الاثنين، 9 نوفمبر 2015

قمة الرياض.. شراكة في زمن الأقوياء

بقلم: د. أحمد الجميعـة
الجغرافيا في حياة الشعوب المتحضّرة ليست عائقاً عن التواصل والاتصال، والتقارب والتعايش، حيث لم يعد القرب والبُعد معياراً في بناء العلاقات، أو المواقف والتوجهات، وأيضاً المصالح، حيث الجغرافيا في تفاصيلها وتضاريسها ليست سوى خارطة وحدود، وليست جموداً في التمدد نحو بناء كتل أو تكتلات، أو مجموعات عمل يجمعها مصير مشترك، أو تعاون يثمر عن استثمارات وتبادل خبرات وتجارب ناجحة.
وهو فعلاً ما تحقق بتكتل الدول العربية (22) مع دول أميركا الجنوبية (12) بما مجموعه (34) دولة، وتعداد (800) مليون نسمة؛ رغم بُعد المسافة، وتعدد الثقافات، واختلاف الإمكانات، حيث نجحت القمم الثلاث الماضية في (برازيليا 2005)، و(الدوحة 2009)، و(ليما في البيرو 2012) في رسم ملامح التعاون والتنسيق في جوانب سياسية واقتصادية وثقافية وسياحية، وأثمرت (سياسياً) عن دعم دول أميركا الجنوبية للقضايا العربية المشروعة في إطار مبادئ وأحكام القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ودعم مبادرة السلام العربية على أساس إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على حدود 1967م، إلى جانب تشجيع العمل البرلماني، وخلو منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، و(اقتصادياً) أثمرت عن مضاعفة التبادل التجاري بين الدول ال(34) إلى أكثر من 30 مليار دولار خلال العامين الأخيرين بدلاً من ستة مليارات قبل عام 2004، و(ثقافياً) في تبادل الزيارات وتقديم الأنشطة والبرامج التي تعزز من التقارب بين شعوب تلك الدول، خاصة مع وجود جالية عربية كبيرة في دول أميركا الجنوبية، وتحديداً في البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وتشيلي، و(سياحياً) في دعم المبادرات والاستثمارات المشتركة بين رجال الأعمال في تنمية السياحة بين هذه الدول، والإفادة من تجاربها في البنية التحتية وإدارة المشروعات.
القمة الرابعة للدول العربية وأميركا الجنوبية التي تبدأ أعمالها غداً في الرياض هي استكمال للتنسيق والتشاور والمتابعة لتنفيذ مقررات القمم السابقة، إلى جانب التأكيد على أهمية العمل المشترك بين الدول الأعضاء، والخروج برؤى جديدة بعد عشر سنوات من العمل التأسيسي، حيث يتوقع من قمة الرياض أن تخرج بمواقف سياسية تجاه سورية، واليمن، والعراق، وليبيا، وفلسطين القضية الأم، إلى جانب مكافحة الإرهاب، والتنديد بالمنظمات الإرهابية، كذلك المطالبة بخلو منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وهي قضايا سياسية من المهم للعرب أن يكون هناك دول تتفق معهم، وتسندهم في المحافل الدولية، كذلك استمرار التعاون الاقتصادي بين الدول المشاركة، بما يضمن تسهيل وصول المستثمرين، وتبادل السلع، وعقد شراكات عمل وقنوات تواصل تضمن المزيد من تنمية الصادرات بين تلك الدول.
المملكة تستضيف القمة وهي في مهمات عمل تاريخية غير مسبوقة، حيث تتصدى للمشروع الفارسي في المنطقة، وتقف مع الشرعية اليمنية في حرب شرسة مع ميليشيات حوثية مأجورة، وتدافع عن موقف الشعب السوري للخلاص من المجرم بشار الأسد، وتدعم وحدة العراق واستقلالية قراره، ومصر واستقرار اقتصاده، وليبيا في وحدة حكومته، وتلاحق المنظمات الإرهابية، وتتحالف مع الدول المؤثرة عسكرياً وأمنياً واستخباراتياً لمواجهة تداعياتها في المنطقة، وكل تلك الجهود المتزامنة التي تبذلها المملكة تجاه وحدة الأمة العربية والدفاع عنها وعن قضاياها؛ هي محل تقدير دول أميركا الجنوبية كما هو العالم، حيث يدرك الجميع أن حضور القمة هو دعم لموقف المملكة السياسي من تلك القضايا، وتأكيد أيضاً على علاقاتها، وإمكاناتها، ودبلوماسية حوارها العاقل والحكيم في التعاطي مع تلك القضايا.
قمة الرياض هي مرحلة تحول جديدة في العلاقة العربية الجنوب أميركية؛ لأن الظروف تحتّم مزيداً من الانفتاح والتعاون واستثمار العلاقات في زمن الأقوياء، ودعم مواقف الأمة العربية أمام ما دُبر لها من فوضى وانقسام وقتل وتدمير، وجرّها إلى ما هو أبعد من ذلك من تقسيم أراضيها، ونهب ثرواتها، ومثل هذا النوع من العلاقة مع دول أميركا الجنوبية يعطينا أفضلية وربما أسبقية في توحيد الجهود، وكسب المزيد من التأييد لصالح قضايانا العربية التي لم تحسمها المصالح بعد!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق