الثلاثاء، 28 يوليو 2015

نيويورك ولاهاي وما هو أسوأ من علاقة التبعية!

في سياق نفيه لتصريحات سابقة له بشأن توقيف الرئيس السوداني المشير البشير بموجب مذكرة محكمة الجنايات الدولية إبان زيارته إلى جنوب أفريقيا في ابريل المنصرم قال الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) إن محكمة الجنايات الدولية ليست تابعة للأمم المتحدة، نافياً ما نسب إليه من تصريحات تدعو إلى توقيف الرئيس البشير.
وبطبيعة الحال لا حاجة لنا لمناقشة وتحليل نفيّ السيد مون لتصريحاته هذه طالما أنه أغلظ في نفيها. غير أن الأمر المهم الذي استوقفنا في نفيه هذا، هو قوله أن محكمة الجنايات الدولية لا تتبع للأمم المتحدة وليست واقعة تحت سيطرتها ولا هي واحدة من منظوماتها! ذلك أن هذه المقولة يصعب أخذها مأخذاً موضوعياً بحال من الأحوال وذلك لعدة أسباب:
أولاً، الكل يعلم أن محكمة الجنايات الدولية أنشأت فعلياً بموجب اتفاقية روما 1998 ولم تنشأ كمنظمة أو وكالة أممية تابعة للأمم المتحدة، ولكن طالما كان الأمر كذلك ما الذي يجعل مجلس الأمن الدولي وهو أعلى وأخطر سلطة أممية فاعلة مهيمناً ومسيطراً على عمل المحكمة؟ إذ المعروف قانوناً أن المحاكم في كل الدنيا تكون مستقلة ومحايدة ولا سلطان لأحد عليها ولكننا فيما يخص محكمة الجنايات الدولية وجدنا أن مجلس الأمن يمتلك سلطة الإحالة إليها ويمتلك سلطة تجميد قراراتها، بل إن قرار الإحالة من عدمه يخضع لحسابات ومصالح القوى الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن بحيث يمكن أن تتم إحالة في حالة من الحالات ويمكن ألا تتم في حالة أخرى مماثلة من الحالات.
والأهى وأمرّ أن المحكمة في الحالتين، حالة الإحالة، أو عدم الإحالة من قبل مجلس الأمن لا تستطيع أن تتدخل! فهي لا تستطيع أن ترفض أي قرار إحالة صادر إليها من مجلس الأمن، كما لا تستطيع إذا رفض مجلس الأمن إحالة أية موضوع لها أن تتجاوز قراره وتتصدى للموضوع بنفسها! إذا لم تكن هذه هي التبعية فما هي التبعية التي يعنيها السيد مون؟
ثانياً، بالطبع لم تكن محض مصادفة أن تم منح حق الإحالة المشار إليه إلى مجلس الأمن، فقد كان واضحاً أن القوى الكبرى في المجلس قصدت جعل المحكمة الجنائية الدولية بطريقة أو أخرى تابعة لمجلس الأمن الدولي التابع بدوره إلى الأمم المتحدة، ذلك أن ترك محكمة الجنايات الدولية تقاضي الدول والمسئولين الكبار حول العالم دون أن تدخل مجلس الأمن معناه عملياً إفراغ لعبة مجلس الأمن برمتها من مضمونها، وهذا يعني ملاحقة رؤساء الدول مثل إسرائيل التي تفتك بالفلسطينيين بحيث لا تستطيع الولايات المتحدة حمايتهم من ثم لا يكون هناك معنى مبرر -من الأساس- لمجلس الأمن وحق النقض.
ثالثاُ، المدعي العام للمحكمة الدولية يقدم بصفة دورية تقريراً إلى مجلس الأمن -داخل قاعة المجلس بمبنى الأمم المتحدة- بشأن الإحالة المحالة إليه ويلتزم المدعي العام في هذا الصدد بتوجيهات وقرارات المجلس، بل إن الأمين العام للأمم المتحدة في جانب من مهامه يولي اهتماماً عالياً بالتقرير ويبلغ به الجهات المعينة كما أنه يفعل ذات الشيء حين يبلغ المدعي العام بتوجيهات مجلس الأمن.
إن العلاقة بين الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية هي في الواقع أسوأ من علاقة التبعية الإدارية، لأن مجرد بسط مجلس الأمن وإحكام سيطرته على المحكمة ينسف تماماً أي مزاعم بعدم تبعية المحكمة للأمم المتحدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق