الأحد، 5 يوليو 2015

جنوب أفريقيا.. موقف معقد من «الجنائية الدولية»



ريان لينورا براون*
ما كادت طائرة الرئيس السوداني عمر البشير تقلع من قاعدة عسكرية في جنوب أفريقيا يوم 15 يونيو الماضي إلا وسأل البعض: هل هذا بداية لنهاية المحكمة الجنائية الدولية؟ فقد وصل البشير إلى البلاد ومذكرة القبض عليه من المحكمة الجنائية الدولية تتدلى فوق رأسه. لكن جنوب أفريقيا رغم عضويتها في المحكمة الجنائية الدولية تركته يرحل لتكون الأحدث في سلسلة الدول الأفريقية التي تضرب بعرض الحائط مذكرة المحكمة.

وفي نهاية الشهر الماضي، أعلنت حكومة جنوب أفريقيا أنها ستطعن في محاولة محكمتها العليا منع البشير من مغادرة البلاد. والإجراء يأتي بعد أن أشارت الحكومة أنها تفكر رسمياً في الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية في ضربة ثقيلة لمشروعية المحكمة الدولية الهشة بالفعل في القارة. وفي كلمة في محطة راديو شهيرة أعلن «جويد مانتاش» الأمين العام لحزب «المؤتمر الوطني الأفريقي» الحاكم أن المحكمة «أداة في أيدي أصحاب النفوذ لتدمير الضعفاء».

وتوحي علاقة جنوب أفريقيا المعقدة مع المحكمة أن مستقبل المنظمة الدولية في القارة بعيدة عن الاستقرار. ويرى «ازويمفيليل لانجالانجا» الباحث في معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية متخصص في السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا أن «جنوب أفريقيا في موقف صعب للغاية لكنه قوي. وباعتبارها دولة قوية للغاية مازالت تحاول كسب نفوذ وأصدقاء وسط الدول الأفريقية بالتعاطف مع مواقفها من المحكمة الدولية، وفي الوقت نفسه، فإن عضويتها في مجموعة بريكس (الدول الخمس صاحبة أسرع نمو في العالم وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) ومجموعة العشرين يجعلها أفضل الدول مكانة في القارة لتتزعم المناقشات دولية في كيفية محاسبة مجرمي الحرب الأفارقة».

وعندما يتعلق الأمر بالمحكمة الدولية، فإن الحكومة توزع نفسها على عالمين. ففي جانب، كما يؤكد «لانجالانجا» أن جنوب أفريقيا التي كان يحكمها البيض قبل عقدين فقط من الزمن تكافح دوما من أجل أن تثبت أنها أفريقية بما يكفي لتكون زعيمة باقي القارة. وفي الجانب الآخر، كما يعتقد «جيرمي ساركين» أستاذ القانون الدستوري والدولي بجامعة جنوب أفريقيا أن «جنوب أفريقيا تريد بالتأكيد أن تلعب على الجانبين وتريد أن ينظر إليها باعتبارها داعمة لجهود العدل الجنائي الدولي وأيضا الاستقلال الذاتي الأفريقي... لكن الواضح من قضية البشير أن جنوب أفريقيا اختارت الاتحاد الأفريقي وليس المحكمة الجنائية الدولية».

واختيار الاتحاد الأفريقي لا يعني بالضرورة ترك المحكمة الجنائية كلية. وأشار ساركين إلى أن ترك المحكمة قد يكون تحولا خطيرا لكنه يمثل أيضا مشكلة عملية كبيرة. ويتعين على جنوب أفريقيا أن تتفق داخلياً أولاً على أنها تريد الانسحاب ثم تنسحب رسمياً من «معاهدة روما»، وهو القانون الدولي الذي نشأت بموجبه المحكمة. وبعد هذا تشترط المعاهدة أنه يتعين على جنوب أفريقيا أن تظل عضواً في المحكمة الجنائية الدولية لسنة إضافية كاملة قبل بطلان عضويتها رسميا. وهذه العراقيل تعني أن التهديد الأفريقي بقطع العلاقات بالمحكمة غير مجد. وفي عام 2013 وافق البرلمان الكيني على الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية بعد أن أعلنت المحكمة أنها ستقاضي رئيس البلاد ونائبه بشأن اتهامات التحريض على العنف في أعقاب الانتخابات الرئاسية لعام 2007. ورغم هذا وبعد مرور عامين مازالت كينيا رسميا عضوا في المحكمة ثم أُسقطت الاتهامات.

وفي نفس الوقت، فإن الجدل بشأن الخروج السري للبشير من جنوب أفريقيا -وهو انتهاك مباشر لقرار محكمة محلية- حفز على النقاش المتجدد بشأن كيفية تحسين دول أفريقيا لإجراءات حراسة ومعاقبة مجرميها، بمعزل عن المحكمة الدولية. والبديل للمحكمة الجنائية الدولية المدعوم من الاتحاد الأفريقي وهو المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان وحقوق الشعب قائم منذ أكثر من عقد، لكن لم يُصدق عليه إلا نصف أعضاء الاتحاد الأفريقي، ولم يتول أمر أي قضايا كبيرة تقريباً. ويعتقد «ساركين» أن الفترة المقبلة ستشهد تكثيفاً للجهود ليكون للمحكمة الأفريقية اختصاص قضائي وأن الدول الأفريقية يمكنها أن تقول «إننا لا نعارض المحكمة الجنائية لأننا ضد العدل الدولي بل لأننا ننفذه بأنفسنا». وأشار «لانجالانجا» إلى أن محكمة مقرها أفريقيا لحقوق الإنسان ستواجه تحديا كبيرا لأن لا أحد يريد زعزعة الاستقرار بتوجيه اتهامات جرائم الحرب ضد جيرانه وشركائه التجاريين.

*
صحفية متخصصة في شؤون أفريقيا- جوهانسبيرج
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق