الاثنين، 2 نوفمبر 2015

العلاقات السودانية الأمريكية.. محاولات فك الشفرة!

إنعام عامر-
تبدو خيوط الملف شائكة للغاية... وربما يصبح من الصعب التكهن أي مسار يمكن أن تسلكه تلك العلاقة التي تشبه معادلة معقدة ومتعددة المتغيرات... ووسط جو مليء بالتفاؤل، يبحث الساسة في الخرطوم سبل حل طلاسم الملف وفك شفراته.. وتبدو بالمقابل استراتيجة واشنطن تجاه الخرطوم في نظر مراقبين بغير الواضحة.. بيد أن عوامل هبوط وصعود تتحكم في الملف.. وربما بدت قصة «البطة العرجاء» جزءاً من أسباب حالة الهبوط التي تعتري الملف، كما جاء في السيرة التقليدية للاعبي السياسة الأمريكية على طاولة المكتب البيضاوي أو في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض.
أصل الحكاية
وحسب ما جاء في تلك السيرة، فأن السياسة الخارجية الأمريكية عادة ما تشهد حالة ركود وانكفاء في العام الأخير لولاية الرئيس في البيت الأبيض، واستناداً الى ذلك، فهو العام الذي يُطلق فيه على كل رئيس أمريكي وصف «البطة العرجاء»، خصوصاً إذا كان قد أمضى فترتين رئاسيتين كما في حالة «أوباما». ويرى منتقدو سياسته أنه من غير المعتاد أن تتسم تحركات واشنطن الخارجية بالتردد والارتباك، منذ بدء الولاية الثانية للرئيس، كما هو الوضع حالياً مع إدارة أوباما. وهناك توافق في الآراء بشأن تعريف «عقيدة أوباما» وآثارها على سياسة الولايات المتحدة الخارجية بشكل عام. تلقت السياسة الخارجية لإدارة أوباما انتقادات عديدة من مختلف ألوان الطيف السياسي بما فيهم صقور المحافظين. وقد اتهم الرئيس بتبنيه «سياسة خارجية وصفت بالخجولة» ولغير فعالة في استخدام «الفيتو»، وجهر البعض أن سياسة التهدئة التي ينتهجها أوباما سوف تؤدي إلى تراجع الولايات المتحدة في الساحة العالمية. مثلما تلقى انتقادات عديدة من «الحمائم» الليبراليين مثل جيمي كارتر ودينيس كوسينيتش.
تفاؤل حذر
وبينما بدا المشهد مليئاً بالتفاؤل نحو إحراز أي تقدم في ملف رفع العقوبات عن الخرطوم قبل التطبيع، عندما وصف اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري الشهر الماضي، بنظيره السوداني، إبراهيم غندور، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة .لإنهاء النزاعات في السودان، لا سيما في إقليم دارفور بالنادر، إلا أن اياً من وزيري الخارجية لم يدل لحظتها بتصريحات أمام الصحافيين، واكتفيا بالمصافحة. وإثر الاجتماع قالت الخارجية الأمريكية إن كيري أكد الالتزام الدائم للولايات المتحدة بإنهاء النزاعات الداخلية في السودان، دون تسمية دارفور، ولفت إلى أن «واشنطن تعمل من أجل سلام دائم وعملية سياسية تشمل أكبر عدد ممكن من السودانيين». كذلك أوضح المتحدث باسم كيري، أن وزير الخارجية الأمريكي شدد على أنه «لا حلول عسكرية لهذه النزاعات». ليبدو المشهد الراهن للملف يجسد حالة «مراوحة المكان»، وهي حالة حسب مراقبين ظلت تتبعها إدارة أوباما تجاه التطورات الإقليمية في المنطقة باطراد منذ بداية فترته الرئاسية الثانية قبل عامين.
خارج نطاق هذا الملف، قطع محللون أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لم تشهد من قبل مثل تلك الحالة من التذبذب «صعوداً وهبوطاً بين الفعالية والسلبية»، و«بين التردد، التدخل والإحجام». وتدل على ذلك مستجدات معظم الملفات الإقليمية والأزمات التي تشهدها المنطقة بما فيها بالطبع الملف السوداني، ويظهر ذلك بشكل واضح في التعامل الأمريكي مع الأطراف الإقليمية الأخرى في المنطقة التي تضج بمتغيرات سياسية كبيرة. وتبدو عملية فك شفرات ملف العلاقات مع واشنطن أمراً بالغ التعقيد بالنظر إلى جهود حثيثة بذلت من قبل من داخل أمريكا نفسها، مطالبة بحدوث تغيير في الموقف الأمريكي تجاه السودان. إلا أن تلك الجهود لم تجد الآذان الصاغية من قبل الإدارات التي تعاقبت على البيت الابيض. ففي العام 1999 التقى ممثلو أكثر من عشر منظمات أمريكية طوعية، وزيرة الخارجية الأمريكية. وأوضحوا ان اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بمحاربة الإرهاب أقعدها عن تلمس إمكانات الانفتاح مع الخرطوم. واشارت «وول ستريت جورنال»، « إلى أن إدارة أوباما لم تنفذ سياسة المعايير والحوافز والعقوبات التي عبرت عنها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والسفيرة رايس في أكتوبر 2009، وهي سياسة، حسب التقرير، يبدو أنه إما تم تأجيلها أو التخلي عنها». وأشار كاتب المقال الى أن ذلك النهج يقوض نفوذ الولايات المتحدة.
مصالح هامشية
وحسب بروفيسور صلاح الدومة، أستاذ العلوم السياسية المعروف، فأن العلاقة بين واشنطن والخرطوم لا تحتاج الى فك شفراتها. ووصف السياسة الأمريكية تجاه الخرطوم بالواضحة. وأشار في حديثه لـ«الإنتباهة» إلى ان لدى الإدارة الأمريكية شروطاً محددة وضعتها على طاولة الإنقاذ، كلما نفذت الحكومة جزءاً منها تنتهز الإدارة الأمريكية الفرصة للزج بمطلوبات أخرى تخدم مصالحها الوطنية. ومنذ إعلان أوباما «استراتيجية الأمن القومي» في مايو 2010م، التي كشفت عن اتجاه الولايات المتحدة إلى تركيز اهتمامها الخارجي «العسكري والاقتصادي» خصوصاً نحو الشرق الأقصى. بدأت ملفات اخرى في الانزواء وربما وضعت في آخر الرف، وتم التعاطي مع ملفات أخرى ورثتها الإدارة الحالية من سابقتها بالمسكنات، كما في حالة الملف السوداني الذي يدخل في إطار «المصالح الهامشية» وليس الحيوية بالنسبة لواشنطن. ورغم أن تلك الإستراتيجية قد تضمنت اتجاهات أخرى للحركة الخارجية الأمريكية، فإن التوجه نحو الشرق الأقصى كان الملمح الأبرز فيها. وبالفعل، واستنادا إلى مراقبين فإن السنوات الخمس الماضية شهدت بالفعل تجليات هذا النزوع الأمريكي نحو الشرق عبر انحسار الاهتمام بقضايا وتطورات مناطق أخرى من العالم، بما فيها الشرق الأوسط.
تركة قديمة
وبالنسبة لحالة الملف السوداني الذي هو تركة قديمة ورثها أوباما من إدارات متعاقبة على البيت الأبيض، تعاملت الإدارة الحالية معه بشكل عام، بذات السمات مع إصباغ نوع من المرونة على الملف، متبنية «نظرية الاحتواء»، التي مارستها على العديد من الملفات وأثبتت فعاليتها، والقائلة بالسعي وراء «المصالح الهامشية» وليست «الحيوية»، للولايات المتحدة الأمريكية بطرق أخرى غير الحرب، كالدبلوماسية والحوافز والعقوبات واستخدام المؤسسات المتعددة الأطراف الدولية.. وهو لسان الحال بالنسبة للملف السوداني. وسمة هذه النظرية الالتفاف والإضعاف والإنهاك بواسطة تدوير عجلة الحروب الداخلية وتكبيل الاقتصاد القومي. واستنادا إلى منح حوافز مقابل شروط وتنازلات قدمتها الخرطوم إلا أن اي تعاطٍ أو تقدم يذكر بشأن الملف لم يتم. وحسب مايكل سينغ المدير الإداري لمعهد واشنطن، «فإن أوباما تولى منصبه وهو يدعو الى اتباع سياسة التعاطي إلا ان التصور السائد حول العالم هو عدم التزام الولايات المتحدة بهذه السياسة». وحسب معهد واشنطن لطالما تعرض أوباما لانتقادات واسعة بسبب نهجه الحذر الزائد في السياسة الخارجية. واستناداً الى مايكل «يحتاج صانعو السياسة الأمريكية الى التحضير بشكل واقعي للتعامل مع العديد من القضايا في السياسة الدولية». ومن المفارقات التي تحسب على واشنطن بشأن سياستها الخارجية، وضع مبادئها التي تتعلق بنشر الديمقراطية في كفة ومصالحها في كفة اخرى، ويحسب عليها في حالة الملف السوداني، عداءها الشديد لكل الأنظمة الديمقراطية التي تعاقبت على البلاد منذ استقلالها. بينما لم تتوان في دعم أنظمة شمولية وعسكرية حليفة لها في المنطقة. سمة أخرى يمكن ملاحظتها في ادارة الرئيس أوباما، وهي سيل التناقضات الذي بات يلف سياسات البيت الأبيض الخارجية. ويجهر مراقبون بالقول إنه حتى أشهر قليلة مضت، لم تكن الفجوة بين القول والفعل الأمريكيين بهذا الاتساع الماثل حالياً. وفي هذا المنعطف المتناقض يستدل مراقبون بالقول إن أوباما الذي أعلن أنه يرى في إيران «قوة إقليمية ناجحة جداً»، حاول في الوقت ذاته طمأنة الدول العربية بخصوص الاتفاق النووي مع طهران.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق