السبت، 21 نوفمبر 2015

إستراتيجية السودان في حل منازعاته مع جيرانه!

يبدو واضحاً لكل مراقب أن السودان في علاقاته بجواره الإقليمي شديد الحرص والحذر وشديد التأني في إتخاذ مواقف صارمة. هذا الأمر بطبيعة الحال ليس نابعاً من موقف ضعف، أو فقدان للإرادة، هي مزيج من الشمائل السودانية السمحة الممزوجة بالحكمة والدبلوماسية القائم على العض بالنواجذ على علاقات حسن الجوار. ففي مثل هذه الأيام يدور حديث كثيف ولغط متواصل عن أوضاع السودانيين بالشقيقة مصر.
أرتال من السودانيين تتخذ السلطات المصرية إجراءات لا تخلو من قسوة وصرامة في مواجهتهم. هنالك ما يشبه (الحساسية المفرطة) التي نشأت مؤخراً بين السلطات المصرية وبعض السودانيين المقيمين بالقاهرة. السفارة السودانية بالعاصمة المصرية القاهرة وقفت على طبيعة ما يجري وأكدت على أن الأمر لا يتم بصفة انتقائية. الأمر شامل كل الأجانب المقيمين هناك لأسباب تتصل بمقتضيات الأمن القومي المصري.
على ذات العصيد تجري الشقيقة مصر (عملية تمصير) نشطة وممنهجة لمثلث حلايب المتنازع عليه بين الدولتين للدرجة التي شملت فيها الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر دوائراً في عمق مثلث حلايب.
على الناحية الشرقية من حدودنا ورغم العلاقات المتطورة والقوية مع الشقيقة اثيوبيا، إلا أن عملية استيلاء تجري لأراضي سودانية في منطقة (الفشقة) وهي منطقة عالية الخصوبة، وشديدة الأهمية وتقع ضمن أراضي ولاية القضارف المعروفة بخصوبتها. الحكومة السودانية لم تتعامل بالقدر المماثل من الغلظة والشدة بشأن معالجة الموقف، ولا شك انه كان أمراً ممكناً وطبيعياً طالما أنه يتعلق بـ(حدود وأمن قومي)!
كل دول العالم ومهما كانت طبيعة العلاقات فيما بينها فهي لا تتهاون قط في القضايا التي تمس الأرض والسيادة الوطنية والأمن القومي. ولهذا فإن موقف السودان من هاتين القضيتين من المهم أن تتم قراءته في ذات سياق حرصه على علاقات جواره الإقليمي، وتفضيله للتفاهم وتسوية المنازعات بالطرق الودية.
المؤسف في هذا الصدد أن الأطراف الأخرى تتمادى -بقصد أو بغيره- في تعقيد الأوضاع على الأرض حتى يبدو الحل عصياً أو مستحيلاً. فالشقيقة مصر على سبيل المثال تسعى بدأب ومثابرة لترسيخ مبدأ التمصير ووضع اليد وتأكيد الحيازة المستمرة على مثلث حلايب.
الكل يعرف كيف جرت عمليات استخراج هويات مصرية وبطاقات الجمعيات التموينية على مواطنين سودانيين لديهم لهجات محلية معروفة ومعهودة لدى الشقيقة مصر، والكل يعرف كيف تم إنشاء خدمات مياه وكهرباء وطرق مسفلتة في مناطق يسكنها سودانيون بسحناتهم المعروفة. اثيوبيا أيضاً فعلت نفس الشيء وأن كانت الأخيرة تتوارى خلف (عصابات الشفتة) وتحاول الإيحاء بأن ما يجري في منطقة (الفشقة) محض عمل فردي غير مسنود بأي موقف رسمي.
ولكن مع كل ذلك يبقى مهماً القطع بأن: 1- كل من مصر واثيوبيا تستوليان -بسوء نية أو بحسن نية- على أراضي سودانية خالصة ولا مجال للزعم بعكس ذلك. 2- إن كل من مصر واثيوبيا -للأسف الشديد- تتحاشيان لأسباب غير معقولة التفاوض الصريح والموضوعي وبروح جوار إقليمي. هذه القضايا على أهيمنتها وخطورتها البالغة. 3- إن كل من مصر واثيوبيا تتمتعان بمزايا إستراتيجية غالية منحها إياها السودان بطيب نفس ودون منّ ولا أذى.
فالشقيقة مصر لم تشتك يوماً من إتخاذ السودان لموقف حيال ما جرى مؤخراً من تغيير في مصر مع أن الأمر كان يستلزم اتخاذ موقف مغاير هو الموقف الطبيعي الصحيح. على العكس وقف السودان مسانداً للحكومة المصرية الحالية من وجهة نظر إستراتيجية باعتباره (عمقاً استراتيجياً) لمصر ما ينبغي أن يتأثر بشيء مطلقاً.
أما بالنسبة لإثيوبيا فيكفي منحها مزايا تاريخية بالنسبة لعمليات الاستيراد والتصدير ودعمه لها في سد النهضة رغم الموقف المصري المعارض. إن كلا الدولتين –مصر واثيوبيا– لا تحتاجان لشيء للدرجة التي تقوم (بانتزاع) حق أصيل من حقوق السودان! لم يقصر السودان في حق أي منهما لتقوم بتعويض ذلك عن طريق انتزاع أراضي سودانية خالصة منه.
السودان قادر على رد حقوقه إليه بوسائله الخاصة الناجعة ولكنه يعطي في ذات الوقت الفرص والمخارج، ولكنه لا يتهاون في حقوقه أبداً وإن بدا للبعض -خطأً- غير ذلك!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق