئيس مثلما أفقدتها قواتها بسبب إقحامها في أتون حرب أهلية لا طرف لها فيها. وتبدو هنا الأرضية التي تقف عليها الحركة مهتزة بعض الشيء. فالأحوال في دولة الجنوب لا تبدو مستقرة وتتفاقم أوضاعه يوماً بعد يوم بسبب الحرب ما قد يدعو المجتمع الدولي الى التدخل بأي من الأشكال عقب تفاقم الأوضاع الإنسانية هناك، الأمر الذي لا يبدو في صالح الحركة وقواتها التي أصبحت تحسب كجزء من الأزمة هناك. ومن جهة أخرى لن تتوانى جوبا سلفا كير في طرد الحركة من الجنوب حال وقوفها وحركات دارفور حجر عثرة في طريق إبرام اي اتفاق مع المعارضة برئاسة مشار الأمر الذي لوحت به جوبا اكثر من مرة، أو حال وصولها الى تفاهمات مع الخرطوم واية تسويات للملفات العالقة بينهما.
وتحسباً لسيناريوهات عديدة، بحثت قيادة الحركة عقب لقاء لها بمناوي مؤخراً في العاصمة اليوغندية كمبالا، سبل «تأمين» مناطق ارتكاز حصينة لما تبقى من قواتهما التي انهكتها الحرب الأهلية في دولة الجنوب. وتأتي الخطوة في إطار توقع فرضية طردها من جوبا ومنطقة راجا التي تتحصن فيها.
انتقادات واسعة
ورغم مناداة الحركة على الدوام بنظام فدرالي ديمقراطي كنظام لحكم البلاد، إلا ان انتقادات واسعة وجهت إليها بسبب إمساك زعيمها مقاليد الأمور داخل مؤسسات الحركة في يده. وبدا إهمال القوات في الميدان وغياب الشفافية وعدم وضوح الرؤية المستقبلية للحركة حالة لا تحتاج الى إثبات. وحسب مراقبون فإن التركيبة البنيوية للحركة على الأسس الجهوية أفقدتها الحصانة ضد الانشقاقات التي ظلت تأكل في جسدها، منذ العام 2004م كان أبرزها الخلاف الذي دفع عبد الله جبريل للانشقاق وتكوين الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية أعقبه خرج إبراهيم يحيى الذي كان يشغل منصب رئيس المجلس التشريعي لحركة العدل والمساواة منذ تأسيسها، وفي العام 2005م انشق محمد صالح حربة، وفي عام 2006م أعلن إدريس أزرق انشقاقه ومجموعته بأديس أبابا، اعقبه انشقاق كل من بحر إدريس أبو قردة وتاج الدين نيام، من القيادات الميدانية للحركة وانضمامهما الى حركة التحرير والعدالة بقيادة التجاني سيسي الذي وقع اتفاقاً مع الحكومة بالدوحة كفصيل دارفوري. لم تتوقف موجة تشظي الحركة عند هذا الحد وتبعتها انشقاقات عديدة، ففي فبراير 2007م قاد عبد المجيد دودة ومجموعة من أبناء قبيلة «الأرنقا» انشقاقاً داخل حركة العدل والمساواة، بسبب خلافات سياسية وعسكرية حادة وسط قيادة الحركة بمنطقة «جبل مون» بمحلية كلبس، ووقعت هذه المجموعة ايضاً اتفاقاً مع الحكومة. وانفجر خلال مارس الماضي ما يشير الى وجود أزمة داخل الحركة، عقب إصدار رئيسها قرارات باعتقال عدد من قيادات الحركة بتهمة التدبير لانقلاب ضد قيادته، فيما اعتبر مراقبون أن الاعتقال جاء رداً على اعتراضات وانتقادات وجهها المعتقلون لزعيم الحركة بسبب طريقة إدارته لها. وخلال مايو الماضي أعلنت مجموعة انشقاقها عن الحركة وانضمامها لمسيرة السلام بالبلاد، واعترفت أن الحركة انحرفت عن مسارها وتحولت إلى منظومة ديكتاتورية تتخذ فيها القرارات المصيرية بصورة منفردة دون علم أو استشارة أي من هياكل الحركة المتمثلة في المجلس التشريعي، المكتب التنفيذي والمؤتمر العام.
إعادة هيكلة
وتقول قيادات منشقة، من الصعب إعادة هيكلة الحركة العسكرية والتنظيمية بعد العواصف والهزائم التي تعرضت لها وفقدان الكادر البشري القتالي المدرب، ويذهب مراقبون الى ان انشقاق القادة الميدانيين من الحركة أثر سلباً على العمل العسكري وعلى أداء الحركة في الميدان، فيما يبدو وزنها السياسي الآن ضئيلاً بسبب تراجع وزنها العسكري الذي فقدته والذي كانت تعمل على تقويته من خلال العمل الميداني.ما يرجح جنوح الحركة الآن الى الجلوس والتفاوض مع الحكومة التي تستند إلى موقف قوي في الميدان وتكاد تسيطر على الأوضاع فيه. وربما تسلك الحركة ذلك الطريق تكتيكياً اذ تشير قراءة مواقفها تجاه ملف السلام الى غير ذلك، إذ أنها ترفض التفاوض على أساس الدوحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق