الأحد، 26 يوليو 2015

جوبا وحملاتها الإعلامية ضد الخرطوم.. صورة مقلوبة!

لو لم يكن للسودان أدنى اهتمام أو حرص على ترسيخ علاقاته الإستراتيجية بدولة جنوب السودان لما اكترث أبداً بإتباع القنوات الدبلوماسية الناعمة والاحتجاج على جوبا  ومناشدتها وقف دعمها للحركات السودانية المسلحة.
كان بإمكان السودان أن يعمل في اتجاه آخر بصمت وهدوء تامين، كما أن الحملات الإعلامية المضحكة التي تقوم بها بعض الصحف الجنوبية الوثيقة الصلة بحكومة جوبا من السهل أن تواجهها الخرطوم بحملات مضادة ومؤثرة لن تحتملها جوبا على الإطلاق. ذلك إن الذي يجري في دولة جنوب السودان يبدأ وينتهي بفشل النخبة الحاكمة هناك في تحمل مسئولية بناء الدولة.
قادة الحركة الشعبية الجنوبية الذين بنوا كل مجدهم السياسي على فشل الدولة السودانية وظلوا يؤكدون باستمرار على أيام النزاع الدائر بين الطرفين أنهم لن يكونوا جزء من دولة سودانية فاشلة كما ظل يردد (باقان أموم) بدون وعي، وهاهم الآن وبمجرد حصولهم على دولتهم يبدءون بتمزيقها لأسباب خاصة بمصالحهم الشخصية.
الصراع المرير الدائر الآن بين الفرقاء الجنوبيين يرتكز أول ما يرتكز على المصالح الخاصة والمصالح القبلية والسلطة والثروة! لم يفكروا حتى هذه اللحظة في بناء الدولة أو حتى على الأقل المحافظة على البنى التحتية التي وجدوها عليها.
علينا أن نتصور كيف انهارت البنى التحتية والمنشآت المهمة بنسبة تفوق الـ65% في بحر أربع أعوام فقط! إن الدمار الذي حاق بدولة الجنوب على  يد أبنائه في الأعوام الأربعة الماضية لم يتحقق لو بنسبة 5% على أيام الحرب الطاحنة التي قادتها الحركة الشعبية ضد الحكومة السودانية في مدى زمني مهول جاوز العقدين من الزمان. وماذا بوسع فرقاء جنوبيين لم يتوانوا في تدمير بلادهم بكل هذا الغل والطيش والجنون أن يقولوا في الشأن السوداني؟ من يسخر ممن؟ ومن ينتقد من؟ بل إننا حتى ولو قلنا إن طبيعة الدولة الجنوبية بقبائلها وأعراقها المتناقضة غير قابلة للتعايش، فإن المؤلم في ذات الوقت أن الحركة الشعبية نفسها، بل وحتى في نطاق قيادتها وفي نطاقها الضيق غير قادرة على التعيش، وهذا يعني -للأسف- الدولة الجنوبية موعودة بعشرات، بل مئات الصراعات على ذات الطابع والشاكلة بعد الصراع الحالي وذلك لأنها بطبيعتها غير متماسكة ولا متجانسة ولا تستند على أساس.
ومن جانب آخر فإن الصحف الجنوبية المغدق عليها المال والدعم من الحكومة الجنوبية تثير هي الآخر الضحك والرثاء حين تجد كل هذا الوقت والورق والأقلام لكي تكتب ناقدة ومهاجمة السودان. ولا شك أن هذه الصحف الجنوبية تمارس ترفاً ما بعده ترف عندما تترك كل الأشلاء والدماء المتطايرة والشوارع المرتوية بالدماء والطرقات الكالحة السوداء جراء الحرائق وتهتمّ فقط بالسودان!
الصحف الجنوبية التي لم تستطع أن تقدم دفاعاً موضوعياً في مواجهة الانتقادات الدولية وإحباطات أصدقاءهم الأمريكيين وشعورهم بالحزن والآسي على ما آلت إليه الأمور في جوبا، تهربت من واجباتها الوطنية وهربت إلى تعليق الفشل على شماعة الخرطوم؟
ولعل الأكثر مدعاة للسخرية انك إذا ما استعرضت الصحف الجنوبية بأكملها لن تجد كاتباً موضوعياً فيها يقدم خدمة وطنية جليلة لبلاده ينتقد فيها صراع السلطة والقبيلة والمصالح الشخصية هذا و يدعوا إلى وقف الصراع وبناء الدولة والالتفات إلى المستقبل.
إن السودان الذي منح شعب جنوب السودان هذه المساحة الغنية والرحبة وشاركه فرحته بإقامته الدولة الجنوبية الوليدة وما يزال يستضيف الآلاف من الفارين من جحيم الصراع الرهيب لم يكن يتوقع أن تكون صحافة دولة الجنوب بهذا القدر من السطحية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق