الثلاثاء، 19 يناير 2016

التطبيـع مع إسرائيل في مقياس ريخـتر لاختبار ردود الأفـعال

تقرير: ابتهال ادريس-
«باب الريح»، وهو يفتح بصور مباغتة بيدي وزير الخارجية البروفيسور إبراهيم غندور، لإيلاج تيارات التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني أو دراسة ذاك الأمر الذي يمثل خطاً أحمر للسودانيين، وربما شرط أمريكي لتطبيع العلاقات مع الخرطوم، وسواء قصد غندور ذلك أو لم يقصده أو لم يقله في إحدى الندوات الأسبوع الماضي، إلا أن معطيات الملف الأمريكي الذي يبذل فيه الوزير الجديد جل وقته ومجهوده، بات واضحاً أنه يحمل في طياته مسألة تطبيع مع إسرائيل، أو قل إنها لا تماثل تطبيعاً كاملاً، إنما بضع سنتيمترات من خفض راية المقاطعة الكاملة التي يخوضها السودان منذ العام «1948» ضد احتلال فلسطين من قبل اليهود، وجل ما يتمحور في تلك الجزئية المرتبطة بملف العلاقات السودانية الأمريكية، هو أن واشنطن لن تقبل بأي حال من الأحوال بعلاقات طبيعية وعادية مع الخرطوم، دونما خفض تلك الراية أو إعادتها لمنتصفها كما تفعل كثير من دول المنطقة سواء على الصعيد العربي أو الإفريقي مع إسرائيل، لتتمتع بذلك بمزايا التقارب مع الأمريكان، وتتويج ذلك التقارب بعلاقات ومعاملات اقتصادية ضخمة، ومالية مترفة، وسياسية قابضة ومحمية تحت علم النسر الأمريكي.
ليكن ما كان، أو ليقل ما قيل حول علامات التطبيع مع إسرائيل، والتي دار حديث حولها حتى داخل قاعات الحوار الوطني الجاري، ومطالبة ذلك وتوصيات هؤلاء، الأمر الآن أن هناك حديثاً متلاحقاً من قبل الإسرائيليين أنفسهم، بحسب ما نسب للخارجية إلاسرائيلية والذي ذكر قبل يومين عن نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية، تسيبي حوطوبيلي، رفضها التطبيع مع السودان باعتباره دولة عدوة لإسرائيل، وما لهذا البلد من سجل دموي وإجرامي في حق شعبه في جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق وشرق السودان ــ بحسب ما نشر بوسائل التواصل الاجتماعي. على الرغم من أن ما أثير على لسانها تم نفيه بعد مضي عدة ساعات من تصدره قائمة الأخبار الرئيسة لعدد من الوكالات. بأي حال من الأحوال ردود الأفعال التي اصطحبت ما أدلى به وزير الخارجية البروفيسور إبراهيم غندور، كانت عنيفة وتسير في اتجاهات متعددة، خصوصاً وأن الرجل عرف بالحصافة والحنكة والذكاء، لذلك تقلد هذا المنصب الحساس في الدولة، إضافة إلى أن موضوع العلاقة ما بين السودان وإسرائيل، يمثل علاقة متشابكة ومتنافرة لا تحظى بتأييد أو تشجيع جماهيري من قبل الملايين من أبناء الشعب السوداني. علماً أن التاريخ سجل مطامع ظلت عالقة بإسرائيل بأن أرضها هي في الأصل تشمل أرض الفرات والنيل، فضلاً عن أن عدداً من الموروثات اليهودية لا تزال موجودة وقابعة في عدد من ولايات السودان المختلفة، هذا إضافة إلى إدراك إسرائيل أن السودان يمتلك ثروات هائلة يسيل لها اللعاب من أجل تحقيق أطماع تمكنها من السيطرة تماماً على العالم، وهي بلا شك ووفق مجموعة من الأجندات الاستخباراتية والأمنية، مثلت داعماً قوياً للحركات المسلحة عبر مدها وتزويدها بالذخيرة والسلاح الناري، فعلى الأقل هي تعمل حالياً على ضمان زعزعة الأمن والوحدة السودانية والإفريقية والعربية.
وقال رئيس «قسم أوروبا وأمريكا» في الخارجية الإسرائيلية، أفيف شير أون، في تعقيبه على البيان المنسوب للوزيرة المذكورة: «إنه من العيب على دولة شمولية أن تفكر في التطبيع مع دولة ديمقراطية كما الحال مع إسرائيل». وأضاف: السودان بلد لا يحترم حقوق شعبه، ناهيك عن احترامه لدولة يصنفها بأنها عدوة، ويبذل قصارى جهده لزعزعة استقرارها عبر علاقاته المشبوهة مع إيران والمنظمات الإرهابية الإقليمية، وتمويل عملياتها من خلال تهريب السلاح لضرب الاستقرار في دولة إسرائيل. وأشار أفيف في تصريحاته، إلى أن السودان يعاني ضغوطات اقتصادية وأزمة مالية، الأمر الذي يدفع مسؤوليه هذه الأيام للاستنجاد بمواقف مرتجلة بعيدة عن قناعات ظلت تتبناها الحكومة السودانية قرابة عقود ثلاثة، وذلك من أجل الحصول على قروض ودعم من الولايات المتحدة الأمريكية التي تفرض على هذا البلد عقوبات اقتصادية. وهاجمت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية، تسيبي حوطوبيلي في بيانها، الوزير السوداني قائلة: «إسرائيل تغلق أبوابها أمام أية محاولات يائسة من حكومة السودان الفاشلة».
الملف الأمريكي الشائك، الذي يرتبط بقضايا دولية وإقليمية وداخلية، هو رهان خاسر يلاحقه غندور، والذي لم ينظر حتى الآن لتجارب من سبقوه على كرسي الوزارة، وحتى تلك الجوانب التي يدور حولها مع وزير الخارجية الأمريكي، ومسائل المقابلات والزيارات المتكررة له لواشنطن ونيويورك، لن تجدي نفعاً لجهة نفخه «هواء التطبيع داخل قربة اشتراطية أمريكية قاسية»، ربما تضعه في مواقف لا يحسد عليها، أو ربما تطيح به من اليومية السياسية للأبد.
غالباً ما تكون أحاديث السياسيين حول شيء خطير أو علاقة جديدة تحمل أبعاداً مختلفة حتى بطرق الممازحة وغيرها، هي سحابات مطلقة بعناية لجس نبض الرأي العام والسياسي خاصة، وهي كذلك بالونات اختبار معدة بدقة عالية لقياس رأي الناس بمختلف توجهاتهم حولها، وهي ما يذكره المحلل السياسي د. محمد الكاروري، بقوله هي عبارة عن شحنات مجهزة لطرح المزيد منها وفق سيناريوهات محددة يبدو أن واشنطن طرحتها للخرطوم للتطبيع، وهي ــ أي الخرطوم ــ الآن بدأت بالفعل في إطلاقها تمهيدًا لقياس الرأي العام حولها، ومن ثم الانكفاء على تنفيذها حال وقوع قبول نسبي لها حتى وإن وصل إلى نسبة «40%».
لكن من جهة أخرى، يعتقد مراقبون أن مسألة التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، هي مسألة قاتلة للنظام وتشابه الحكم بالإعدام بمشاهد الانتحار السياسي، لأن نسبة القبول السابقة لن تجدي نفعاً، بل ستكون نقطة ضغط أخرى حالما تراجعت للمستوى الأدنى مع تقلبات المواقف الإسرائيلية نفسها والتعديات الضخمة ضد الشعب الفلسطيني، وهي تماثل كذلك التجربة التركية التي تنخفض باستمرار منذ سنوات على الرغم من أن الأخيرة أرغمت إسرائيل على الاعتذار لها رسمياً ودفع تعويض مالي لضحايا المركب التركي.
لا فائدة من التطبيع
المحلل والخبير السياسي بروفيسور الطيب زين العابدين، كانت له وجهة نظر مختلفة، حيث أشار الى أن وزير الخارجية بروفيسور غندور لم يكن موفقاً في رده على أسئلة الصحافيين. فإسرائيل لم تطلب أو تتمنى تحسين العلاقة مع السودان، حتى لجنة العلاقات الخارجية في الحوار الوطني التي طالبت بالتطبيع، أتاها الرد بأن مطالبتها سترفع إلى رئاسة الجمهورية وهو رد ساذج وبديهي كون أن مخرجات الحوار الوطني سترفع جميعا إلى رئاسة الجمهورية. وموضوع العلاقات السودانية الإسرائيلية أثير الحديث حوله مؤخرًا بحسب معلومات بروفيسور الطيب بعد قدوم الناشطة السياسية تراجي مصطفى التي أسست جمعية الصداقة الإسرائيلية، وعكست اجتهادها في الشأن بعد استقبالها بحفاوة وترحاب كبيرين في الداخل. كما استغرب د. الطيب مما أثير من حديث لوزير الخارجية، ووصف حديثه وإن كان صحيحاً أو متعمداً بأنه يمثل زلة لسان، وفي حال صدور ما نسب إليه فهو لا يخرج من نطاق عدم الدقة في الرد. كذلك أكد محدثي بأنه لا فائدة ترجى من التطبيع مع إسرائيل. وهذه الخطوة شعبياً تعتبر غير مقبولة، إذ لم يعرف في دولة الكيان الصهيوني أنها قدمت دعماً مادياً لأية دولة إفريقية أو مسلمة، بخلاف أنها تقدم المعونات العسكرية لعدد من الدول. ونحن بخلاف ذلك لدينا كميات كبيرة منه، ورغم وجود لوبي صهيوني بواشنطون، إلا أنها لم تطلب أو تذكر يوماً شرطاً لإصلاح العلاقات مع إسرائيل، وأن اشتراطاتها ظلت واضحة ومعروفة من بينها تنفيذ اتفاقية السلام وإنهاء الحرب في دارفور، وهي كذلك لم تطلب من أية دولة أخرى ان تحتفظ بعلاقات جيدة مع أمريكا مثل البحرين والكويت، كما لم تشترط على تلك الدول تطبيع العلاقة مع إسرائيل. ولدى إسرائيل قناعة بأن السودان دولة تعاني من مشكلات ولا اعتقد أن السودان يهمها. فنحن دولة تعاني من إشكالات سياسية متعددة. واختتم د. الطيب حديثه بأننا وفي حال تواترت لدينا قناعة بأن إسرائيل تسعى للتطبيع معنا، لابد لنا من اتخاذ الفرصة لنقبض الثمن مقدماً على أساس أننا متضررون من المقاطعة الأمريكية، ونحن المتضررين من إنشاء العلاقة في ظل وجود الحصار الاقتصادي علينا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق