الاثنين، 2 نوفمبر 2015

تحضيري أم تدويلي؟


اذا كانت لدى الحكومة السودانية والقوى السياسية المشاركة في الحوار الوطني عشرات الحجج والأسانيد المنطقية لعقد الحوار الوطني بالداخل مثل ضرورة توطين عمليات التفاهم بين القوى المختلفة لخلق انسجام عام بجهد سوداني خالص ومثل اعادة سودنة الحلول السياسية واستدعاء الاعراف والتقاليد السودانية المميزة لتكون -في المستقبل- هادياً لمسيرة وفاقية مستدامة وغيرها من الحجج المقنعة لأي وطني غيور؛ فإن الحجج الداعية لإطلاق الحوار في الخارجي بالمقابل اضعف من ان يلتفت اليها عاقل.
صحيح ان المزاعم التى يتم تداولها حالياً ان نقل الحوار الى الخارج لن يتجاوز ما يسمى باللقاء التحضيري بما يعني -بحسب ما يزعمون- أنه لقاء فقط (للتحضير) للحوار! وصحيح أيضاً ان مجرد (مجرد التحضير) في مجمله ليس أمراً يستدعي الخلاف. ولكن الامر المثير للريبة في هذا الصدد يتجلى في عدد من الشواهد المفضية الى مخاوف حقيقة:
أولها، ما المانع في ان يكون ذات هذا اللقاء التحضيري المزعوم هنا في الخرطوم؟ فكما تحققت ضمانات وصول حملة السلاح الى الخرطوم وشاركوا في الجلسة الافتتاحية للحوار من الممكن ان يصل كل قادة الحركات المسلحة والقادة السياسيين المعارضين بالخارج الى الخرطوم –بذات الضمانات- الى الخرطوم للقاء تحضيري!
حجة عقد اللقاء التحضيري بالخارج بهذه المثابة لا تبدو منطقية لأن الجانب المهم فيها هو ضمان سلامة المشاركين وهذه امور حدثت عملياً، كما ان من المستحيل تماماً ان تغامر الحكومة السودانية بمصداقيتها في أمر كهذا.
ثانيها، اذا كان القاء التحضيري لا بد ان يتم في مقر الاتحاد الافريقي بأديس أبابا، مع أنه لن يتجاوز (من حيث الاجراءات والموضوعات) ذات الاجراءات والموضوعات التي من الممكن ان تناقش في الخرطوم، ما هي الميزة الخاصة بأديس أبابا؟ اذا كان مهما اختبار جدية ومصداقية الحكومة السودانية -عملياً وعلناً- بتوفير ضمانات للقادة الذين هم بالخارج؛ لماذا يتم التغاضي عن هذا العنصر المهم في مقابل (أشياء مبهمة) ينتظر هؤلاء القادة ان تتحقق في أديس؟
ثالثها، اذا صح زعم هؤلاء -افتراضاً- ان اللقاء المطلوب في أديس أبابا محض لقاء تحضيري لعملية الحوار وتقرر عقد الحوار بكامله في الخرطوم، ما هو الشيء الجديد لضمان حضور هؤلاء القادة الى الخرطوم للمشاركة فى عملية الحوار؟ وعلى ذلك فإن المخاوف وخطوط الشك والريبة تتالى في هذا الصدد اذ ان من الواضح ان مزاعم اللقاء التحضيري ليست سوى:
1. شراك خداعية لطرح أطروحات بعيدة كل البعد عن الواقع بغية إفشال عملية الحوار، لأن من المفروغ منه ان القوى المسلحة هذه من المستحيل ان تعود الى الداخل بموجب وثيقة حوار وطني او تفاوض موضوعي. إرتباطاتها الخارجية وضعف قواعدها السياسية وصعوبة إيجاد موطئ قدم لها في أي استحقاق انتخابي تجعلها دائماً تفضل عرقلة الحلول السياسية هذه أملاً في (معجزة تاريخية) تمنحها السلطة كاملة غير منقوصة. الذي يعتقد بغير ذلك عليه مراجعة معطياته.
2. اعطاء بعد دولي بالغ الاتساع لعملية الحوار بحيث تتركز الانظار على هؤلاء وحدهم ومن ثم إطالة أمد التحاور والتفاوض واستصدار قرارات من مجلس الأمن، حتى تتعقد الاوضاع تعقيداً بالغاً. التدويل –على غرار نيفاشا– هو في الواقع الهدف المركزي لهذه القوى التى لم يعد لها ما تخسره.
وعلى ذلك فإن اللقاء التحضيري -وسوف نرى جميعاً- ما هو سوى غطاء سميك محكم على عملية خداع كبرى لجرّ قضية الحوار الوطني الى نقطة وعلامة فارقة في التاريخ السياسي السوداني!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق